2012/07/04

الأفلام العربية في “كان” لم تحقق الهدف
الأفلام العربية في “كان” لم تحقق الهدف


محمد رضا – دار الخليج

ثلاثة أفلام عربية شاركت في الدورة التي تنتهي اليوم هذا الأسبوع من مهرجان “كان” السينمائي الدولي تكشف عن حالات متباينة تمر بها السينما العربية تبعاً لظروف الدول التي تنتمي إليها .

واحد منها، “بعد الموقعة”، تم ضمّه إلى المسابقة في حين وجد الفيلمان الآخران لهما مكانين في تظاهرتين متوازيتين: “يا خيل الله” المغربي في “نظرة ما” و”التائب” الجزائري في “نصف شهر المخرجين” .

النقد الغربي لم يكن مرحباً بهذه الأفلام على حد متساو، وأكثر الأفلام عرضة للانتقاد كان فيلم يسري نصرالله “بعد الموقعة” لسببين: الأول أنه معروض في المسابقة التي تبقى محط اهتمام القسم الأكبر من النقاد والإعلاميين (أكثر من 3400 فرد) والثاني أنه لم يتوصّل بالفعل إلى تبرير لموقفه غير الواضح حيال أحداث مصر التي شهدتها في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، ولا إلى بلورة صياغة فنية أفضل لموضوعه .

يستخدم فيلم يسري نصرالله الجديد “موقعة الجمل”، وهي الاسم الإعلامي لواقعة الاعتداء على المتظاهرين أثناء الثورة، ثم ينفصل عن العرض التسجيلي ويؤلّف منه خطّاً روائياً ينضوي على حكاية ذلك الفارس الذي ألقي القبض عليه وإسقاطه عن فرسه قبل أن ينهال عليه المتظاهرون ضرباً . إنه باسم سمرة، أو محمود في الفيلم، الذي أصبح محط عداء المحيط الاجتماعي بسبب اشتراكه في الموقعة لحساب رجال النظام السابق، هذا رغم أنه يبرر ما فعل لنا وللمرشدة الاجتماعية ريم (منّة شلبي) بأنه كان بهدف هدم الجدار الذي تم وضعه بين حارته والهرم ومنعه من النظر إليه .

فلقد وعده من استأجره والآخرين لهذه المهمّة برفع معيشته وهدم الجدار لكن ها هو الجدار لا يزال منتصباً وها هو يمثّل أمامه .

ورغم حسن تمثيله، إلا أن ذلك كلّه غير مقنع ولا يكفي لبناء الفيلم عليه، خصوصاً وأن نصر الله لا يبدو مدركاً أي وجهة نظر يريد أن يتبنّى . كذلك ليس مقنعاً أي شيء في تلك العلاقة العاطفية التي تطل برأسها بين ريم ومحمود ثم لا تتقدّم ولا تتأخر ولا تذهب بعيداً .

لا نعرف مثلاً لم تتصرّف ريم على هذا النحو المعاند لما يراه كل مشاهد على أنه موقف خطأ ما دامت العلاقة ليست حبّاً، ولا هي رغبة صرفة . ربما هناك عاطفة قلب وربما هناك نداء جسدي، لكن الفيلم يبقى بمعزل عن اتباع أي من هذين الاحتمالين لكي يؤسس لما يقع لاحقاً .

ينتقل يسري نصرالله بين تأليف تسجيلي وآخر درامي (أحياناً بسلاسة) لكنه يخفق في معالجة سيناريو ينتقل بنقاطه من دون حل من المشاهد الأولى لها لمشاهد أخيرة . عند النهايات مثلاً ما زال الفيلم يتحدّث عن وضع محمود من حيث إذا ما كان ضحية أو جلاداً، مردّداً مشهداً بعد آخر حيرة النظر إليه لا من قِبل ريم فقط، بل من قِبل الفيلم ومخرجه أيضاً .

الفيلم المغربي “يا خيل الله” هو جديد المخرج نبيل عيّوش الذي يعود إلى البيئة الفقيرة التي تعيش عشوائيات حي سيدي مؤمن في ضواحي الدار البيضاء، حيث يترعرع الأولاد في فقر مدقع فنتابعهم في نحو ساعة وهم يدلفون من جريمة وجنحة إلى أخرى بما في ذلك، وفي مشهد لا حاجة لنا به، مشهد اعتداء صبي دون الثالثة عشرة على صبي آخر في عمره . انتفاء الحاجة مردّها أن الفيلم يستعرض الحادثة للصدمة، كذلك يفعل في تلك الساعة الأولى من الفيلم، حيث الكاميرا لاهثة والمشاهد متوتّرة والضجيج عال والمواقف الحادّة متوالية .

في الساعة الثانية ينقلب الأسلوب من كاميرا محمولة ومهتزّة إلى كاميرا غالباً ثابتة . كبر أولاد الشوارع وانضمّوا إلى التنظيم الإرهابي الذي سيبعث بهم بمهام تفجيرات متعددة كتلك التي وقعت في المغرب فعلاً في 2003 .

هذا النصف الثاني إنه أكثر انضباطاً لكنه لا يخلو من تصوير كاريكاتيري لأعضاء التنظيم من مدرّبين وشيوخ أو مسؤولين . صحيح أنه لا يعرضهم للسخرية لكن بلا عمق . على ذلك ينجح الفيلم في رصد الحالة العامّة ولو أن المرء لا يمكن له اعتبار هذا الفيلم بمثابة العمل المرجعي للموضوع الذي اختاره مخرج “علي زويا” و”كل ما تطلبه لولا” .

الفيلم الثالث هو “التائب” للمخرج الجزائري مرزاق علواش ويدور أيضاً حول التطرّف والإرهاب . إنه عن راشد (نبيل عسلي) الهارب من الخدمة في أحد التنظيمات والذي يعلن انسحابه منه ويعمد لتسليم سلاحه إلى ضابط الشرطة في البلدة الصغيرة التي جاء منها . راشد يتوسّم حلاً اقتصادياً لمأزقه: يريد أن يرشد صيدلي الحارة إلى المكان الذي فيه دفن ابنته الصغيرة المخطوفة لقاء مبلغ من المال، وسوف يستقل وإياه وزوجة الصيدلي السيارة التي ستنطلق إلى مكان بعيد للغاية . عند هذه النقطة بالتحديد كان يمكن للفيلم أن يبدأ لأن ما سبق يبدو تحضيراً . وأن ينطلق من البداية غاضاً الطرف عن كل ذلك التمهيد والدوران في المكان الواحد . لم يكن العمل بحاجة إلى ما سبق من تقديم وشرح حالات وتفسير ما هو واضح . لو عمد المخرج إلى “فيلم طريق” من ساعة ونصف الساعة يضم تلك الشخصيات الثلاث وكيف وأين تتعارض وتتفق وما يمكن أن يحدث خلال هذه الرحلة الطويلة ومحطّاتها لكل أفضل من عمل ليس لديه الكثير ليعرضه .

كما لاحظنا، فإن الأفلام الثلاثة مرتبطة بما يدور في عالمنا اليوم مع اختلاف الحدث من فيلم لآخر . لكن الملاحظة الأخرى هي أن كل فيلم جاء مكبّلاً برغبات غير تلك المنجزة، ويشي بعمل أكبر وأقوى لم يستطع بلوغه رغم الحريّة الممنوحة لكل واحد منها .