2012/07/04

الجـزيــرة تغــرق
الجـزيــرة تغــرق

جوان جان - الثورة

مما لا شك فيه أن فضائية الجزيرة تمكّنت منذ انطلاقتها في تسعينيات القرن الماضي أن توجد لنفسها موطئ قدم لا على صعيد الفضائيات العربية وحسب بل وعلى صعيد الفضائيات العالمية أيضاً، خاصة بعد إطلاق فضائيتها الإخبارية الناطقة باللغة الإنكليزية، وهو الأمر الذي يعترف به الإعلاميون والسياسيون الأجانب قبل العرب.. والواقع أن ثمة عوامل عدّة جعلت من فضائية الجزيرة أكثر الفضائيات العربية متابعة، أهمها أنها أول فضائية عربية إخبارية، ففي الوقت الذي كانت تتسيّد فيه فضائية cnn الأميركية الفضاء الإخباري العالمي لم يكن المشاهد العربي قد اعتاد بعد على القنوات الإخبارية العربية التي تحاول أن تواكب الحدث منذ دقائقه الأولى، بل وربما قبل ذلك، كما أن إمكانيات هائلة وضِعَت في خدمة الجزيرة لإقامة شبكة من المراسلين في معظم أنحاء العالم، وخاصة في مناطق التوتّر والنزاع، وعلى الرغم من ظهور فضائيات إخبارية عربية عديدة بعد الجزيرة إلا أنها بقيت متسيّدة الساحة .‏‏

لكن يبدو أن هذا الوضع المريح الذي وجدت الجزيرة نفسها فيه قد أصابها ببعض الاسترخاء الذي وصل في السنتين الأخيرتين إلى درجة الاعتياد على ارتكاب أخطاء مهنيّة فادحة أفقدتها شيئاً فشيئاً مصداقيتها عند المُشاهِد العربي، فتعددت وتنوعت الأخطاء التي ارتكبتها هذه القناة والتي تتعلق بمعظمها في الابتعاد عن الموضوعية في التغطية الإعلامية والاعتماد على مصادر غير موثوقة والمساهمة في صناعة الخبر وعدم انتظار حدوثه، ويبدو أن الكبرياء الأجوف الذي أصيبت به هذه القناة بعد ما وصلت إليه من شهرة ونجاح جعلها تترفّع عن تقديم أي اعتذار عن أخطائها المتكررة وعن سياساتها البعيدة عن أي بعد من أبعاد الإعلام الحقيقي والنبيل، وكان آخر المطبّات التي وقعت بها الجزيرة عرضها لمشاهد قالت إنها حصلت عليها مؤخراً من اليمن في الوقت الذي كانت فيه فضائية العربية قد عرضت نفس المشاهد قبل ثماني سنوات وقالت حينها إنها حصلت عليها من العراق .‏‏

هذه الفضيحة الإعلامية بكل معنى الكلمة والتي أثبتت دون أدنى ريب عدم اعتماد الجزيرة على أدنى مقاييس العمل الإعلامي لم تتوقف عندها الجزيرة بالتأكيد ولم تقدم أي اعتذار مباشر أو غير مباشر على هذا التضليل للمشاهد العربي لأن غرورها القاتل الذي أضحى يسيّر خطواتها لا يسمح لها بالنزول إلى مستوى الاعتذار من مُشاهِد أثبتت الوقائع أنها لا تحترمه .‏‏

والواقع أن من يريد أن يتابع الفضائح المماثلة التي تفوح من طبيعة عمل الجزيرة لن تعوزه الحيلة، إذ يكفي أن يدخل إلى بعض مواقع الانترنت كي يتأكد بنفسه وسيجد عدداً كبيراً من هذه الحالات، ربما يكون أقربها إلى الذاكرة في هذه اللحظة ما فعله البعض في دولة عربية وبعلم الجزيرة وأمام ناظريها عندما أُتي ببعض العمال الأفارقة وتم إلباسهم اللباس العسكري أمام كاميـــرا الجزيرة وغيرها من الفضائيات الإخباريـــة وإجبارهـــم على الادعـــاء أنهـــم من المحاربين الأفارقة المرتزقة، كما أن الصدفة وحدها هي التي تجعل الخط الهاتفي ينقطع في فضائية الجزيرة-مباشر بعد أقل من ربع دقيقة عندما لا يتحدث المتصل بما يتسق مع ما تريد الجزيرة أن يتحدث به، والصدفة ذاتها تجعل المخابرة تطول لمدة ربع ساعة دون انقطاع أو مقاطعة إذا تحدّث المتصل بما يناسب هوى الجزيرة، في تطبيق عمليّ ومدهش ومبتَكــَر وغيــر مسـبوق لشعار الرأي والـــرأي الآخر .‏‏

هذه الفضائية اليوم على مفترق طرق، فإما أن تبقى على ما وصلت إليه من انحدار مهني تدركه لكنها تأبى أن تعترف به وبالتالي فإنها ستخسر المزيد من متابعيها وسيأتي اليوم الذي قد تشتري فيه المُشاهد بمقابل مادي، وإما أن تعدل عما هي ماضية فيه لتعيد اكتساب ثقة المشاهد العربي واحترامه، وهو أمر لن يكلفها الكثير، إذ يكفي القليل من الأخلاق مع شيء من احترام الذات واحترام عقل المشاهد، ولكن باعتبار أن الأخلاق أصبحت عملة نادرة هذه الأيام فيجب ألا نكون متفائلين وألا نتوقع من الجزيرة أن تتغير لأن من شبّ على شيء فسيشيب عليه، هذا إن بلغ به العمر مرحلة المشيب .‏‏