2013/06/21

الدراما السورية وأزمة النصوص
الدراما السورية وأزمة النصوص


عفاف يحيى الشب – الوطن السورية


من سنوات عديدة والدراما السورية قبيل الأزمة السورية التي تكالبت على الوجود السوري الكريم (مجتمعيا وسياسيا واقتصاديا ودينيا وثقافيا وأدبيا وسلوكيا وتاريخيا) ترمح على فضاءات الشاشات العربية وحتى التركية والأميركية حيث حدثتني صديقة لي عن متابعة الأميركيين والإسرائيليين للعديد من الأعمال الدرامية السورية بكل اهتمام وتمحيص ولطالما أخذتنا نشوة النجاح ونحن نسمع الكثير عن استحواذ تلك الدراما على إعجاب معظم الشعوب العربية وغيرهم ممن تكلمت عنهم من أهل الأرض...

أشواك مؤلمة على أزاهير الدراما السورية: منذ ذاك الزمن الذهبي للدراما السورية كنت أكتب مقالات جادة عن بعض الترهات التي تتوغل فيها بعض الأعمال انطلاقا من ثقافة كاتب النص الذي لو تابعنا مشوار دراسته وحجم ثقافته لوجدنا البعض منهم قد يسقط دون خط الوعي التام لما يعاني مجتمعنا منه وما يتطلبه هذا المجتمع من حكايات ايجابية ضمن أقواس ممتعة وطرح معقول لبعض مشكلاته بأسلوب ممنهج ومدروس انطلاقاً من الحقيقة غير المبالغ بها لدرجة الشطط بغاية الإبهار والتمييز، ولأن الدراما بحد ذاتها تعتبر سجل الأمة ونافذتها الثقافية والقادمون من الأجيال لابد أن يقرؤوا الكثير عن واقع الأجداد من خلالها كما نفعل اليوم حين نبحث بين الكتب والمؤلفات عن كل ما نرغب معرفته بغاية خلاقة نسعى معها لإثراء ذاكرتنا الذاتية والشعبية بالوافر من المعلومات على اعتبار أن من لا ماضي له لا حاضر يفخر به ولا مستقبل يصل إليه إلا من خلال عبور المستقبل على مراكب المجد الذي يجب أن نؤجج ديمومته بإنعاشه الدائم وفق التطورات المعاصرة وصولاً إلى مجتمع لا يعيش غيبوبة أهل الكهف وإنما يخلق مسارات إبداعاته ونهضته بمزج ومضات من ماض مشرف مع قبضات من مستقبل متطور انتهى معه الإنسان المعاصر الغربي إلى امتطاء مركبة فضائية من أجل قضاء أيام لا مثيل لها بين الكواكب والنجوم تحصيلا لمتعته والترويح عن نفسه وبعيداً عن «حادي العيس» رغم جمال تلك الأغنية التي تثري ذاكرتنا الفنية العربية..


الحقيقة في انتقاء الأفضل

بكل واقعية واحترام أقول خلافاً لما يحاول البعض ترويجه عن جميع مفرزات الدراما السورية بأنها أجمل من الخيال وأمتع من البهاء وأصدق من الحقيقة لأنها كانت حريصة على نقل لوحات من الواقع المعاش، أجل أقول في ذلك مبالغة مستهجنة انطلاقا من وجهة نظر غيورة على واقع تلك الدراما التي اتخمت مرابعها مؤخراً وبعيداً عن الرعيل الأول بالعديد من أشخاص تبنوا دون خبرة ولا دراسة صناعة الدراما بغاية الشهرة والربح المادي تحت غطاء من موهبة أو إبداع فكان أن نجح البعض وفشل الآخر والآخر هذا هو من يخيفنا وهو بيت القصيد في هذا المقال..


ضجة إعلامية غير متوازنة

المهم أننا كنا نعتقد أن إعجاب القنوات غير السورية بها هو بحد ذاته برهان ودليل عملي على نضج الدراما السورية ونجاحها وتفوقها البليغ ولاسيما أنه في شهر رمضان تستنفر الشاشات كلها لعرض الكثير من المسلسلات السورية وبعض المسلسلات المصرية وهنا يحدث سباق فيه بعض النفاق والمدح غير السوي نتاج غياب النقد البناء واعتماد التملق والرياء على حساب القضايا الجادة للإعلام.. ويتجلى ذلك واضحاً حين تنتاب الإعلام الورقي والالكتروني والمرئي نوبة جنون في تغطية تلك الأعمال الدرامية مع تحركات أبطالها ونجومها اللامعين وكيف أن البطل الفلاني قال كذا وذاك سهر هنا والآخر رفع من أجرته بشكل غير معقول لأنه جسد شخصية أحبها الجمهور وأحد الفنانين تزوج والآخر طلق و.. والحكاية طويلة تسقط حيالها كل منافذنا الثقافية وتهرب لغة المنطق إلى التبجح واللامعقول. ومع ذلك وكما ذكرت كانت لغتي الوجدانية تقول غير ذلك بالنسبة لبعض الأعمال التي كان غاية البعض منها نشر «الفضائح» تحت مسمى الكوميديا السوداء بقالب كوميدي أحياناً وافتعالي أحياناً ورخيص أحياناً أخرى..... أما لماذا أقول هذا مع احترامي الشديد لكل الذين عملوا في صناعة درامانا السورية بدءا من المنتج والمخرج والكاتب وصولا إلى الممثلين والكوادر الأخرى دون استثناء، فإن السبب فيه هو موقفي من بعض تلك الأعمال وليس كلها انطلاقاً من خوفي على بلادي وأناسها وعلى مناظرها وطبيعتها وأحوالها وعلى سمعتها وكيانها، ولا يعني هذا الخوف إنشاء حالة عكسية تنهض على طمس الواقع.. لا.. بل لأن المبالغة غير مستحبة بقصد المفاخرة بأن فلاناً يستطيع أن يكتب وفق أهوائه ما يشاء (التي قد تكون مريضة ومنحرفة أو ربما مدخراته من الحدوثات وغايتها قد تكون ضحلة تقريباً) وكثيراً ما كنا نشاهد بأم العين كيف أن بعض المسلسلات الرمضانية وقعت في هذا الفخ وأدرك ذلك كل مشاهد امتلك وعيه وواقعيته وأحب بمصداقيته تحقيق الجودة والاهتمام المنشود والمستوى المطلوب في درامانا السورية قدر المستطاع. ومع إصراري على احترام رأي الكاتب والمفكر لكن شريطة أن يكون هذا الكاتب أصلا مؤهلا لطرح فكره العامر ثقافة ووعياً على جمهور المسلسلات الرمضانية وما أكثر ما تزاحمت الأقلام لكتابة المسلسلات من قبل فئة لم تكتب يوماً كلمة ما ولم تملك مخزونها الثمين ذا الجدوى من طرحه على الناس، ويلحق به طبعا كل من المخرج والمنتج والذي يجب أن يدركه الجميع هنا أن الدراما هي صناعة هامة وخطيرة مهما كانت طروحاتها ومهما كانت أهدافها ورمزيتها فهي بالمجمل مرآة المجتمع وصورة حياته المعيشة بكل مرافقها ومفرداتها..


اختلاطات الدراما السورية

وأتابع قائلة إن بعض تلك الأعمال الدرامية كانت تشهيرية أكثر منها واقعية كحال حلقات من بقعة ضوء وبعض الأعمال الشامية وحتى الاجتماعية التي جاءت تظهر بساطة الشعب السوري القريبة من الغياب وتظهر المرأة ثرثارة دون علم ولا فهم والرجل مزواجا ومنجبا وجلادا لا يجوز النظر إليه ولا الاحتجاج على ما يقول من كلام وان كان مخالفا المنطق العام... إلى هنا والموضوع مقبول لكن أن تأتي شركات إنتاج ممولة (بأموال من خارج سورية) بكل شيبها وشبابها أي بمؤلفي النصوص مع المخرجين والممثلين ليقدموا عملا فيه إسفاف بالمجتمع السوري من خلال مسلسلات العشوائيات وخلافه من أعمال تهريجية فهذا غير محبب ولا مقبول لأنها قد تصدم المشاهدين بما فيها من حكايات خليعة ونساء يمتهن الدعارة ورجال مدمنين يرتكبون الجريمة وطالبات مدارس ضائعات بالجملة.


ختام القول

إن الأزمة السورية أزاحت النقاب قليلا عن قطاع الإنتاج الدرامي العام والخاص حيث لم تكن هناك انتقاءات جيدة للنصوص الدرامية بكل فروعها الاجتماعية والتاريخية والكوميدية وكان المهم في الموضوع النص الأرخص سعرا وليس الأقوى موضوعاً والأشد ملامسة للواقع دون إضافات ومبالغات وكثيراً ما كان يدخل عملاً درامياً ميزان الرقابة وينال الموافقة رغم سخفه وانفتاحه على أمور أخلاقية وخلافه لأسباب معلومة!!!!