2012/07/04

الأمومة بين الرؤية التقليدية وخرقها درامياً
الأمومة بين الرؤية التقليدية وخرقها درامياً


بسام سفر - تشرين


تتميز الدراما السورية بالإغراق في النظرة التقليدية الكلاسيكية لمفهوم الأمومة، إذ نادراً ما نجد خرقاً لهذا المفهوم التقليدي، وعملت هذه الدراما على تمجيد الأم والأمومة من خلال هذا المفهوم،

ولذلك يصعب التمجيد والإشادة بهذه النظرة التي تقوم على تجريد الأم من العواطف الإنسانية الأخرى لمصلحة مفهوم الأمومة الكلاسيكي، وتزيد الدراما السورية من الإغراق والتعميق لهذا المفهوم عبر تظهير نظرة خاصة بالأمومة، في العديد من الأعمال الدرامية منها على سبيل المثال «وراء الشمس» للمخرج سمير حسين والكاتب محمد العاص، إذ يقدم العمل إخلاصاً أمومياً شديداً رغم مرض الابن الطويل الذي يتطلب عناية يومية به، فظهر ذلك عند السيدة منى واصف والدة بسام كوسا، وأيضاً الفنانة نادين خوري والدة الشاب علاء الدين الزيبق، ويأتي الإخلاص الأمومي من خلال التوصية التي تقوم بها الفنانة نادين لزوجها وابنتها بالعناية بعلاء بعد موتها، فهذا التطرف الأمومي في مجتمع يصبغ على الأم الصفة التي يحبها، وينكر عليها حريتها الإنسانية الغريزية كامرأة خارج مفهوم الأمومة، تصح تسميته بالمجتمع الذكوري الذي يحكم المجتمع بالكامل من خلال هذا المفهوم.

لكن يبقى لنا أن نشيد بأدوار لفتت الانتباه إليها بالحضور الأمومي المميز، مثل دوري إنطوانيت نجيب وسلمى المصري في العمل الدرامي «رياح الخماسين»، للمخرج هشام شربتجي، فالسيدة نجيب لعبت دور الأم والجدة في الوقت ذاته لكن ما أكد على أهمية دور الأم عندها هو أنها تنسى الكثير من المعطيات الحياتية التي عاشتها بعد أن بلغت من العمر عتيه، حيث تطالب بابنها البكر «اسعد فضة» الذي فقدته سنوات طويلة بينما تعامل ابنها الصغير «نضال سيجري» بالقمع اللطيف، وتخفي من مطبخه السكاكين نتيجة الخوف من أن عملية قتلها قد تقوم بها زوجة نضال سيجري، إن هذه الشخصية من أهم شخصيات الأم في الدراما السورية نتيجة التعامل الغريزي العفوي للأمومة، وهي هنا تقارب شخصية الأم التي كانت قد لعبتها الفنانة الراحلة «هالة شوكت» في العمل الدرامي «كسر الخواطر»، ومن المفيد أيضاً التذكير بشخصية قدمتها الفنانة المخضرمة منى واصف في العمل الدرامي الشامي «ليالي الصالحية» سيناريو أحمد حامد ومن إخراج المخرج بسام الملا، وهي أم الفنان بسام كوسا التي تحرض ابنها على عدم التصالح مع ابن عمه «عباس النوري» وتحيك المؤامرات لتحصل على الذهب وحصة ابنها كوريث، يضاف إلى ذلك دور آخر لعبته الفنانة «واصف» في العمل الدرامي «الصندوق الأسود» من تأليف رانيا بيطار وإخراج سيف الشيخ نجيب، إذ توظف الأمومة في خدمة العائلة والحفاظ عليها وعلى سمعتها وسمعة العائلة، في أوساط اجتماعية راقية، بمنتهى الديكتاتورية تقود العائلة في إطار محدد من دون الإفصاح عن زواج أخيها الأول وإخفاء زواجه الثاني عن عائلته الموجودة في سورية، أما الفنانة نادين خوري فقد لعبت دوراً أمومياً خاصاً في العمل الدرامي «خبر عاجل» من إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فهي رئيسة التحرير التي تعمل من اجل الحفاظ على موقعها وعملها، وتعامل أبناءها بمنتهى الحزم والقسوة خاصة لجهة الضغط عليها من أجل التوسط لهم ولأزواجهم حيث يحققون الاستقرار الوظيفي للحصول على مبالغ أكثر، فالحب الأمومي لديها موجه ومنظم لا يعتمد على المفهوم التقليدي للام التي تعطي بلا حدود، وهنا نجد الحب المهني والوطني يعلو على الحب الأمومي، ويضاف إلى ذلك دورها الأمومي في «سحابة صيف» من تأليف إيمان السعيد وإخرج مروان بركات، حيث ضحت بالحبيب مقابل الزواج المادي لكي يبقى الأبناء التوءم على خانة أب في السجل المدني، وهذا الأمر يجعل الأم نادين غير قادرة على مواجهة الزوج الذي يمد يده على ابنة زوجته المسجلة على اسمه وهي تعرف أنه أبوها، لذلك تخاطب أمها لعلها تحميها من يد الزوج، لكن خوفها لا يدفعها لحماية ابنتها لذلك تظهر علاقتها بعيداً عن الحب الأمومي التقليدي، ونلحظ دور الأم في العمل الدرامي «لعنة الطين» للفنانة ضحى الدبس في تقليديته القروية الساحلية حيث تضحي الأم بالابنة كاريس بشار على مذبح الحفاظ على التقليدية وسمعة العائلة مقابل حرية المرأة، والام تلعب دور القامع الأبوي التقليدي من اجل عدم جلب فضيحة للعائلة، في حين تقع الابنة تحت سيطرة الذكورة التقليدية في القرية، أما الفنانة سلمى المصري فقد لعبت دوراً أمومياً مميزاً في العمل الدرامي «الجمل» إذ تقود الأم عملية انتقام من عدوها «شمالي» في إطار حب أمومي تقليدي، وكذلك لعبت دوراً في «رياح الخماسين» وهي الأم المنتظرة للزوج، ودوراً أمومياً في أشواك ناعمة له علاقة بكل طالبات المدرسة وعائلتها الخاصة.

أخيراً هذه العينات الأمومية في الدراما السورية تؤكد على الرؤية التقليدية للأمومة في المجتمع السوري بينما اتخذ المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس في مسرحيته «الايام المخمورة» أماً غير تقليدية، إذ تذهب الأم مع عشيقها بعد أن كبر أولادها وتتخلى عن زوجها وعن أولادها مقابل شعور الحب الجميل الذي تعيش من أجله بقية حياتها، فهل تستطيع الدراما السورية خرق التابو التقليدي لرؤية الأم السورية؟.