2012/07/04

الدراما السورية ولعنة النمطية
الدراما السورية ولعنة النمطية


عبد الغفور الخطيب - البعث

منذ أن بدأت الدراما السورية صعودها الكبير أوائل تسعينيات القرن المنصرم، إثر تراجع الدراما المصرية ونكوصها إلى الخلف، بعد أن أصبحت نمطية استهلاكية همها الوحيد هو الربح المادي، بغض النظر عن رسالة الفن ووظيفته، وبعيدا عن الإبداع الذي هو أساس الفن، منذ أن بدأت مسيرة صعودها إلى القمة وُجهت لها نصائح كثيرة بعدم السير مسيرة الدراما المصرية التي أوقفتها النمطية وأهلكها التقليد، وباتت متراجعة على صعيد إنتاج الدراما والإبداع الفني.

وهكذا بدأت الدراما السورية صعودها مع نقد موضوعي ساير عملية الإنتاج الدرامي، كتابة وتمثيلا وإخراجا، نقد شمل صناعة الدراما بكل مجالاتها، وقد رأينا في تلك الحقبة ذلك النقد الذي واجهه صُنَّاعُ الفانتازيا وعلى رأسهم نجدة أنزور، الذي عمل على هذا النوع من الدراما كمسلسلات الجوارج والكواسر والبواسل والموت القادم إلى الشرق، وغير ذلك مما قدمه مخرجون وكتاب آخرون في ساحة العمل الدرامي السوري.

ولكن يبدو أننا لا نتعلم من أخطاء الغير، صحيح أن الدراما السورية ظلت في تصاعدها، مع وجود بعض المعيقات التي تقف في طريقها أحيانا، ولكن أخذت الدراما شيئا فشيا تتخذ مواقعها التقليدية النمطية، فراح الموسم الدرامي ينقسم إلى أقسام هي ذاتها كل عام، فثمة مسلسلات اتجهت إلى دراما البيئات، وراحت تتمترس خلفها لا تخرج منها إلا للتنفس القليل، كأنها في سجن، كالبيئة الشامية والحلبية.

وثمة مسلسلات اتجهت إلى التاريخ تستقي منه في محاولة لسد ثغرة في الدراما السورية لم تتجه إليه طوال تاريخها الطويل، ولا سيما الدينية منها، وهكذا بدأنا نرى المسلسلات الدينية كل عام، حتى أن تناول عصر الإسلام الأول كان عبر أكثر من مسلسل في الموسم الواحد، ولا سيما الموسم الرمضاني، في استعادة لما كانت تفعله الدراما المصرية، مع اعتقادي بأن الاتجاه لمثل هذه الأعمال إنما هو لعدم توفر نصوص درامية جيدة، ولو أن هناك نصوصا جيدة لما اتجه الكثير إلى إنتاج مثل هذه الأعمال، وقد كانت متكأ بسبب غياب النص كما قلنا.

والبعض اتجه على سبيل التجريب إلى الدراما البوليسية التي لم تكن موجودة على نطاق واسع، وأيضا في محاولة لتلافي ما يعانيه الإنتاج الدرامي من ضعف، فيما اتجه آخرون إلى الدراما الاجتماعية التي لا تنضب، والتي تظل خزانا كبيرا للأفكار، وكما قال حكمت محسن يوما ((طالما هناك بشر يمشون في الشارع فثمة قصص وحكايات)) ودراما الحياة لا تتوقف.

ثم أخيرا بدأ البعض يتجه إلى دراما السيرة الذاتية، في محاولة إلى سبق الآخرين إلى هذا النوع الذي لم يكن قد طُرق بَعدُ في درامانا السورية، وهكذا وجدنا تناول بعض الشخصيات الأدبية، الأمر الذي لم يرق للبعض، سواء من أقرباء هذه الشخصيات، أو من النقاد المهتمين.

ولعل تناول هذا النوع بالتحديد مع وجود الملابسات التي رافقت هذه الأعمال، جعل هذه الأعمال السيرية تُطبخ على عجل، ما أدى إلى الإساءة للشخصية المتناولة، وإلى العمل ككل، كمسلسلي نزار قباني ومحمود درويش، اللذين أنتجا في ظروف مماحكات قضائية وإعلامية بين المنتجين وأقرباء الشاعرين والنقاد أيضا، الأمر الذي أدى إلى ضعف في مستوى هذين العملين.

ولا شك أن الكرة تظل في ملعب صناع الدراما، وهم الذين يجب عليهم أن يخرجوا من القوالب الجاهزة التي وضعوا أنفسهم بها، وإلا ستصيبهم لعنات رافقت غيرهم، والاتجاه إلى دراما الأجزاء يدلل على حالة الارتباك الذي يعانيه قطاع الدراما، فهل يعي القائمون عليه هذا الأمر؟