2012/07/04

الدراما التلفزيونية البوليسية نوع درامي كرّس نفسه بالتجديد
الدراما التلفزيونية البوليسية نوع درامي كرّس نفسه بالتجديد


تشرين


استطاع الأدب البوليسي عبر قرن ونصف القرن، أن يكرس نفسه كنوع روائي وقصصي، وبالرغم من اعتراض بعض النقاد على أدبية هذا الأدب، أي الأدب البوليسي، إلا أن ذلك لم يمنع الأدب البوليسي من تحصيل جماهيرية واسعة

وخاصة بوجود كتاب كبار اندرجت رواياتهم تحت النوع البوليسي، أمثال الكاتب الأمريكي الشهير «إدغار ألمبو»، والروائي الأميركي «ريموند شاندلر»، والكاتبة «أغاثا كريستي». لم يقتصر النوع البوليسي على الأدب، بل تعداه ليصل إلى الفن السابع، وإلى الدراما التلفزيونية، وكما فعل في الأدب، تمكن النوع البوليسي من فرض نفسه كنوع من أنواع الدراما التلفزيونية، ففي النظر إلى التجربة الدرامية التلفزيونية في سورية، نجد أن الدراما البوليسية، إن أصلحنا تسميتها بذلك، تمكنت من ترسيخ نفسها كنوع من أنواع الدراما التلفزيونية السورية عبر مسلسلات عدة.

جريمة في الذاكرة.. الخطوة الاولى

ولعل مسلسل «جريمة في الذاكرة» المأخوذ عن رواية للروائية البوليسية أغاثا كريستي ومن إخراج مأمون البني، كان الخطوة الأولى في تكريس هذا النوع كصنف من أصناف الدراما التلفزيونية السورية، هذا النوع الدرامي يتميز بعناصر عدة، أولها عنصر التشويق المفتعل لدى المشاهد من قبل إخفاء هوية القاتل حتى الحلقة الأخيرة من العمل، وتوجيه الاتهام لكل الشخصيات المحيطة بالجريمة، وهذا ما يساعد على تنشيط الدور التفاعلي للمسلسل بحيث يشترك المشاهد من خلال تخمينه لشخص القاتل.

خط النهاية.... الشغل على التجديد

ومع ظهور أعمال بوليسية جديدة في الدراما التلفزيونية السورية، تكرس هذا النوع كصنف من أصناف هذه الدراما التلفزيونية، وساهمت في ذلك إضافة عناصر جديدة على المسلسل البوليسي من حيث بنية المسلسل تختلف عما قدم في «جريمة في الذاكرة»، ففي مسلسل «خط النهاية» من تأليف هاني السعدي، وإخراج أسعد عيد، نجد أن المسلسل لا يقتصر على جريمة واحدة، بل يتناول مجموعة من الجرائم بحلقات منفصلة متصلة، كما يضفي شيئاً من الواقعية على الجريمة من خلال جعله شخصيات الجريمة «الجاني، المجني عليه، الشهود...» شخصيات تعيش في المجتمع السوري.

قصص الغموض.... دراسة سيكولوجية لنفسية المجرم

يظهر الشغل على التجديد وإضافة عناصر للمسلسل البوليسي من خلال المسلسل البوليسي «قصص الغموض» تأليف د.رياض عصمت، ومن إخراج محمد الشيخ نجيب، إذ نلمس إضافة عناصر جديدة لهذا النوع الدرامي، متمثلة بالوصول إلى هوية القاتل من خلال التحليل النفسي لنفسيات المتهمين، إذ يقوم المحقق «غسان مسعود» بدراسة نفسية لكل المتهمين بالقتل، وعبر الولوج إلى نفسيات المتهمين والنبش في تاريخهم وتحليل تصرفاتهم، وملاحظة ردود أفعالهم يصل المحقق إلى القاتل، مظهراً الأسباب النفسية التي دفعت القاتل للقيام بفعلته، والقيام بدراسة سيكولوجية لملابسات الجريمة، وبذلك أضاف مسلسل «قصص الغموض» عنصراً جديداً للمسلسل البوليسي من خلال الدراسة السيكولوجية لنفسية المجرم.

أما في المسلسل البوليسي «وجه العدالة» من إخراج سيف الشيخ نجيب، فيمكننا القول انه مثلما قام «قصص الغموض» بالتركيز على الجانب السيكولوجي في الجريمة، فإن «وجه العدالة» سلط الضوء على الجانب السيسيولوجي في الجريمة، إذ ان المسلسل استمد موضوع حلقاته/جرائمه من المسلسل الإذاعي السوري الشهير «حكم العدالة»، الذي استمد قصص جرائمه من ملفات القضاء السوري، ولذلك، فإن الجرائم التي عرضها «وجه العدالة» هي جرائم حقيقية وقعت على ارض الواقع. وانطلاقا من واقعية هذه الجرائم، قام «وجه العدالة» بدراسة سيسيولوجية لأسباب الجرائم التي طرحها، عارضا بذلك المشكلات الاجتماعية التي يعانيها المجتمع السوري، والتي دفعت بالقاتل للقيام بفعلته النكراء، إذ ان الرائد «هشام، سامر المصري»، لا يصل إلى القاتل من خلال دراسة سيكولوجية لملابسات القضية ولنفسية المتهم، كما في «قصص الغموض»، بل عن طريق البحث في ملابسات الجرائم وإمساك رأس خيط يصل به إلى القاتل الحقيقي، وما ينأى بالمحقق هشام عن الوصول إلى الحكم المتسرع على احد المتهمين هو دراسة الحالة الاجتماعية لكل من المتهمين مع القاتل، والبحث في العلاقات التي كانت تجمع المتهمين مع القاتل، وإذا ما كان يشوب هذه العلاقة شائب دفع بالقاتل للقتل، وبذلك اختلف «وجه العدالة» عن مسلسل «خط النهاية» و«قصص الغموض» لأنه تعرض لواقع الجريمة في المجتمع السوري، وبحث في أسبابها.

إن التجديد في مسلسل «كشف الأقنعة» كان من الناحية البصرية أكثر منه من ناحية بناء الجريمة وطريقة الوصول إلى الفاعل، فجرعة «الأكشن» تفوقت في هذا المسلسل عنها في سواه من المسلسلات البوليسية، «الأكشن» الذي تمثل بالمطاردات والمداهمات وما إلى ذلك، لكن مع عدم إهمال الجوانب الأخرى التي تحكم عالم الجريمة سواء على صعيد التشويق المتمثل بإشراك المشاهد في حل الجريمة/اللغز، أو حتى على صعيد محاكاة هذه الجرائم لواقع الجريمة في سورية.

أخيراً، فإن أهم صفة تتصف بها المسلسلات البوليسية السورية عامة، هي التركيز على الجانب الأخلاقي، وتقديم عبرة تحاكي عقل المشاهد وعاطفته، وتضع المتلقي أمام محاكمة عقلية تنور ذهنه وتنأى به عن الوقوع في هفوات كالتي وقع فيها المجرمون، وبذلك استطاع المسلسل البوليسي السوري أن يقوم بفعل تنويري عجز عن القيام به الكثير من المسلسلات الاجتماعية السورية.