2012/07/04

الأم في المسلسلات السورية شخصيات مغرقة بعاطفة الأمومة .. محدودة الأنوثة
الأم في المسلسلات السورية شخصيات مغرقة بعاطفة الأمومة .. محدودة الأنوثة

احمد الخليل - تشرين دراما

لم ينتج عمل درامي تلفزيوني سوري إلا وضمن شخصياته شخصية أم أو أكثر ومن يدقق ويتابع أدوار الأم التي عالجتها الدراما لدينا يصل إلى قناعة تامة بأن الأم في معظم الأعمال وقعت تحت ضغط الفكر الذكوري ووجهات النظر الاجتماعية التي تصنف المرأة عموما بأنها مواطن درجة ثانية أو ثالثة، ووجهات النظر هذه تتأثر ببعض القناعات الدينية والتقاليد والعادات المتوارثة ما أدى لان تكون أدوار الأم متشابهة نمطية (مونوتون)، فنادرا ما نرى أماً مختلفة لها شخصيتها ووجهة نظرها المستقلة، وحتى في الأعمال التي كتبتها نساء بقيت صورة الأم كما هي...

هذه الصورة تدغدغ الصورة المستقرة في ذهن الناس والمحمية من أفكار ماضوية تحاول تأبيد دور الأم كما رسمته لها الشرائع والمورثات التاريخية والاجتماعية... ‏

فالأم حسبما كرسته الدراما هي المرأة المضحية الطيبة الحنون الخادم الأمين للزوج وللأولاد، لا تهتم بنفسها أبدا إنها تحرق أيامها وروحها في سبيل أبنائها وزوجها هي صاحبة الدمعة السخية مدمنة سهر الليالي وقوفا على راحة العائلة، في حين يمارس الزوج حياته بعفوية وتنوع في الذهاب والمجيء والسهر وملاحقة النساء والتمتع بالحياة، أما الأولاد فيذهبون إلى المدارس أو الجامعات يلعبون ويمرحون تحت بصر الأم الرؤوم المراقبة لأبنائها بحنو وبأمل.. ‏

فلا يمكن للكتاب والمخرجين الخارجين من عباءة قوانين ومواريث الذكورة ومقدساتها إلا أن يقدموا لنا أما مقدسة صافية نقية لا تشبه البشر، فهي ليس لها عواطف إلا عاطفة الأمومة وليس لها أي مشاعر إلا مشاعر احترام الزوج لا تشتكي ولا تتألم إنها مخلوق خشبي مبرمج سلفا على خدمة الآخرين من دون أن تكون لها أي حياة خاصة أو عامة، إنها شخصية محوطة بهالة قداسة خصص لها عيد يحتفل به الأبناء وبعض الأزواج... لذلك لا يمكن لهذه المرأة الأم إلا أن تكون وفية للصورة التي رسمها الرجال عنها وكرسته التعاليم... ‏

وأكثر من جسد صورة الأم النمطية الصافية في الدراما السورية هي الأدوار التي أدتها كل من الفنانات نجاح حفيظ ونبيلة النابلسي ونجاح العبدالله والفنانة منى واصف وهالة شوكت...وإذا حاولنا تذكر دور تلفزيوني يشذ عما قلناه آنفاً من الشخصيات التي تقمصتها الممثلات في أدوار الأم أجزم أننا سنفشل..وحتى إن كانت الأم قوية الشخصية كما في بعض أدوار منى واصف، فهي شخصية حازمة آمرة ناهية شريفة عفيفة طاهرة وطنية تقارع الاستعمار، أي هي امرأة عظيمة لأنها تشبه بعض الرجال بالوطنية والقوة وليست جيدة بحد ذاتها وهذا تجسيد عملي للقول المأثور (أخت رجال)، فالمرأة صاحبة الرأي نحترمها ونبجلها وربما نخاف منها فقط لكونه (أخت رجال)، فالقناعة لدى صناع الدراما كذكور هي أن الأم (الجدعة) تستعير بعض صفات الرجال لصنع دور اجتماعي لها لكن تبقى المرأة التي لا تريد شيئا لنفسها، فعلى الرغم من كل تضحياتها و(رجوليتها) لا تسعى لملكية أرض ولا إلى تركة ولا إلى أي شيء سوى الموت راضية عن أبنائها وعائلتها، فأهمية الأم تأتي لأنها ولدت الرجال وأرضعتهم وكبرتهم وسهرت على راحتهم وبكت عند مرضهم واعتنت بهم أثناء دراستهم... ‏

ونستطيع تقديم أمثلة كثيرة على أسلوب معالجة أدوار الأم وإخراجها من الطبيعة الإنسانية الغنية وجعلها صنماً يختلف عن البشر في كل سلوكياته.. ‏

في مسلسل (ليالي الصالحية) يعيش الرجال في إطار مفاهيم الشهامة والرجولة ويجسد هذه المفاهيم الشارب المُضفى عليه نوع من القدسية، أما النساء ومن بينهم الأمهات فهن في عالم آخر من الاستقبالات والحمامات وغرف النوم وإرضاء الزوج لكي لا يفكر بالزواج عليها، فالأم في المسلسل لا حول لها ولا قوة مهمتها فقط إرضاء الرجال!! ‏

وإذا أحب صناع الدراما تنويع أدوار الأم يقعون في نقيض قاتل يسيء للمرأة عموما والأم خاصة فهي متآمرة تحرض ابنتها على زوجها تكره حماة ابنتها وتحيك المؤامرات والدسائس على الرجال أي هي امرأة مكيودة حاقدة (مدودة).. ‏

والمثال البارز على هذا الدور شخصية فريال في مسلسل باب الحارة فهي امرأة غير حنون تخرب بيت ابنتها بيدها تثرثر دائما على سعاد خانم النموذج النقيض لفريال من حيث الشهامة والفهم والقوة والصدق... ‏

وفي مسلسل (الشام العدية) أدت الفنانة صباح جزائري دور أم فوزي وهي الأم الحنون التي تحاول الدفاع عن أبنائها وتوجيههم إلى الطريق الصحيح والابتعاد عن الخطأ ولكن حتى طريقة تعاطي الجزائري مع شخصية أم فوزي من ناحية الشكل وملامح وقسمات الوجه وطريقة التعبير عن المشاعر وإظهار حالات الخوف والحب وعواطف الأمومة والحوار ومفرداته شبيهة تماما بدور سعاد في باب الحارة وربما يتداخل الدوران في ذهن المشاهد فروح مروان قاووق ككاتب وقناعاته ظاهرة بوضوح في أدوار المرأة عموما وأدوار الأم خصوصاً. ‏

مسلسل (أحلام كبيرة) كرس صورة لأم المستكينة البسيطة (سمر سامي) وأغلب مشاهد الأم صورت في المطبخ الذي هو كل عالمها الخاص، ولا تدري ما يدور خارج جدران المطبخ وتقتصر مهمتها على الدعاء والقلق على غياب الأبناء والعمل على خدمتهم ومن ثم خدمة زوجها من دون أن يكون لها أدنى هدف ومكانة أو دور. ‏

ولا يختلف دور يارا صبري في مسلسل (قيود الروح) للمخرج ماهر صليبي، عن نمطية أدوار الأم، فهي الأم العاطفية الملبية لاحتياجات ابنها الخاصة إلى أبعد الحدود، لدرجة أنها وصلت إلى نهاية المطاف في علاقتها مع زوجها لصالح هذا الابن الذي تراه من وجهة نظرها كاملاً، وله الحق في أن يتزوج ويكمل مسيرته في الحياة، بخلاف الأب تماماً الذي طالما شعر بالخجل من تصرفات ابنه. ‏

وتختلف أدوار الأم إلى حد ما في المسلسلات التي كتبتها يم مشهدي ففي مسلسل (تخت شرقي) إخراج رشا شربتجي، الأمومة هنا لا تلغي أنوثة المرأة أو الأم، أو تجبرها على قراراتٍ مضحيّة لصالح أبنائها، هذا ما حدث مع أماني (أمل عرفة) التي تقرر الانفصال عن زوجها رغم تعلقها بطفلها الوحيد الصغير، كذلك الأمر بالنسبة لسوسن أرشيد التي تستخدم طفلتها الرضيعة في المسلسل كوسيلة ضغط على زوجها بعد خلافاتٍ عاصفة في علاقتهما الزوجية، أما مها المصري مضيفة الطيران التي لا تعترف بتقدم السن، وتصر على التمسك بشابها، وتفتح قلبها للحب بأي لحظة، هي ذاتها الأم لشابٍ وشابة يواجهان الكثير من المصاعب، ولا تبخل في تقديم النصح والمساعدة لهما. ‏

ومن الممثلات اللواتي لعبن أدوار الأم الفنانة نادين التي قيدها بعض المخرجين نظرا لصفاتها الخارجيّة كامرأة رشيقة وحيويّة والفيزيك الذي تتصف به في أدوار المرأة الأرستقراطيّة، فقد لعبت دور الأم المثقّفة الواعية المتفهمة في مسلسلات (نساء صغيرات)، (حاجز الصمت)، (الخط الأحمر).. أو الأمّ المستهترة كما في (أسياد المال)، بينما كانت في (يوميات مدير عام) زوجة المدير الطيّبة، التي تحاول قريباتها تغيير سلوكيّاتها، ودفعها إلى القيام بأفعال لا تتناسب مع طبيعتها وتربيتها كونها أصبحت زوجة مدير عام وفي مسلسل (بطل من هذا الزمان)، أدّت نادين دور (جمانة) المرأة التي تمتهن التدريس، وتضطرّ لإعطاء دروس خصوصيّة، إنها الأمّ المكافحة المضحية للحفاظ على بيتها وأولادها، تساعد زوجها الموظّف البسيط، في تأمين مطالب البيت والحياة المحترمة لأبنائها.. ‏

مما سبق نقول إن الدراما كانت وفية تماما في معالجتها لأدوار الأم لقناعات وتقاليد المجتمع ومفاهيمه المغلوطة عن الأم، فالأم المطلقة يجب ألا تحب رجلا آخر غير زوجها المتوفي، وأبنائها، فهي تستخدم كالدواء لمرة واحدة فقط عاطفيا وروحيا وجنسيا، وإذا أرادت أن تكون امرأة صالحة في المجتمع عليها قتل إنسانيتها وعواطفها والاعتناء بأولادها وتكبيرهم، ونسأل هنا الدراميين هل يتناقض دور الأم العظيمة مع أبنائها مع دورها في الحياة كامرأة لها رغباتها وآلامها وطموحاتها؟ ‏

والحنان.. هل يتناقض مع قوة الشخصية والتخطيط لحياة مستقلة..؟! ‏

لم يسبق أن عالجت الدراما شخصية أم مقموعة من زوجها عاطفيا وجسديا ولهذا السبب يمكن أن تفكر بحب رجل آخر يعوضها عن الحرمان والأمان ولو بإطار معالجة أسباب الخيانة الزوجية.. ‏

الدراما لدينا تعرض لنا الأم التي تفرغ حرمانها واضطهاد زوجها لها بالاعتناء بالأولاد والعطف عليهم ومحبتهم مع نهر من الدموع!! ونادرا ما نرى أرملة هي أم عظيمة مع أولادها تسعى لتجديد حياتها وعواطفها بحب عاصف مع رجل آخر غير المرحوم!! ‏

إذا بقيت أدوار الأم في الدراما السورية أسيرة فكر متخلف متزمت ذكوري لا يرى في المرأة إلا عنصرا تابعا للرجل وأولاده وأهميتها تنبع من أهمية مهمتها كمصنع (للرجال) وان قصرت في مهمتها (المقدسة) تتحول إلى امرأة ناشز وربما (عاهرة) مطرودة من جنة آدم...تحل عليها اللعنة الإلهية ولعنة رجال القبيلة؟!. ‏