2012/07/04

الباحث الموسيقي والملحن سعدو الذيب:الأغنية السورية موجودة منذ آلاف السنين
الباحث الموسيقي والملحن سعدو الذيب:الأغنية السورية موجودة منذ آلاف السنين

حوار:يوسف الجادر – تشرين دراما

يقترب الموسيقي والملحن سعدو الذيب من التراث الغنائي والفلكلور، ويحاول كشف الغائب من جماليته عبر الأرشفة والحفظ لأغلب الأغنيات المنتشرة في سورية والمخبأة في صدور الناس. وسعدو الذيب صاحب الأغنيات الأكثر قرباً من إحساسات الناس ومشاعرهم ولغتهم البسيطة، من منا لا يذكر أغنية (يومٍ على يوم لو طالت الفرقة) للمطرب الكبير فهد بلان، تلك الأغنية التي مازالت حاضرة بين إحساسات الناس ومشاعرهم لأنها حققت ذلك التوازن بين التراث الأصيل والتجديد في الموسيقا.

وسعدو الذيب الشاعر والملحن والباحث في التراث الغنائي السوري، أعَدَّّ مجموعة من البرامج التلفزيونية، والأفلام الوثائقية التي تندرج ضمن أبحاثه في مجال التراث الغنائي والفلكلوري السوري، من أفلامه الوثائقية (خيّال يرمح بالشمس)، و(وَعْد)، وساهمت برامجه في توثيق الأغنية السورية والفلكلور الشعبي كالدبكة والسهرة والتعليلة، ومن برامجه التوثيقية (حكايات وأغانٍ)، وله مساهمات متعددة في مجال الكتابة الدرامية إذ كتب عدة مسلسلات منها (الدخيلة- شيماء- دموع الأصايل- نغم على وتر- جحا 2003) ويكتب حالياً مسلسل (مجنون الشام)، وقدم دراسة مطولة عن الموشحات وتفصيلاتها تحت عنوان (الموشحات كنوزنا)، وشارك في أمسيات شعرية في عدد من دور الثقافة في القطر، إضافة إلى مشاركته كعضو لجنة تحكيم في مهرجان الأغنية السورية لأكثر من دورة، وقد كرمته وزارة الثقافة لمساهماته الكبيرة في مسألة الحفاظ على التراث غير المكتوب، وكرمته أيضاً هيئة الإذاعة والتلفزيون، واتحاد الصحفيين العرب في أمريكيا في لوس أنجلوس، والرابطة اللبنانية للأدباء، ونال العديد من الجوائز منها جائزة أورنينا لأربع دورات. ‏

وخلال العشر سنوات الأخيرة من حياة المطرب فهد بلان قدم له أغلب أغنياته وأشهرها: يومٍ على يوم، وكتب ولحن لأصوات سورية وعربية مجموعة من الأغنيات كأغنية ياسنين لالياس كرم وعلى موج البحر، وهي شارة مسلسل (على موج البحر)، وكتب ولحن للمطرب الأردني عمر العبدلات، إضافة إلى لبانة القصير، وأحمد الأحمد وبرهان القصير، واشتغل عدداً من الافتتاحيات الدرامية الغنائية والموسيقية منها (على موج البحر- مذكرات مدير مدرسة- صورة وأسطورة-). زارته دراما في مكتبه في جرمانا وكان لها هذا الحوار: ‏

عبر حوارتنا مع أغلب المتتبعين والموسيقيين والمهتمين بالغناء والموسيقا في سورية لاكتشاف الإطار التنظيري للأغنية السورية منذ بواكيرها الأولى، لمسنا الاختلاف التنظيري حول الأغنية السورية.. أين يجد سعدو ملامح الأغنية؟ ‏

تعيش الأغنية قديماً قدم الإنسان نفسه، لقد ابتدع الإنسان أغنيته الأولى وطور ألحانه، ولكن السؤال هنا عن تلك الأغنية التي لحنها وغناها أول مرة، ربما كانت مزيجاً من الأصوات تعبر عن دلالات معينة، ومع مرور الزمن ضبطت هذه الأصوات على شكل مقاطع لحنية، ومع ظهور الحضارات في بلادنا كان الإنسان قد اجتاز هذه المراحل للوصول إلى مراحل العلوم والفنون، والأغنية الشعبية غناها الناس نتيجة تأثير انفعالاتهم وانطباعاتهم الأولى،وجاءت صورة عن حياتهم، بدأت مرتجلة تحركها روح الدعابة والخفة، وانتهت إلى أن تصبح تراثاً شعبياً لابد من الوقوف عنده.. إن معظم أغانينا الشعبية جاءت من تراكم الحضارات التي مرت على سورية ومع تطورها تمّ استبدال اللحن أكثر من مرة واستبدال الكلمات أيضاً، ولكن لابد من وجود الأصل، وبرغم كثرة التعبير بالكلمات واللحن، ومن طبيعة سورية المختلفة بين الساحل والجبل والبادية أخذت الأغنية عدة ألحان تتناسب وطبيعة الناس والأرض، ولكن كيف انتقلت إلينا هذه الأغاني؟ انتقلت من استمرار الأفراح والأحزان والتواتر الشفهي والحفظ وهذا التراث الغني والمتنوع والجميل مع بعض التغيير والتحوير فجاءت أغنياته إلينا على شكل قصص تحمل الأسطورة في بعض الأحيان والحقيقة في أحيان أخرى.. لقد عرف القدماء ومن فجر التاريخ الطبول والأجراس والمزامير، وخاصة آلات النفخ فغنوا على أنغامها فطور الإنسان الغناء، فاستطاع إيجاد السلم الموسيقي، وللعرب الفضل الأكبر في إيجاده، أما المقاطع (دو-ري- مي- فا- صول- لا - سي)، فهي مقتبسة من المقاطع النغمية للحروف العربية، وتجمعها الكلمتان (در مفصل)، وهذه كثيراً ما نجدها في مصنفات لاتينية مشتغلة على كثير من المصطلحات العربية وهي ترجع إلى القرن الحادي عشر، والتي عثر عليها في جبل كاسينو الذي كان يقيم فيه العرب. ‏

تعد الأغنية أحد أهم أعمدة الفلكلور عموماً وهي الأساس الذي ينبع من تنوعه وأشكاله المختلفة كالحرف اليدوية والصناعات وغيرها، أين يلتقي هذا الفلكلور مع الأغنية السورية التي ظهرت في بدايات القرن العشرين؟ ‏

حين نتحدث عن الفلكور عموماً لابد من أن نتحدث عن الفلكلور الغنائي لسورية الطبيعية، إن التراث الغنائي السوري غني جداً، لأنه منتشر في البادية والجبل والساحل، وهذا أعطى لهجات ولكنات متعددة، فالتراث الغنائي السوري مختلف عن بقية بلدان الوطن العربي، فهو الأغنى والأكثر تميزاً نتيجة هذا التنوع، مثلاً ظهرت عدة ألوان غنائية قديمة ويمكننا أن نوصف (الدلعونا)، من أكثر تراثنا الشفهي، وفي البرنامج الذي قدمته (حكايات وأغانٍ) كان الارتكاز عليه شفاهياً أي أن مصادره الأولية هي من ذاكرة الناس، فحين كنا نصل إلى قرية أو بلدة أو مدينة نسأل عن مصدر أغنية يحفظها أحد كبار السن نصاب بألم شديد حين نعلم أن حافظ التراث توفي قبل ستة أشهر أي أن التراث الذي كان يحفظه ذهب معه، وهنا تكمن الخطورة أي أننا يمكن أن نفقد تراثنا في أي لحظة،ولكن لدي الكثير من الوثائق التي حصلت عليها تشير إلى أن الدلعونا جاءت من دلعنة آلهة الخصب والجمال عند الكنعانيين، فكان على كل اثنين قبل الزواج أن يلبسا هذه الآله الدلعانات، ومن هذه الدلعانات اختصرت هذه إلى الدلعونا التي عاشت فقط في بلاد الشام، ولم تتجاوز هذه المنطقة، وغنيت الدلعونا بأشكال مختلفة في بلاد الشام ففي الساحل كان لها لونها المميز، وفي المقابل كانت في السهل مختلفة، وكذلك في بقية الأماكن، واختلفت الكلمات من مكان إلى آخر، واختلفت الإيقاعات التعبيرية أيضاً، لأن إيقاع البادية غير إيقاع السهل وغير إيقاع الجبل، وهذه الميزة مستمرة حتى وقتنا الحالي، وعلى ملحنينا أن يستفيدوا من اللحن الأساس لهذه الأغنية، لأنه اللون الغنائي السوري المميز، ومن هنا أقول: أنا لا يمكنني وصف هذا اللون من الغناء بأنه غير سوري، فهو غناء سوري لم يتجاوز حدود سورية الطبيعية، إذاَ الأغنية السورية موجودة منذ مئات وآلاف السنين، ولدي وثيقة تشير إلى أن الأغنية موجودة منذ 1400 قبل الميلاد، هذا بالنسبة فقط للدلعونا وإذا عدنا إلى الموليا فهي موجودة من أيام العصر العباسي، وهي ترجع تحديداً إلى ما بعد معركة (الطّف) وخسارة البرامكة إذ خرجت إحداهن وقالت الموليا فاعتمد هذا اللون، وانتشر من العراق إلى سورية الطبيعية كلها ومن ثم انتشر في كل بلدان العالم نتيجة الاغتراب إلى أمريكا اللاتينية، فالموليا تغني في البرازيل وتسمى بـ (المولاتة)، وقال أحد المستشرقين إن هذا اللون جاء من سورية، ولنرجع أكثر إلى أصول الغناء عند العرب فإننا نجد أن الحداء هو لون غنائي كان يغنى على إيقاع الجمل ثم على إيقاع الخيل، وهذا اللون مازال يغنى حتى وقتنا الحالي، وهناك السويحلي والنايل والعتابا والزلف، هناك كتلة كبيرة جداً من ألوان الغناء في سورية عاشت ومازال بعضها حتى هذه اللحظة، وأيضاً هناك الموشح العربي الذي قدمته في برنامجي (نغم ووتر) فدرست الموشح منذ بداياته الأولى لأجيب عن السؤال الإشكالي وهو (هل الموشح مغربي أم مشرقي؟)، فتبين أن الموشح أصله مشرقي غادرنا من المشرق إلى إسبانيا، وهناك استفادت منه فرق التريبيدور التي كانت تأتي على شكل فرق جوالة، واستسهلت ألحانه وطريقة كتابة الشعر الذي يتميز بالكلمات الخفيفة، فالموشح مشرقي عاش في سورية ومازال، لكنه أيضاً موجود في أغلب بلدان الوطن العربي. ‏

كل هذا الذي قلته يؤكد أن الأغنية السورية بأشكالها المختلفة موجودة منذ آلاف السنين، وكل من يقول عكس ذلك فهو يجهل التاريخ، وحين يقول: أحدهم إنه لا توجد أغنية سورية بل توجد أغنية عربية بلون سوري فإن وقْعُ هذا الرأي صعب على ذاتي، وكأنه يفسر على أن سورية لا يوجد فيها غناء، فالذي لا توجد عنده أغنية أعتقد أنه بلا هوية. وهناك الكثير من الأغاني الموجودة في سورية، لنأخذ الأهزوجة السورية التي بدأت من الحداء في الحروب على الجمال، وأصبحت تغنى في الأفراح والمناسبات الدينية والدنيوية. وهناك غناء في سورية وتراث غنائي وفلكوري مهم جداً يجب البحث عنه وأرشفته.وأعتقد أن أهم وثيقة مصورة بالصوت والصورة للأغنيات والفلكلور الشعبي الغنائي في سورية هو برنامج (حكايات وأغان) التي اعتمدته اليونسكو ليكون المرجعية الأساسية لهذا التراث، لأنه لا توجد وثيقة مصورة للتراث في سورية، برغم أن أغلب بلدان العالم لديها وثائق من هذا النوع. ‏

هل استفاد الموسيقيون والمغنون السوريون من هذا التراث المتنوع، وما وجه الاستفادة؟

كل إنسان ابن بيئته وابن وطنه بالدرجة الأولى، والمبدع الذي ارتبط بتراثه الموسيقي نجح في استمراريته، لأنه حمل هوية هذا التراث الموسيقي، أنا أنتمي إلى هذا التراث إذاً فمن الطبيعي أن أكون استمرارية لهذا التراث، فنجيب السراج أغلب أعماله خرجت من هذا التراث كأغنية (عاللا اللا)، وهي تغنى أساساً على مقام البيات، لكن نجيب السراج غناها على مقام العجم، ونتيجة هذا التغيير أعطاها بعداً جمالياً مختلفاً، برغم أن جذرها الأساس هو تراثي، ونجحت الأغنية وانتشرت بين الناس، وهي إلى الآن تغنى في كل أنحاء سورية،هل أستطيع أن أقول عن هذه الأغنية إنها ليست سورية ؟ وهل هي لون غنائي خليجي أو مصري أو سوداني؟. ‏

من هنا أريد أن أوضح وجهة النظر الأخرى التي تقول: إن الأغنية السورية هي لون من ألوان الغناء العربي، أي إنه لا توجد أغنية سورية بل هناك أغنية عربية بلون سوري ماذا تقول في هذا الرأي؟

إذا قلنا عن أغنية معينة إنها طربية هل هذا ينحصر في الغناء الطربي المصري، فهناك أغان طربية مصرية، وأخرى سورية، وسودانية، ولبنانية، وإذا قلنا إن هناك طقطوقة مصرية فهناك أيضاً طقطوقة سورية ولبنانية..إلخ، لكن لدي ملاحظة حول تفسير الطقطوقة، وهي تعرف على أنها تتألف من مذهب واحد واثنين كوبليه، وتغنى بلحن خفيف، وهي سميت بهذا الاسم الذي لايعبر عن حقيقتها، فحين أقول عن أغنية (عاللومة اللومة) التي سجلت في 1951 في الإذاعة السورية على أنها طقطوقة ومازالت حاضرة حتى هذه اللحظة فهي أهم من الكثير من الأعمال الموسيقية والغنائية الميتة، ومفردة الطقطوقة أتت مستوردة لأننا لا نقول عن الأغنية الشعبية إنها طقطوقة، الأغنية الشعبية هي تراث أجدادنا وروحنا وذاكرتنا وهي موجودة قبل هذه التسميات، وأكثر بكثير فهناك قصائد من حضارة أوغاريت، ولدي قصيدة بعنوان (السلام) وجدت منوتة، وهذا يدل على أن أول نوتة وجدت في التاريخ في مدينة أوغاريت 1400 قبل الميلاد، هذه النوتة التي اكتشفت في الخمسينيات على يد العالم الفرنسي هيو مون، تراثنا الشعبي، وأغانينا الشعبية جميلة جداً وجمالها يكمن في تنوعها وغناها، ولا نريد أن نربط الماضي الجميل بما يحدث الآن، لأن الربط خطير جداً فقد يأتي (شعرور) ويكتب أغنية ويأتي بلحن لاتيني أو تركي أو يوناني ويجعل منها أغنية يسميها أغنية سورية، بلا هوية، وتالياً، إذا أصبحنا على هذه الحالة ومع مرور عشرات السنين نصبح بلا أغنية وبلاهوية غنائية، الأغنية السورية الأصيلة حتى هذه اللحظة موجودة ومستمرة في التلقي والحياة. ‏

سوف أعود معك إلى فترة اشتغالك على التراث الغنائي والموسيقي في سورية، هل يمكن أن تحدد جذر الأغنية السورية التي ظهرت في الستينيات والسبعينيات من خلال هذا الاشتغال؟ ‏

أعتقد أن هذا الموضوع عريض وكبير.. لنأخذ بعض الأسماء التي اشتغلت وأبدعت في إطار الأغنية السورية وارتكزت على التراث كتجربة فهد بلان.. تلك التجربة التي بدأت من الفلكلور الجبلي السوري، وكذلك نجيب السراج الذي انطلق من فلكلور وتراث حماة الغنائي، ومعن الدندشي، ورفيق شكري والكثير الكثير من هذه الأسماء التي كان لها حضورها في عالم الغناء والطرب وقتذاك كلها تأثرت بفلكلورها وهويتها الغنائية، ولنأخذ أيضاً مثالاً آخر وهو (السويحلي) نجد أنه انطلق من الفرات وتحديداً من أعلى الفرات حين كان يركب الناس القارب من انطاكية ويمشون مع جريان النهر، ولكن حين يعودون للفرات الأعلى فإنهم يمشون عكس التيار، ونتيجة التعب والإرهاق فإنهم ينزلون عن القارب ويباشرون بسحل المركب، ومن فعل السحل هذا كان يخرج شكل الغناء وهو السويحلي المعروف، وهناك من يقول إن السويحلي يرجع إلى تصغير كلمة الساحل سواء كان نهراً أو بحراً، وهناك الكثير من الألوان أيضاً كالنايل والعتابا وغيرها، وهذه الألوان الغنائية هي متداخلة بعضها ببعض، لكن لكل مكان وبيئة تراثها الغنائي الذي يميزها، فتراث شرق الأردن وفلسطين يختلف عن بلاد الشام، بل وهناك اختلافات ضمن المنطقة الواحدة أحياناً، فتراث دمشق المدينة الغنائي يختلف عن تراث الغوطة الغنائي وتراث مدينة حماة يختلف عن تراث ريفها، وهكذا فالتنوع والفسيفساء أو الكريستال الغني للتراث السوري يعطيه ديمومته وثراءه واستمراريته، فالدلعونا غنتها كل هذه الأنواع من التراث الغنائي، كل بطريقته ولكنته ولهجته الخاصة، وتالياً روحه الخاصة، وهذا ينطبق على أغلب أشكال الغناء في سورية. ‏

لكن هذا التنوع وهذا الاختلاف في التركيبة والبنية في الغناء ألا يعطيان شكلاً غامضاً وغير واضح للغناء في سورية؟

إني أنظر إلى هذا الثراء في التراث والتنوع من ناحية إيجابية، فأنا سجلت لحن الموليا لأكثر من أربعة عشر لونا وتم أداؤه على ستة مقامات موسيقية، وأساسه ينطلق من مقام واحد، ففي الرقة والجزيرة تغنى الموليا على مقام صبا، والميجانا والزلف أيضاً تختلف حتى طريقة الدبكة من مكان إلى آخر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هذه النماذج من الأغنيات سورية أم لا؟ أعتقد أن الإجابة عنه ينطلق من وجودها في ذاكرة الناس وتواصلهم واستمراريتها حتى وقتنا الراهن. وهل غنى الزلف أشقاؤنا المصريون أو المغاربة أو السودانيون، وحين اشتغلت أغنية (يوم على يوم) لفهد بلان حاول الكثيرون أن ينسبوها إلى التراث، وهي أغنية جديدة تختلف عن التراث الغنائي بأربع علامات إضافية، وهي ليست تراثاً، ولكنني أشبه أبي وأبي يشبه جده، وتالياً، أنا ابن هذه الموسيقا وهذا التراث، وأنا لم استعر موسيقا من اللاتينية أو التركية أو اليونانية لأقدمها بطريقة جديدة، أنا كتبت ولحنت من مخزون ذاكرتي الغنائية التراثية. ‏

إن الأصوات الغنائية المعاصرة في سورية بدأت تأخذ منحى جديداً عبر أدائها بعض الأغنيات التراثية كتجربة لينا شمميان، ما رأيك في هذه التجارب الجديدة؟ ‏

أنا لست ضد التطور، لكن هناك أصلاً للغناء فإذا اعتمدت هذا الأصل فيجب أن أتطور، ونحن في زمن مختلف، فلا يمكنني أن أطلب من الجيل الجديد أن يستمع إلى أم كلثوم مساء كل يوم فالإيقاعات تطورت وأنا مع هذا التطور بما لا يسيء للأذن والأصول الموسيقية، والكثير اشتغل على التراث وطوره وانطلقوا خارج سورية ولنأخذ مثلاً تراث الساحل السوري فهناك كثير من الأصوات التي اشتغلت على هذا التراث وطورته ووصل إلى العالم لأنه أصيل وجميل والقلة القليلة من الشعراء (شعراء الأغنية) مازالوا محافظين على الأصالة لكن الكثير للأسف يتماشى مع سوق الأغنية التجارية فيأتي بألحان تركية أو غربية أو كوكتيل من الألحان ويركب عليها كلمات تتماشى مع السوق. وهناك من يقول إن أغنياتنا السورية الأصيلة لاتصل إلى الخارج وهذا كذب، لأن تراثنا الفني بدأ الغرب الآن يأخذ من أشكاله، حتى الشعبية منه. ‏

في رأيك ما الحل للحفاظ على التراث الغنائي أولاً؟ وكيف نوصل أصواتنا للمؤسسات المعنية؟

يجب أن يكون لدى المؤسسات المعنية لجان ردع، وللأسف وسائل الإعلام لا توجد فيها وسائل ردع أمام مئات المحطات الغنائية والموسيقية المبتذلة، وأي أغنية مهما كانت رديئة تقاس بحجم المبالغ المادية التي تدفع للقناة الفضائية لتبثها عشرات المرات في اليوم، والأذن بطبيعتها تعتاد الاستماع لهذا المبتذل من الغناء، والدليل على اعتياد الأذن للاستماع للموسيقا سوف أروي لك هذه الحادثة: حين اشتغلت على الموشحات احتاجت هذه الموشحات عشرات الساعات يومياً من العمل بين التصوير والبروفات والتسجيل فأصبح أغلب الفريق الفني من مصورين ومخرج ومساعد مخرج بعد أيام من التصوير يرددون أغلب الموشحات ذاتها التي بدأنا في تصويرها، فالأذن تعتاد الاستماع، وحين نعوّد الجيل الجديد على الاستماع للأصيل فمن الطبيعي أن يستمتع به. ومسألة الحفاظ على التراث مسألة وطنية فهو أمانة،وقد وثقت أغلب الشعوب تراثها الغنائي. ‏

ولدينا تجارب اشتغلت على التراث وأغنياته،لكنها نسبت هذه الأغنيات التي عمرها مئات السنين لإبداعاتهم الخاصة، وهذا خطأ كبير يرتكبه المبدعون، فلا يمكنني أن آخذ أغنية عمرها مئات السنين وأنسبها لنفسي، وفي المقابل لدينا أصوات جديدة في سورية لكنها وصلت إلى الخارج قبل أن تنجح وتنتشر في وطنها الأم، وهذا يدل على أن هناك مشكلات معينة لها علاقة بشركات الإنتاج والتسويق، ولا تتبنى هذه الأصوات بشكل جيد وكل من يعتمد على المحطة الوطنية يمكن أن يصبح نجماً لأن المحطة الوطنية منوعة ومتعددة البرامج. ‏

ومن هذا المنبر أريد أن أقول: في زحمة المحطات الغنائية العربية أتمنى أن تكون هناك محطة فضائية خاصة للغناء والموسيقا في سورية وتسمى «سورية موسيقا» كما سورية دراما وسورية أخبار إلخ، وهذه المحطة (سورية موسيقا) هي محطة رابحة حكماً لأنها تنتشر بسرعة بين أوساط الشباب وتجذب الكثير من الشركات المعلنة وفي المقابل المطرب السوري يذهب إلى محطات ويدفع الكثير من الأموال ليضمن بث أغنيته فيها، بينما لو وجدت محطة وطنية موسيقية لاختصرت الطريق أمام هذا النجم وفتحت له باب الشهرة والنجومية.‏