2012/07/04

 	البسطاء  عاشقون  ل«أثرياء الفن» حاقدون على «أغنياء البيزنس»
البسطاء عاشقون ل«أثرياء الفن» حاقدون على «أغنياء البيزنس»

  5حواس - البيان هل سبق أن شاركت في جنازة أحد مشاهير الفن، أو هل شاهدت مثلاً الجنازة المليونية للعندليب الأسمر «عبدالحليم حافظ»؟ هل لاحظت الدموع الساخنة التي انهمرت غزيرة في وداع النمر الأسود «أحمد زكي»؟ هل تتبعت علامات الحزن الكاسحة التي ودَّعت السندريلا «سعاد حسني» إلى مثواها الأخير؟ هل أصابك الحنق والغيظ والألم كما الآلاف ممن أغضبتهم الاتهامات الشائنة التي لاحقت عددا من النجوم المصريين، وأخيرا باتهامات أخلاقية. كل هذه الأمثلة والمئات غيرها تكشف حقيقة جوهرية في علاقة البسطاء، ونجومهم المشهورين في دنيا الفن والطرب؛ علاقة يتداخل فيها الحب والتسامح والشائعات، لكن قلَّما تختلط بمشاعر الغيرة، الحقد، والحسد. «الحواس الخمس» يرصد هذه الظاهرة عبر السطور التالية.دائما نسمع مقولة «الحقد الطبقي» تبريرا لأي كراهية من جانب الفقراء تجاه الأغنياء، فيعتقد الفقراء دائما أن ما في جيوب الأثرياء من جهدهم، ودمهم، إلا أن شعور الحقد الطبقي يتعطَّل أمام نجوم الفن، على الرغم من ثرائهم بشكل مباشر من جيوب الجمهور الفقير الذي يذهب إلى السينما. أو يشتري ألبوما غنائيا، ليخرج من ماله، ويضع في جيب النجم بحب شديد دون أدنى كراهية أو حقد، وإلا فماذا يضطره إلى الاندفاع نحو النجم بمجرد أن يراه في مكان ما، محاولاً بلوغ دائرة رؤيته؛ لينال منه ولو نظرة، وأحيانا يشتري بعض المعجبين المعدمين هدايا رمزية لنجومهم المفضلين، تعبيرا عن هذا الحب، على الرغم من محدودية دخولهم. يبرر الكاتب الصحفي عبدالله المصري هذه الظاهرة قائلاً: «أعتقد أن للشهرة بريقها، وهى تعني النجومية الجاذبة، فالفنان، أو لاعب الكرة، أو أي نجم تنبع نجوميته دائما وبشكل تلقائي من داخل قلوب الجماهير، خصوصا أن الأوساط الفقيرة تُعتبر الشريحة الأكبر في أغلب المجتمعات. ومن خلال «قفشة»، ضحكة، مشهد، أو هدف كروي جميل تحمل الجماهير نجمها على الأعناق، وكثيرا يخرج الإنسان الفقير من دور العرض أو من أمام جهاز تلفازه، وهو سعيد بعمل فني، أو مباراة كبيرة يكون نجومها قد أبدعوا في أدائهم». يضيف المصري أن النجم دائما يكون مستندا إلى رصيد كبير من حب الناس، وإلا فقد نجوميته، بينما يرى بعض الفقراء أن بعض رجال المال والأعمال ينظرون لهم بتعالٍ زائد، وينفقون ببذخ. بينما أبناء الطبقة الفقيرة لا يجدون قوت يومهم، ودائما يرددون أن أبناء الأغنياء يمارسون كل ما يمكن أن يوصف بالاستهتار والاستخفاف في مواجهة الفقراء، والنظر إليهم نظرة دونية، لافتا إلى أن بعض رجال المال، وأسرهم لا يخالطون إلا نظراءهم، ممن يطلق عليهم «المجتمع الراقي». إضافة إلى حضور الأغنياء، وأبنائهم المستمر في صحف الفضائح باتهامات مختلفة، ما يُدخل إلى عقول الفقراء والبسطاء مزيدا من الإصرار أنهم رموز فساد للمجتمع، ولصوص يسطون على مصالح الفقراء، وذلك باستغلال سلطة المال، وجميعها أمور تخلق فجوة كبيرة بين الطبقتين. وهذا الرأي تجاه الأغنياء قد يحمل كثيرا من الظلم لهم، لكنه يكشف أن الأغنياء لم يُحسنوا التعامل مع هذه الفئة بالاقتراب منها، حيث إنها تُمثِّل السواد الأعظم، ولها تأثير اقتصادي وسياسي هائل، ما أدى إلى عداءٍ كامنٍ من قلوب الفقراء تجاه أهل المال. مشيراً إلى أن المال لم يكن حاجزا بين الطرفين، لكن السلوك هو النقطة الفاصلة، فمن يعطي البسطاء السعادة يستحوذ على قلوبهم، فلم نر رجل أعمال- إلا قليلاً- قد أقام مشروعات خيرية في أماكن الفقراء، أو شيد مباني لمن انهارت مساكنهم بفعل ظروف معينة، أو مستشفيات صغيرة في الأماكن النائية، أو مدارس. لكن الفنان يعطي دائما من خلال أداءٍ فني، كروي، غنائي، أو أي من مجالات الإبداع التي تعبر عن مشاكل هذه الفئة؛ لذا يسهم الفنانون بشكل فعلي في متعة الجمهور، أما احتكار المال دون خدمة مصالح البسطاء والفقراء يخلق فجوة، قطعية، وعدم تعاطف من الفقراء تجاه الأغنياء. فتى الأحلام بدوره، أكد السيناريست فيصل ندا أن حب الفقراء للفنانين؛ سببه «الكاريزما»، والأدوار التي توضح نضالهم من أجل تغيير حياة الفقراء، وهذا ما برع في تجسيده النجم «عادل إمام» في كثير من أعماله، فعلى الرغم من أنه يحصل على الملايين نظير تجسيد كل فيلم، إلا أنه يكسب المزيد من خلال أدواره التي تلامس أحلام هؤلاء الفقراء. وتشعرهم أن هناك ناطقا رسميا يتحدث باسمهم، ويشعر بآلامهم. أضاف أنه في ستينات وسبعينات القرن الفائت، كانت غالبية الفتيات من الأسر الفقيرة يعشقن وسامة الفنان «رشدي أباظة»، لدرجة أنك لو سألت إحداهن عن صفات الشاب الذي تتمنى الارتباط به، لأجابتك بلا تردد: مثل رشدي أباظة، أي أن النجم قد مثَّل «فتى الأحلام» المنتظر. وقال ندا: «الفقراء بطبيعتهم يتوحدون مع شخصية الممثل والمغني والنجم، وقد يجد الشخص الفقير نفسه داخل صفات هذا النجم، ويتقمَّص شخصيته في مواقف عديدة»، مشيرا إلى أنهم في مصر يتعاطفون مع الممثل الذي يمثلهم؛ لأنهم رأوا أنه من الصعب أن يعبِّروا بسهولة عن قضاياهم ومشكلاتهم التي يواجهونها، سواء كانت سياسية، اجتماعية، أم اقتصادية. مثل أعلى أما الكاتب محمد صفاء عامر فيقول: «ظاهرة حب الفقراء للنجوم ارتبطت منذ القدم بمدى شعور الفنان بمشكلات الطبقة الفقيرة، فيحاول أن يلمس مشكلاتها في أفلامه، مسلسلاته، مسرحياته، وأغانيه. ويحاول بشتى الطرق التركيز على تقديم أعمال تقربه من الجمهور؛ لأن النجم في البداية لا يبحث عن المال بقدر سعيه إلى دخول قلوب الفئة الفقيرة التي تُغطي السواد الأعظم من الشعب»، مشيرا إلى أن الفقير، أحيانا، يبحث عمَن يحقق أحلامه الخاصة، وقد يجد الشخص الفقير نفسه ممثلاً متميزا، عندما يسير على نهج الفنان الذي يحبه، من هنا يبني كيانا للممثل في خياله. ويحاول بشتى الطرق أن يقترب من عقليته من خلال متابعة أعماله حتى يحقق مراده. واستطرد قائلاً: «الفقير بطبيعته يعيش حياة مليئة بالقيود، وعندما يشاهد عملاً دراميا يتابع الممثل في حياته المرفهة، ذلك يدفعه إلى تحدي الظروف؛ ليبتعد عن الفقر متخذا نجمه مثلاً أعلى». النجاح المضمون الكاتب أسامة أنور عكاشة يؤكد من جانبه، أن أي شخص فقير يعشق حياة الترف، وهذا لا يدفعه، في أحيان كثيرة، إلى الحقد، لكنه يحاول العيش في قصر الفنان، وركوب سيارة النجم المغني، وكل ذلك خلق لدى الفقير قناعة بالحب تجاه الممثل؛ حتى يُخرج نفسه من كبوة المعاناة. وأضاف أن أغلبية الممثلين، حاليا، يرددون عبارات تخصُّ فئة الفقراء، ويحاولون لمس حياتهم ولو ببضع كلمات، أو مواقف خلال العمل الدرامي؛ لقناعتهم أن خير دليل على الشهرة أن يشتهر بين الفئة الأكبر، وهم الفقراء، فهم فئة النجاح المضمون. منفعة عاطفية إلى ذلك، يحلل د. عصام منتصر، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب جامعة الإسكندرية، ظاهرة حب الفقراء للممثلين والنجوم بقوله: «تزداد هذه الظاهرة بين الفتيات الفقيرات عن الشباب، فالفتاة، بطبيعة الحال، تعشق الشياكة، الأناقة، والجمال، لكن ظروف حياتها منعتها من أن تكون على هذا الحال، فتعجب في ذاتها بفنانة معينة، أو مغنية ترتدي ملابس جميلة، وتعتبرها مثلها الأعلى في الأناقة، والجمال، وتتحدث عنها كثيرا، وتحاول أن تكون مثلها». ويشير إلى أن من الأسباب الأخرى لهذا الحب، اقتراب الممثل بأعماله الدرامية من نبض الشارع، وفئة الفقراء تحديدا، إضافة إلى أن أغلبية الفقراء يعشقون الممثل «الشهم»، و«الوسيم»، ويتمنون أن يفعلوا مثلما يفعل، وحتى في طريقة حديثهم، يحاولون تقليده؛ لأن الفقير يُبهج حياته بالتشبُّه بالنجوم، وبات يدافع عنهم لو هاجمهم أحد، فالحب بين الفقير والنجم علاقة متبادلة قائمة على المنفعة العاطفية. حضور دائم وننتقل إلى الجمهور ذاته ليدلي بدلوه في قضية حب الفقراء للنجوم؛ حيث يؤكد طاهر محمد سعيد أن الأغنياء من رجال الأعمال لا يدركون أن أموالهم تأتي من عرق الفقراء؛ لذلك لا يلتفتون إلينا، لكن الفنانين والنجوم يعطون الحب فيجدون حبا أكبر، مضيفا أنه لا يكره أحدا، لكنه لاحظ من تجارب كثيرة مع أصحاب المال أن كثيرا منهم لا يوفون بوعودهم. أو لا يهتمون بأحد طالما لن يكسبوا من ورائه، لكنه عندما يتعامل مع نجم، مهما كان حجم ثروته، يتمنى له مزيدا من الثروة؛ لأنه دائما يُعبر عن مشاكل وهموم الطبقة المتوسطة، والفقيرة، وهذا حسب قوله، ما يجعل الفقراء يحبون الفنانين. أما فوزي عطاالله، موظف، فيقول: «الفنان يعطي السعادة لكل مَن يشاهده، كذلك يشارك في أعمال الخير، ويسهم في مناهضة الظواهر السلبية، فكيف لا أحبه، وهو لديه حضور دائم في منزلي؟ وعندما أذهب إلى الفنان في السينما، أو المسرح أجده متفاعلاً معي، وهذا يؤكد أن هناك حوارا مشتركا بيننا لا أجده عند أصحاب المال الذين لا تشغلهم مشاكلنا، فنحن لا نكره الأغنياء، لكن ليس بيننا وبينهم مودة أو تواصل، غير أننا نراهم وأولادهم بعرباتهم الفارهة يعبثون في الشوارع، وإذا لم أكرههم فليس هناك ما يدفعني إلى حبهم». حاجز نفسي واستنكر فارس عبدالحميد، رجل أعمال شاب، اعتبار الأغنياء دون قلب أو إحساس، وأشار إلى أن لديه المال ووالده رجل أعمال كبير، لكن أغلب أصدقائه من الطبقات الفقيرة الذين درسوا معه، أو الذين جمعهم ميدان العمل به. وسيظل يتواصل معهم، مشيرا إلى أن هناك فئة قليلة من رجال الأعمال هي التي خلقت حاجزا نفسيا بينهم والناس، مضيفا أن هؤلاء يمكن أن يكونوا فاسدين، أو غير مدركين لدورهم الاجتماعي، مؤكدا حبه لكل الفنانين، وغرامه بهم؛ لأنهم لا يعبرون فقط عن الفقراء، إنما عن كل من يتابع أعمالهم سواء الفقير، أم الغني. لكن هانم عبدالمنعم قالت منفعلة: «أين فنانو الزمن القديم، الذين كانوا مثل أفراد الأسرة، لا يتكلفون وأغلبهم من الطبقة الفقيرة؛ لذلك كانت درجة الالتصاق بهم أكبر، لكنني أشعر أن فناني اليوم قد بلغوا مرحلة كبيرة من الغرور، إلا أنني أكِنُّ لهم كل إعجاب» . وأضافت: «نحن لا نكره رجال المال والأعمال، لكن لا تربطنا بهم أي صلة غير مشاهدتهم في التلفزيون، أو أنهم يمرون أمامنا في الشوارع، وهذا ما يجعل هناك مساحة فاصلة بيننا، وكنا نتمنى من رجال الأعمال أن يبحثوا عن مشاكل الفقراء؛ ليقدموا أي شيء يربطهم بنا». لا أحبك.. لا أكرهك من جانبها، قالت دينا موسى، طالبة في جامعة القاهرة: «أحب الذهب الذي ترتديه «فيفي عبده»، وفستان السوارية الخاص ب«إلهام شاهين»، وأتمنى أن أرتدي ملابس تشابه ملابسها، كما أعشق الفن، وأتابع أخبار النجوم، وكثيرا ما أستمع إليهم وأشعر بتواضعهم، وليس هناك مشكلة بيني والأغنياء من رجال الأعمال، فأنا لا أعرفهم، ولا أقابلهم؛ لذلك لا أحبهم، ولا أكرههم». وأعلنت صديقتها منى راشد أنها تعشق الفنان أحمد عز، وتتمنى أن يكون زوجها مثله في كل صفاته، كما أن من أهم أسباب عشقها للنجوم الحياة الحرة التي يعيشونها، فهم يعوضونها عن عجزها لتحقيق أفكار تتعلق بالحرية تمنت تقديمها، إلا أن أسرتها ترفض خوضها تجربة الغناء والتمثيل. بينما قالت هالة محمد، ربة منزل: «إن الفقراء يحبون من يتناول ويناقش مشكلاتهم، والفنان الذي يفعل ذلك يعشقه الفقراء، فهي تشعر أن أغلب الأعمال السينمائية، والدرامية تتناول قضايا ومشكلات المهمَّشين والفقراء، وبالتالي يكون القرب بين الفنان ومَنْ يعيشون على الهامش نتيجة طبيعية».. أضافت: «الأغنياء لا يعيرون أحدا اهتماما، فلهم عالم مستقل عن الحياة، أما نحن فلنا عالمنا المليء بالمشكلات، ولن نشعر في حياتنا إلا بمن يشاركنا الهموم».