2012/07/04

الأغنية السورية : عتابا وميجانا و.. أحزان أخرى ماضٍ مجيد وحاضر نبحث عنه
الأغنية السورية : عتابا وميجانا و.. أحزان أخرى ماضٍ مجيد وحاضر نبحث عنه

نجوى صليبة – تشرين


من يعيد لاستوديوهات الشام ألقها..؟!

من استديوهات الشام انطلق كبار الملحنين والمطربين العرب,ولا حاجة لذكر أسمائهم-فهم كثر-وفي الفترة ذاتها أو بعدها بقليل لمع أبرز المطربين السوريين الذين قدموا أغاني متكاملة العناصر من كلمات وصوت ولحن,

دونما الحاجة إلى عكازات تتمايل هنا وهناك..تمر بعدها الأغنية في ثبات طويل يقول البعض ما خرجت منه حتى الآن, في حين يرى آخرون أن الأغنية السورية اليوم في أوجها نظراً لمواكبتها متطلبات الجمهور؟؟

هل حقاً الأغنية السورية في مرحلتها الذهبية,؟؟ أم أنها فقدت رونقها إلى مالا عودة؟؟

وإن كان ذلك، يحق لنا الاستفسار هل من دواء ناجع!

تراجع مبكر

أردنا إغناء الموضوع بخبرات كبار الملحنين والمطربين في سورية, لكن الرفض كان سيد الموقف, لماذا؟؟ من تفضل منهم بالرد قال:«إن الوضع لا يسمح». ومنهم من تحدث مجيبه الآلي عنه طالباً ترك رسالة نوضح فيها ما نريد،وضحنا... ووضحنا.. وما حصلنا على جواب ولو آلياً..

لكم ولسواكم أقول: «لن نموت ونحن أحياء «سنتابع عملنا وكأن شيئاً لم يكن، فبالعمل وحده تحيا سورية وتشفى»..

الموسيقا مادة موجودة نظرياً في مدارسنا أما عملياً فهي ملغاة, حصة فراغ أو حصة تعويض لنقص أو تأخير في مادة أخرى, لكل من تساءل وقال ما علاقة هذا بذاك؟؟ نقول إن التربية الموسيقية مثلها مثل أية مادة أو علم يتعلمه الإنسان في صغره ويتقنه في كبره، الموسيقا تهذب النفس والروح والذائقة السمعية للطفل لكن وبكل أسف لا تلقى الاهتمام ما يجعل الطفل كما سبق وذكرنا عرضة للتلوث الأخلاقي والبصري والسمعي وتالياً خلق جيل لا يعرف من المطربين سوى الغانيات المرافقات لهم..

نتحدث عن تربية الطفل موسيقياً لأن انعدامها في السابق هو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم وغداً إن بقينا على الوتيرة نفسها...

يتسابق الأهالي اليوم لتسجيل أبنائهم في معاهد تدريس الموسيقا الغربية الكلاسيكية بعضهم يقول: إنها مرغوبة من قبل الجميع ومستقبلها أفضل كون لا أحد يسمع الموسيقا العربية في هذه الأيام, في حين يرى بعض الأهالي أنها أبسط من غيرها، لكن بالحديث عن رغبة الطفل وماذا يحب, وجدنا أن بعض الأهالي فرضوا على أبنائهم النمط الغنائي والموسيقي الذي يحبون متجاهلين كون الموسيقا العربية الداعم الأساس للأغنية السورية, يقول الموسيقي وقائد فرقة دمشق للموسيقا العربية «رامز غنيجة»: «هذه المعاهد مؤامرة أخرى تستهدف تاريخنا وحضارتنا التي صدّرت إلى العالم أقدم نوتة موسيقية,ليحل محلها صرعات تؤذي السمع والبصر والأخلاق لدى الطفل، ما يخلق جيلاً بعيداً عن الغناء الأصيل».

كانت الأغنية السورية رسالة راقية تعتمد على الكلمة الجيدة والمعبرة واللحن العذب والصوت الجميل, لكنها ومع كثرة المدّعين تحولت إلى مأساة كبيرة عوامل انتشارها فتيات غانيات يشاهدهن الصغير قبل الكبير, يقول الموسيقي «رامز غنيجة»: «أغاني اليوم فقدت كل جميل الكلمة واللحن والصوت فتحولت إلى مصدر للربح المادي السريع بوجود كل هذه الفضائيات».

من جهة يرفض الملحن و شاعر الأغاني راشد الشيخ (كاتب كلمات) القول إن الأغنية السورية تراجعت ويرى أن هذا التراجع حصل في فترة الثمانينيات, لكن الأغنية ومنذ عام 2000استعادت ثقة الجمهور السوري والعربي لاحقاً، يقول «الشيخ»:«أي شيء يتم على مراحل وبداية انتعاش الأغنية كان بفضل الأخوين علي كما أحب أن أسميهما وأقصد «ثائر وماهر العلي»,فقد استطاعا -رغم اعتراض الكثيرين على ما أقول- استعادة ثقة الجمهور من خلال تقديم أغنية سورية الكلمة واللحن والصوت, ينطبق عليها شعار صنع في سورية، في الوقت الذي فقد فيه كبار مطربينا صلتهم بالجمهور وما عادوا قادرين على مواكبة متطلباته»..

الأغنية الشعبية

شهدت الساحة الفنية مؤخراً صراعات عديدة بين مطربين سوريين ولبنانيين على ملكية أغان, معظمها شعبية، فهل حقاً الأغنية الشعبية هي المنقذ للأغنية السورية وهي من سيعيد الحياة لاستديوهات دمشق؟؟

يقول «راشد الشيخ»: «كبار النجوم اللبنانيين باتوا يغنون الأغنية الشعبية السورية أو ما يماثلها كونها تنقل شعوراً حقيقياً»..

بينما يقول الملحن والموسيقي «مروان دريباتي»: «الفلكلور الشعبي السوري غني جداً, في الماضي قدمناه بالطريقة الصحيحة، أما اليوم ما يسمى الأغنية الشعبية فهو أشبه بأغاني النوادي الليلية، لاتسامها بالسطحية, وهذا يعود إلى انعدام الثقافة لدى الملحن وكاتب الكلمات والمغني,أما الجمهور فلا حول له ولا قوة يسمع ويتأقلم».

أما المنتج «فارس الشامي» مدير شركة ميوزيكا فيرى أن الأغنية الشعبية مطلوبة أكثر من غيرها فيقول:«في الآونة الأخيرة لجأ الكثير من المطربين اللبنانيين إلى سورية للحصول على أغنية جيدة اللحن والكلمات,أما الأغنية العاطفية فمن المؤكد أنها ستصبح مطلوبة في حال تلقت الدعم والترويج الجيد».

الفيديو كليب والقنوات الموسيقية ضرورة ملحة وكذلك المهنية..

في استطلاع لآراء بعض الشبان والشابات وجدنا أن الأغنية المصورة بطريقة الفيديو كليب مرغوبة أكثر من غيرها مفضلين بذلك مشاهدتها على سماعها ومتفقين مع رأي المطربة «نانسي زعبلاوي» التي تقول:«تصوير الأغنية بطريقة الفيديو كليب ضروري جداً لانتشارها»..وهذا ما يؤكده أيضاًً الملحن «راشد الشيخ» مع تأكيده على أن تصوير الأغاني يختلف عن تصوير الدراما, يقول:«لابد من التخصص وهذا لا يعني أنه لا مخرجين جيدين لدينا بل على العكس, لكنهم قلائل».

لكن ماذا بعد تصوير الأغنية؟؟ أين هي القنوات التي ستبثها وتعرف الجمهور بها, وتعطيها حقها من الانتشار والشهرة؟؟ وهل تنتهي المهمة هنا دونما نقدها أو التعليق على جودتها نوعيتها وسلبياتها وإيجابياتها,يقول «مروان دريباتي»:«الإعلام يجيد التطبيل والتزمير للأغاني والمطربين مبتعداً بذلك عن النقد البناء الهادف إلى تطوير الأغنية», ويضيف «دريباتي»: «إن الحالة النقدية لم تتبلور بعد في سورية كما أننا نفتقر إلى مختبر موسيقي يقوم بنقد وتقييم ما يقدم من أغان».

وهنا لابد من ذكر ما قالته المطربة «نانسي زعبلاوي» بحق الإعلام السوري:«لقد دعمني الإعلام كثيراً وأقصد هنا القنوات الإذاعية والتلفزيونية بعرض وبث أعمالي كافة,كما أنهم وقفوا إلى جانبي عندما تمت سرقة ألبومي على الانترنت من خلال التعريف بكل أغانيه»..

بالاسم فقط

وأما شركات الإنتاج فهي موجودة اسماً فقط و أما فعلها فيقتصر على ألبوم في العام فقط، ما يعني أنها شركات غير قادرة على منافسة الشركات العربية بالشكل المطلوب والمناسب, يقول «مروان دريباتي»: «تعاني شركات الإنتاج من وضع سيئ جداً والسبب عدم وجود قانون ينظمها وينظم العمل فيها أو يشغل الطاقات الهائلة الموجودة في البلد».

لكن ماذا يقول أهل الاختصاص، المنتج «فارس الشهابي» يذكر أن «المال يحول دون تطوير الأغنية السورية ودون وجود شركات إنتاج فاعلة، بالنسبة لي قمت بافتتاح فرع لشركتي هنا في دمشق فقط لدعم المطرب السوري, وأتعامل معهم دون توقيع عقد احتكار».

ومع انعدام مقومات نجاح الأغنية السورية بشكل عام تظهر بعض الحالات الخاصة التي تثبت لمن يتمتع بالذائقة الفنية بأن هناك من يحاول الحفاظ على الغناء السوري الأصيل حتى ولو كان التمويل ذاتياً، يقول«رامز غنيجة»:«أحرص على تقديم الطرب الأصيل وأسعى جاهداً للمحافظة عليه من الاندثار,مع أني في كثير من الأحيان أدفع من مالي الخاص، لكن ما يعزيني وجود جمهور مازال يجهد نفسه لسماع كل أصيل»..

أما «نانسي زعبلاوي» فتقول:«هناك مطربون يعتمدون الأغنية التجارية من أجل الشهرة أو يضطرون للغناء في المطاعم لكسب المال، أنا ضد هذا المبدأ تماماً، لقد قمت بتصوير إحدى أغنياتي في باريس على نفقتي الخاصة فقط كي أقدم ما يليق بي وبالجمهور الذي يحبني»..

لكن هل الجهد الخاص يكفي للنهوض بالأغنية السورية واستعادة مجدها الغائب، طبعاً لا...

شارات المسلسلات

قبل الحديث عن المهرجانات والمسلسلات لابد من الحديث عن الفرق الشعبية التي تقدم حفلاتها في سورية وخارج سورية بعض هذه الفرق أثبتت جدارتها وبعضها الآخر لم يستطع نقل التنوع الثقافي السوري إلى المسارح الداخلية والخارجية بل نزح إلى مسار واحد أما البعض الآخر فبات يفتخر باستخدام الموسيقا..

لكن بالحديث عن المهرجانات لابد من الحديث عما قدمه مهرجان الأغنية السورية, وهنا يقول «دريباتي»:«هذا المهرجان  جيد ظاهرياً لكنه في الحقيقة ساهم في تكريس المحسوبيات, هناك مهرجانات أخرى ومعارض كثيرة كان بإمكانها دعم المطرب السوري لكنهم كانوا يفضلون استقدام المطرب اللبناني أو العربي».

وللموسيقا التصويرية وأغاني البداية في المسلسلات شجن آخر, حيث يمارس بعض المخرجين والموسيقيين احتكاراً فظيعاً للموسيقا التصويرية ولأغاني البدايات فنجد أن مطرباً واحداً أو موسيقياً واحداً يؤدي شارات أكثر من خمسة أعمال في الموسم الدرامي الواحد, هذا فضلاً عن الاعتماد على مطربين عرب لغناء بدايات المسلسلات،يقول «رامز غنيجة»:«احتكار الموسيقا التصويرية وشارات البداية يجعل العمل الدرامي يقع فريسة التكرار ويضيع الفرصة على الكثير من المطربين والملحنين».

أزمة أخرى

أغانٍ وطنية كثيرة ظهرت وانتشرت مع بداية الأزمة التي ألمت بسورية منذ أكثر من سنة منها الجيد ومنها المقبول ولا نريد أن نقول الرديء, بعضها افتقر للصوت وآخر للكلمة وآخر لللحن، في حين أساء آخرون للوطن أكثر مما أفادوه, وهنا يقول«دريباتي»: «للأسف الكثير من غنى بالنوادي الليلية هو نفسه من غنى الأغنية الوطنية»..بينما يقول «راشد الشيخ»: لقد كان للأغنية الوطنية دور كبير في إعطاء الجمهور معنويات عالية, لقد نجحت وانتشرت لأنها تحدثت بلسان الشعب ولامست أحاسيسه ومشاعره..