2013/05/29

الأيقونة
الأيقونة


فجر يعقوب – الحياة

مصرع الفنان الكوميدي السوري ياسين بقوش بقذيفة طاولت سيارته على أطراف مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين حيث كان يعيش مهملاً ومتروكاً ومهمشاً من قبل الأوساط الدرامية السورية في العقد الأخير على الأقل، يكشف جوانب مأساة تتجاوز إنهاء حياته بهذه الطريقة وهو صاحب المنجز الكوميدي الذي رسم حياته وأسعد به جمهوره السوري والعربي. لم يكن الفنان الراحل «فلتة» في عالم العلاقات الاجتماعية، بل إنه لم يكن يجيد نسج أي من هذه العلاقات التي قد تتيح له استثمارها في مواصلة عمله كممثل بعدما كانت له صولة وجولة في عالم السينما والتلفزيون إلى جانب دريد لحام ونهاد قلعي وناجي جبر وآخرين.

ياسين بقوش كان ضحية تهميش طويل. عاش بين الفلسطينيين على أطراف مخيم اليرموك، ولم يغادره حتى بعد أن هجرته غالبية أهله. ربما لم يكن مقدراً له أن يغادره لأسباب نجهلها بالتأكيد، لكنّ إصراره على الدخول والخروج يومياً من هذا المخيم، كان يشكّل له بعضاً من استرداد الذات المضيعة في مواجهة هذا التهميش الطويل الذي عايشه بين زملاء له، ومن زملاء له على مدار السنوات الماضية. لا نفسر هذا السلوك الذي أصرّ عليه بقوش في الفترة الأخيرة، لكننا نحاول أن نقول شيئاً في الرجل الذي قضى بطريقة مأسوية قبل القذيفة الغاشمة بوقت طويل. قيل فيه الكثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي لحظة الإعلان عن مصرعه. رأى فيه بعضهم مهرج الملك لير الأبدي نسبة إلى أحد أدواره المسرحية، وتوقف آخرون عند بعض أدواره التي كانت تميزه بالسذاجة الشديدة معتبراً أن بقوش كان يجيدها أكثر من غيره بطريقة لافتة. كل هذا قد يكون صحيحاً، أو يبدو قابلاً للنقاش من وجهات نظر متباينة، لكن لا يمكن التسليم بوصفه «أيقونة الكوميديا السورية»، ليس لأنه لايستحق الصفة. الرجل يستحقها عن جدارة بكل تأكيد. بل لأن التهميش الذي لقيه ياسين بقوش في حياته المهنية لم يلقه ممثل سوري. حتى أن المشاهد الاستعادية التي غصّ بها بعض الفضائيات «تكريماً» لم تجد أمامها سوى الأرشيف الذي كان يملأه الفنان الراحل بأدواره الجميلة.

لم يكن بقوش حتى اللحظة التي تطاير فيها جسده تحت ضغط القذيفة يشكل جسراً إلى أي أيقونة، وإن بدا أن هذا الكلام يشوبه بعض القسوة، إلا أن الإقصاء الذي لاقاه وهو حي، شكل قسوة أكبر حين وجد الرجل نفسه في متاهة كبيرة على الأطراف والهامش. يدخل ويخرج. أو هو لايعرف متى يدخل ويخرج، طالما أن الخيوط تشابكت كثيراً من حوله، ومنعت عليه الاستمتاع باللقب الجميل في حياته، بخاصة أنه لم يحدث أن شاهدناه في كثير من المسلسلات الكوميدية في عز الفورة الدرامية السورية في العقدين الأخيرين.