2013/05/29

«البرنامج» يسخر من رموز الجهل والتخلف
«البرنامج» يسخر من رموز الجهل والتخلف


جوان جان - تشرين


كانت السخرية ومازالت واحدة من أنجع أساليب التأثير في الرأي الام، فبوساطتها تمكّن كثيرون من صياغة رأي عام مؤازر للفكرة المراد مناقشتها، ذلك أن السخرية كأسلوب وأداة تبدو مقبولة عند مختلف شرائح المجتمع من متعلمين وأنصاف متعلمين وأميين،

ولنا في تاريخ الأدب العربي الكثير من النصوص الساخرة التي كان لها أبلغ الأثر في تكوين الذاكرة الثقافية العربية.

والواقع أن امتلاك ناصية التأثير عن طريق السخرية أمر ليس بالسهل ولا باليسير، فهو يتطلب إمكانيات خاصة عند مرسل الفكرة الساخرة، فإن لم يمتلكها ضاعت الفكرة وضلّت طريقها في زحام الكثير من الأفكار المصوغة بأسلوب جاد.

من هنا ظهرت في السنوات الأخيرة في الفضائيات العربية تجارب عديدة حاولت أن تتخذ لنفسها من السخرية الناقدة أسلوباً، لكن معظم هذه التجارب لم يحالفه النجاح نظراً لعدم توفر العنصر القادر على إيصال الفكرة بشكل سلس وقريب من الروح والقلب، مع وجود الكثير من حالات ادّعاء القدرة على امتلاك الروح الساخرة من دون أن يكون لذلك ترجمة على أرض الواقع، برنامج «البرنامج» الذي تبثه أسبوعياً فضائية «سي بي سي» المصرية واحد من أحدث برامج الفضائيات العربية التي تعتمد الأسلوب الساخر في التواصل مع المشاهد، حيث يحاول مقدمه الإعلامي المصري باسم يوسف أن يقدم للمشاهد وجبة كوميدية ساخرة من التعليقات على الكثير من المظاهر السلبية التي تعجّ بها اليوم المجتمعات العربية عامة، والمجتمع المصري على وجه الخصوص.

والواقع أن البرنامج لا يدّعي المقدرة على توجيه سهامه إلى كل المظاهر السلبية في المجتمع العربي باعتبار أن هذه المظاهر اليوم أكثر من أن يحصرها برنامج تلفزيوني، لذلك يكتفي البرنامج بتوجيه سهامه لجانب محدد يبدو اليوم أكثر هيمنة من غيره على الشارع العربي وهو الجانب المتعلق بادّعاء البعض امتلاكهم وحدهم للحقيقة والحق من دون غيرهم. وفي ضوء تحوّل هذه الرؤية إلى ظاهرة عامة في المجتمعات العربية وظهور عشرات الفضائيات الناطقة باسمهم والمروِّجة لأفكارهم السامّة لا يجد مقدم البرنامج صعوبة في الاستعانة في كل حلقة بعشرات النماذج المقتطعة من الفضائيات العربية المشار إليها والتعليق عليها بأسلوب ساخر يفضح زيف وبطلان ما يهدف إليه هؤلاء من محاولات حثيثة لتغييب الفكر والعقل العربيين بهدف الترويج لمجتمع جديد يغيب فيه العقل وتزدهر فيه الغيبيات والخرافات التي لم تغب يوماً عن مجتمعاتنا العربية لكنها لم تجد يوماً تلك المؤازرة وذلك الترويج لها كما تجده اليوم لجهة استغلال حالة الجهل العامة التي يغرق بها المواطن العربي منذ مئات السنين، ولا يزال. وبطبيعة الحال يثير برنامج «البرنامج» مع كل حلقة من حلقاته عاصفة من التعليقات الرافضة له، وهي تعليقات لا تخلو من لغة التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور لباسم عيسى وهي اللغة الوحيدة المعتمدة اليوم من هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم أولياء على المجتمعات العربية التي كانت ومازالت بحاجة إلى التعليم والعلاج والعمل وهي العناصر التي لا يستطيع هؤلاء الجهلة توفيرها لا اليوم ولا في أي يوم، إذ حسبهم إعمال عقولهم وسلوكهم في ابتكار أحدث الطرق للسيطرة على عقل المواطن العربي واستلابه، بل وسلبه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

للأسف، لا يتوقع كثيرون استمرار هذا البرنامج لفترة طويلة لأن أعداءه يزدادون يوماً بعد يوم وحلقة إثر حلقة بسبب ما يشكله من خطر عليهم وعلى المكتسبات التي استطاعوا تحصيلها من وراء استغلال الناس البسطاء والتلاعب بعقولهم من خلال حكايات وقصص أين منها حكايات ألف ليلة وليلة!.