2013/05/29

الدراما السورية نوع إعلامي قارب فنون الصحافة
الدراما السورية نوع إعلامي قارب فنون الصحافة


سامر إسماعيل – سانا

تشكل الدراما السورية اليوم نوعاً رديفاً للإعلام السوري بما تعكسه الساعة الدرامية من تشريح دقيق وهادئ لبنية المجتمع ككل والفرد بصورة خاصة عبر الصورة التلفزيونية التي حققت مردوداً جماهيرياً واسعاً لبى رغبات شرائح متنوعة من جمهور المشاهدين.

وباتت الدراما السورية أحد أهم الأدوات الاتصالية الشعبية في مخاطبة الجمهور الجديد ولاسيما عند شريحة الشباب الذي يتزايد إقباله على هذا النوع من الفرجة معللاً ذلك بالنزوع نحو الترفيه تارة أو البحث عن أجوبة يتوقعها من خلال متابعة حثيثة للمسلسل التلفزيوني تارةً أخرى إذ تلعب الدراما السورية دوراً حاسماً في مساندة الآلة الإعلامية الوطنية التي تطمح إلى توغل أكثر جرأة ومماحكة لحياة الشارع وهموم الشباب والبطالة والهموم الاجتماعية والوطنية معززة ذلك من خلال توليفة كبيرة ومتنوعة من القصص المتلفزة.

كما تساهم الصورة التلفزيونية السورية بتقنياتها اللا محدودة في قياس نبض المجتمع ووضع اليد على أماكن العطب والخلل الاجتماعي من قضايا تتعلق بالفساد الإداري والوظيفي والقيمي إذ بات من الواضح أن هذا العالم الدرامي استطاع أن يشترك بلا مواربة في تحليل للطبقات الاجتماعية بما يمتلكه التلفزيون من وظيفة بصرية تجعله يمتلك قدرة إقناعية واسعة من خلال إمكانية في تشريح الحدث ومعالجته من زوايا مختلفة لا تترك مجالاً أمام المتلقي إلا للمتابعة الدائمة والمستمرة.

ويختلف القائمون على الدراما السورية في تبني هذا التقارب أو عدم تبنيه فمنهم من يعتبره نقطة قوة للمسلسل في حين يراه آخرون جانباً سلبياً ينبغي تلافيه والتركيز على الدراما فقط دون الالتفات كثيراً إلى الجوانب الأخرى التي قد تقرب المسلسل من صيغة التحقيق الصحفي.

وتعرف الدكتورة فريال مهنا أستاذة قسم الإعلام في جامعة دمشق التحقيق الصحفي بأنه مادة إعلامية تتضمن وقائع ومعلومات حقائق ومواقف وآراء حول حدث أو مشكلة أو قضية أو ظاهرة تحوي الكثير من التساوءلات التي تخضع لنقاش وجدل من المفيد أن يتعرف الجمهور على حقائقها من مصادرها ومنابعها دون وساطة للوقوف على ملابساتها.

وتضيف مهنا ان التلفزيون يعد المكان الأفضل لانطلاقة التحقيق وازدهاره لأنه يتمتع بمصداقية كبيرة فهو يقيم جسراً مباشراً بين منابع المعلومات والأطراف المعنية أو المعايشة للحدث ومن أهم مزاياه أنه يتمتع بالموضوعية والتوازن.

فإذا ما حللنا هذا التعريف الجامع المانع للتحقيق الصحفي وخاصة أنه يعتبر التلفزيون المكان الأمثل لمعالجة القضايا الساخنة في المجتمع فإننا سنجد تقاطعات كثيرة بين هذا النوع الإعلامي وبين الساعة الدرامية ولئن كان في هذه المقاربة شيء من المبالغة النظرية إلا أن ذلك لا يمنع من تحليل وبحث العلاقة التي تكاد تكون واضحة بين التحقيق الصحفي المتلفز وبين المسلسل التلفزيوني ولاسيما أن معظم الأعمال الدرامية السورية للموسم الرمضاني الحالي تذخر بمكاشفات ومصادمات مع قضايا ملحة في بنية المجتمع السوري.

وفق هذا المنطق يمكن أن نرى العمل الدرامي السوري بما اختاره من بيئة لأحداثه يذهب نحو التخلص نهائياً مما كان يقترحه العمل الدرامي المصري مثلاً فلم نعد في معظم الأعمال السورية أمام بيئة افتراضية فنتازية وإنما صار الواقع بكل تنوعاته ومعطياته عبارة عن واقع افتراضي لهذه الأعمال وإذا ما عرفنا أن المكان حسب تصنيفات الباحثين والدارسين في حقول الإعلام هو من أهم عناصر التحقيق الصحفي المصور فإننا سنجد وفق البيئة الافتراضية للعمل الدرامي في سورية تقارباً كبيراً بين بنية التحقيق المتلفز والمسلسل الدرامي.

وعليه تعتبر "مهنا" أن الأعمال الدرامية الجديدة عبارة عن تحقيقات صحفية مضافاً إليها حياة الشخصيات التي تشكل بحركتها في المكان إسقاطات متعددة على القضية التي يعالجها المسلسل السوري إلا أن الدراما السورية استطاعت أن ترفع من سقف الرقابة مستفيدةً من الواقع الافتراضي الذي تلعب ضمنه إضافة إلى انتشارها على مساحة البث الفضائي متجاوزةً حدودها الإقليمية.

وتعول الدراما السورية اليوم على تقنيات متعددة استعارت أهمها من عالم الصحافة المقروءة والمرئية وعلى رأسها تقنية القص الإخباري عبر الدمج المستمر بين التسجيلي والواقعي والدرامي ضمن قوالب عدة تشكل فيها الصورة العنصر الحاسم في جس الألم الاجتماعي وتشخيصه من أجل عرضه للمحاكمة العلنية بطريقة المقارنة المستترة بين الأخيار الأشرار ومصائر كل منهما إذ ليس خافياً على أحد أن هذه الوصفة البصرية الدرامية تعتمد على مقاربات متنوعة بين ملفات اجتماعية استطاعت الدراما اختراقها والتنقيب فيها بتفنيد مستمر للحكاية ومواطن الخطأ مع مراعاة الحساسيات الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع خصوصاً والعربي عموماً كمسلسل "رفة عين" لكاتبته "أمل عرفة" ومخرجه "المثنى صبح".

من جانب آخر تعرضت الساعة الدرامية السورية للهموم الوطنية والقومية عبر أعمال لا تنسى استطاعت فيها أن تستفيد من تقنية الفيلم أو التقرير المصور موثقةً لأهم المراحل من حياة السوريين والعرب كان أهمها في المواسم الماضية مسلسل "التغريبة الفلسطينية" للمخرج حاتم علي وكاتبه" وليد سيف" وكمسلسل "أنا القدس" للمخرج "باسل الخطيب" ومسلسل "ذاكرة الجسد" للمخرج "نجدت إسماعيل أنزور" وسيناريو وحوار "ريم حنا" عن رواية الكاتبة الجزائرية " أحلام مستغانمي".

كما عملت الدراما على تكوين منجز بصري ضخم عن المكان السوري وفرادته وتنوعه من خلال الكاميرا الدائرة في أغلب بقاع الأرض السورية معرفةً المشاهد العربي على مقاطع لا تنسى من سورية متنقلةً بين الجبل والسهل والصحراء محققةً إضافات هامة على الأفلام السياحية التي تعرف المشاهد في كل أصقاع الأرض على جمال الطبيعة السورية وثرائها وتعدد جغرافيتها كمسلسل "لعنة الطين" لمخرجه "أحمد إبراهيم أحمد" ومسلسل "ضيعة ضايعة" لمخرجه الفنان ليث حجو ومسلسل"المصابيح الزرق" لمخرجه فهد ميري عن رواية الكاتب الكبير حنا مينة.

على مستوى آخر سجلت الدراما التلفزيونية ساعات طويلة من التراث والفلكلور السوري عبر التنقل بالحكاية البصرية بين عادات السوريين ولهجاتهم وموروثهم الشعبي كمسلسل "أيام شامية" ومسلسل "جرن الشاويش" لهشام شربتجي حيث اعتبر هذا العمل بمثابة صورة وثائقية للبيئة الشامية العريقة استطاع فيها المشاهد العربي من المشرق إلى المغرب أن يلم بمفردات البيئة الدمشقية وخزائنها المتنوعة من مأكل ومشرب وعادات وقيم وصناعات يدوية تقليدية اشتهرت بها دمشق عبر العصور إضافةً إلى أعمال مشابهة كمسلسل "زمن البرغوت" لمخرجه أحمد إبراهيم أحمد الذي يعرض في هذا الموسم الرمضاني.

وتواظب الدراما اليوم على توظيف عدة فنون إعلامية بواسطة التركيز على موضوعية الحدث ودقته وتناغمه مع مزاج العصر دامجة حِرف الصحافة المطبوعة مع تقنيات المرئي الوثائقي الدرامي أوما يسمى ب"الديكو درامي" عبر حساسية مغايرة لكاميرا الحكاية مبتعدة عن الثرثرة البصرية المجانية معولةً على تعاقب الأحداث والأفعال في إطار مشوق لقلب وعقل المشاهد في آنٍ معاً كمسلسل "بعد السقوط" لمخرجه "سامر برقاوي" الذي تعرض فيه لأزمات السكن العشوائي حول المدن والعواصم الكبرى.

وترى الفنانة الشابة "سوزان سلمان" أن معظم الأعمال الدرامية استطاعت أن تموه المكان والشخصيات لصالح الفكرة التي تناقشها وهذا ليس جديداً على الدراما السورية إذ إنها بدأته منذ بواكير أعمالها في مسلسل "ولاد بلدي" للمخرج علاء الدين كوكش مجيرة الواقع والهم العام ومشاكل الناس لصالح الحكاية التلفزيونية.

وتلفت سلمان أن الدراما تختلف كجنس بصري عن التحقيق الصحفي المتلفز فمع أنهما يشتركان في تسليط الضوء على هموم المجتمع ومشاكله إلا أنهما يختلفان في الأسلوب فلكل مواصفاته الإبداعية المختلفة من حيث التعاطي مع الكلمة والهم العام.

ويعلل الفنان الشاب أيمن عبد السلام أسباب تفوق العمل الدرامي على التحقيق الصحفي باتساع الهامش أمام الأول وضيقه أمام الثاني واصفاً الصحافة بأن تفكيرها مغلق إذا ما قورنت مع الآفاق التي تتيحها الدراما عبر توغلها في قضايا لا تستطيع الصحافة ملامستها لأسباب تتعلق بذهنية الرقيب أولاً وأخيراً في حين أن المسلسل التلفزيوني تمكن من خوض معارك عدة مع الرقابة بسبب افتراضية الدراما التي تشكل وسيلة حماية لها إضافة إلى العلاقة الوطيدة التي بنتها مع وسائل الاتصال الحديثة فجعلتها متوفرة على مدار الساعة.

كما أن هناك من يسعى إلى أن يكون عمله الدرامي موضوعياً قدر الإمكان ومتوازناً عبر عرض آراء الأطراف جميعها دون التخلي عن أحدها حتى لو كان عدواً فالمخرج "شوقي الماجري" يصف عمله "هدوء نسبي" بأنه ليس وثائقياً وإنما إنساني بالدرجة الأولى ويحتل فيه الجانب الروائي حيزاً هاماً وحظاً أوفر مما ناله عمله "الاجتياح" لافتاً إلى أنه يقدم الآن من خلال عمله "نابليون ومصر المحروسة" ومع كامل الفريق الواعي لمرحلته التاريخية شهادة موضوعية قدر الإمكان دون الوقوع في فخ الشعارات الرنانة.

ويضيف ان ما ركز في سائر أعماله هو النماذج الإنسانية الحقيقية قائلاً.. أحاول في جميع أعمالي أن أكون حيادياً قدر الإمكان بحيث لا أتحول مع فريق العمل إلى صحفيين أو سياسيين بل نحافظ على كون العمل اقتراح جمالي نسعى ما استطعنا إيصاله إلى الناس.

وإذا كان الماجري ينفي عن عمله الأخير شبهة التحقيق الصحفي فإن الروائي والسيناريست يمارس في كتابته عمل الصحفي أثناء الإعداد للسيناريو من حيث التقصي وجمع المعلومات ولكن تجلي هذه المعلومات يكون درامياً من خلال الحبكة والتشويق والمناقشة البصرية لما يقترحه المكان من أحداث وموضوعات.

وإذا ما قارنا بين وظيفة الكاتب الدرامي ومهمة الصحفي نجد أن هناك تمايزاً يفرضه النوع إلا أن توضيب الأفكار وتجديلها ومناقشتها يأخذ المنحى ذاته حيث يرى الناقد الفني "موسى أسود" أن الكاتب والصحفي يمتلكان الموهبة والملكة نفسها وهي "الكتابة" ومن خلالها يحاولان تسجيل ما يرصدانه من مشاهدات وذلك ضمن لغة وسيطة تجمع بين لغة الأدب العالية والعامية البسيطة للوصول إلى لغة سهلة يتقبلها المتلقي بيسر ومن هنا جاء التقارب بين المسلسل الدرامي والتحقيق الصحفي.

ويلفت "أسود" إلى مشكلة يقع فيها كتاب الدراما عندما يكثفون هذا الجانب الصحفي بغية الاقتراب أكثر من الوقع فيصبحون كأنهم يقدمون شكاوى واصفاً ذلك بأنه عيب كبير على أعمالهم لأنهم بذلك يحيدون الدراما كثيراً ويغلبون الجانب التقريري الصحفي.

ويوضح الناقد السوري بأن السيناريست والروائي يعملان على التقاط اللحظة والتركيز عليها محولين ما يعتبره البعض هامشياً في حياة الناس إلى أساسي ويبَيِّنان الظروف التي جعلته يبدو وكأنه هامشي.