2012/07/04

الدكتور سمير جبر رئيس قسم المسرح في الجامعة الأردنية
الدكتور سمير جبر رئيس قسم المسرح في الجامعة الأردنية

  تطوعت للتصوير على الخطوط الأمامية من أجل تصوير عملية الإنزال ورفع العلم السوري على مرصد جبل الشيخ. عملت مع المخرج نجدت أنزور في "الجوارح" واختلفنا على بعض القضايا الفنية. لم أحب الشللية التي سادت منذ فترة في الوسط الفني. الجهات الإنتاجية أدخلت على الإنتاج التلفزيوني من ليس لهم علاقة بالوسط. درّبت مجموعة من المصورين، والآن هم مدراء تصوير محترمون. كثير من الأكاديميين درسوا وتخرجوا وحملوا شهادات ولكنهم لا يملكون حساً إبداعياً. محمد ملص، أمل حنا، فردوس أتاسي، نبيل المالح، عبد اللطيف عبد الحميد، كلهم امتلكوا الحس الإبداعي والفني. المشكلة في سورية أن الكل يريد أن يخرج أعمالاً.                     المسيء هو اتجاه المخرجين السوريين إلى أعمال لا يعرفون عنها الكثير. وأنا متفائل بالمخرجين والمؤلفين الشباب الذين يقودون عجلة الدراما والفن في سورية..   خاص بوسطة – عمّان/الأردنعلى الرغم من كون الدكتور سمير كامل الجبر رئيس قسم المسرح في الجامعة الأردنية، إلا أنه سوري بامتياز.. فالدكتور من مواليد مدينة شهبا في سورية عام 1946، كما أنه شارك في الدراما والسينما السورية، فهو شارك في إدارة التصوير والإضاءة وإخراج أكثر من 70 مسلسلاً تلفزيونياً وفيلماً سينمائياً، حاز العديد منها على العديد من الجوائز العربية والعالمية، ومنها الفيلم السينمائي "إمبراطورية غوار" بطولة الفنان دريد لحام، الفيلم السينمائي العالمي "المؤامرة"، إخراج ريمون بطرس والمخرج العالمي إيغور غوستيف، وهو فيلم سوري– روسي مشترك، ومسلسلات "الجوارح"، "مرايا 88"، "مرايا 95"، "نساء بلا أجنحة"... وغيرها.. هو البطل الذي صور عملية رفع العلم العربي السوري على مرصد جبل الشيخ أثناء حرب تشرين التحريرية، وهو الفنان والإنسان الذي يخاف ويخشى على الدراما السورية، ويبقى يفكر فيها رغم كل انشغالاته في قسم المسرح في الجامعة الأردنية.. بوسطة التقته في عمّان، وكان لنا هذا الحوار..   حدثنا عن أجمل ذكرياتك في العمل الفني.          أجمل ذكرياتي في الوسط الفني تعود إلى العام 1973، وقتها كنت قد تخرجت منذ بضعة أشهر، ومع بداية حرب تشرين التحريرية، تطوعت للتصوير على الخطوط الأمامية من أجل تصوير عملية الإنزال ورفع العلم السوري على مرصد جبل الشيخ، وذهب معي في هذه المهمة كل من مساعد المصور عدنان نساف، والمصور الفوتوغرافي بشير شحرور. نريد أن نعرف أكثر عن تفاصيل تلك الرحلة. قصة طويلة وجميلة، مختصرها أننا وصلنا إلى المرصد بعد رحلة مشي على الأقدام حوالي ثمان ساعات مع مجموعة حماية (ملازم وعشرة عناصر)، وصل معنا من بينهم إلى نهاية الرحلة، على ما أذكر، الرقيب أول بهجت ياسين، والباقي بين إصابات واسعاف الى الخطوط الخلفية واستشهاد. وصلنا الى المرصد عند غروب الشمس, وفي اليوم الثاني استطعنا تصوير رفع العلم وتمثيل إنزال القوات.. بقينا في المرصد ليلة ويومين، صورت فيهما كمية كبيرة من المواد السينمائية منها عمليات قتالية فوق المرصد، وفيها أيضاً خمس محاولات لجنودنا من أجل رفع العلم.. وأقولها بصدق، أتمنى أن أعيد هذه التجربة إذا تطلب الواجب ذلك.. كان القصف غيرَ مفهوم، ولم نكن نعرف هوية الطائرات.. وفي إحدى مرات القصف طلب منا الملازم أول الانبطاح تحت الصخور، لكنني بادرت إلى تصوير الطائرة بدلاً من ذلك، أصوات المعركة وضجيج الطائرات كانا يغطيان المشهد تماماً. وفي إحدى المرات طلب مني الاحتماء خلف الصخور، عندها اكتشفت أن  الأرض مليئة بالقنابل.. للحظة واجهت الموت وأدركت معناه، كانت لحظة لن أنساها.. أول لحظة خوف حقيقي في حياتي.. عندما اجتزت المسافة التي لاتزيد عن عشرة أمتار بيني وبين الصخرة التي سأحتمي تحتها قاطعاً المسافة قفزاً بين القنابل غير المتفجرة . وأذكر أنني عندما استلقيت أرضاً حميت الكاميرات بجسدي. قدمنا كل ما نستطيع في تلك المعركة.. حتى أن جنودنا استخدموا بطارية الاضاءة التي كانت بحوزتنا لاستكشاف المرصد من الداخل عند الفجر. عرفت أنك خضت مغامرة أيضاً عند تحميض الأفلام وقت حرب تشرين.. نعم.. عندما عدنا إلى الشام كان بناء التلفزيون مقصوفاً وفيه قنبلتان كبيرتان لم تنفجرا بعد، ولضرورة تحميض الأفلام التي سبق وصورتها، اضطررنا الى الدخول الى مبنى التلفزيون المهجور وقام السيد أحمد اللحام، بإظهارها هناك.. ثم نشرها التلفزيون السوري كدليل على سيطرة جيشنا على مرصد جبل الشيخ, حيث أن العدو لم يعترف بسقوط المرصد حدثنا عن مشاركتك مع المخرجين السوريين..  استمتعت بالعمل كمدير تصوير وإضاءة مع العديد من المخرجين مثل هيثم حقي ونبيل المالح وفردوس أتاسي وطلحت حمدي وهشام شربتجي لأنهم يعرفون ما يريدون، ولديهم حس إبداعي واعي. كما عملت مع المخرج نجدت أنزور في "الجوارح" واختلفنا على بعض القضايا الفنية، واضطررت إلى ترك العمل حيث أكمله الزميل حنا ورد. من أهم الأعمال التي شاركت بها فيلم "المؤامرة" لإيغور غوستيف وريمون بطرس، إنتاج مشترك بين شركة الغانم وروسيا، كان عملاً مهماً ونقلة لأنه نفذ بشروط صحية مثالية، صورنا في دمشق وجورجيا وموسكو (استوديوهات موسفيلم). إذاً لماذا تركت العمل في التلفزيون واتجهت إلى العمل الأكاديمي؟ لم أحب الشللية التي سادت منذ فترة في الوسط الفني، أو السمسرة على الأجرة بطريقة معيبة. كانت هناك حالات تفاوض على المسلسل عند تقرير الأجور بطريقة مسيئة، وكانوا يساومون على المبالغ التي سينالها الفريق بطريقة سيئة، ولذا فقد كرهت العمل في هذا الوسط، لذلك تركته عندما جاءتني فرصة للعمل الأكاديمي وفعلت ذلك. نجحت في حياتي المهنية كأكاديمي، وساهمت في تأسيس قسم السينما والتلفزيون في الجامعة الأردنية. ماذا عن موضوع الشللية؟ كيف حدث ذلك؟ الجهات الإنتاجية أدخلت على الإنتاج التلفزيوني من ليس لهم علاقة بالوسط بشكل مباشر، فكان هدفهم الأساسي هو الربح بغض النظر عن القيمة الفنية. كمثال اتفقت مع أحدهم مرة على عمل معين، وأخذت سلفة للبدء فيه، ثم فوجئتُ بأن الميزانية الموضوعة للعمل كانت قليلة جداً وهي غير كافية لتأمين أدنى الشروط الصحية للعمل من فريق مهني، وديكورات، وتكاليف أخرى، فقررت الانسحاب لأنه لم يكن هناك مجال للإبداع، كان هم المنتج انتاج المسلسل دون تكلفة تذكر ولايهمه المستوى الفني للعمل. وماذا عن الذين تدربوا معكم خلال هذه الفترة الطويلة من حياتكم المهنية؟  درّبت مجموعة من المصورين، والآن هم مدراء تصوير محترمون، إلا أنه هناك بعض أبناء هذا الجيل الذين دربناهم صاروا يقتنعون بشروط المنتج، وهي الشروط الأرخص، ولم يعودوا يهتمون بالقيمة الفنية، وأقصد بعض مدراء تصوير هذه المرحلة من الإنتاج التلفزيوني. برأيك، هل هناك أفضلية للدارس أكاديمياً عن غيره في العمل الفني؟ كثير من الأكاديميين درسوا وتخرجوا وحملوا شهادات ولكنهم لا يملكون حساً إبداعياً لذلك لم ينجحوا في حياتهم الفنية ، لكن آخرين بدؤوا عملهم في المختبر الفني واشتغلوا مع مصورين ومدراء تصوير وإضاءة، هؤلاء استفادوا من الأكاديميين ومن تجربتهم الطويلة في الوسط الفني، وبرأيي الموهبة والحس الفني هما الأهم في كلتا الحالتين: الأكاديمية، والخبرة التراكمية وهي لا تقل أهمية عن الدراسة الأكاديمية. نجدت أنزور غير أكاديمي وكذلك بسام الملا والليث حجو والمثنى صبح، ومع ذلك فهم لا يقلون أهمية عمن يحملون الشهادات، وأنا لست ضد من يتقدم في العمل نتيجة الخبرة عندما تتوفر الموهبة والخبرة والحس الفني. دائماً أقول لطلابي: لا تعتقدوا أنكم بمجرد حملكم للشهادة أصبحتم فنانين، فاشهادة الأكاديمية تضعكم على بداية الطريق وعليكم اجتياز هذا الطريق بالموهبة والحس الفني والجهد الإبداعي المتواصل. لدينا كثير من الأكاديميين: محمد ملص، أمل حنا، فردوس أتاسي، نبيل المالح، عبد اللطيف عبد الحميد، وكلهم امتلكوا الحس الإبداعي والفني، يضاف إلى ذلك تراكم الخبرة والتجربة، ولكل منهم بصمته الابداعية المميزة . ما هي مشكلة الإنتاج الدرامي السوري برأيك؟ المشكلة في سورية أن الكل يريد أن يخرج أعمالاً، لذلك نجد أعمالاً رمادية لا تترك أثراً في الذاكرة، وهنالك أخرى متألقة، ويمكن أن يكون ذلك بسبب الخبرة الأكاديمية أو العمل الطويل. الحقيقة أن علاقة المخرج مع المنتج تلعب دوراً في هذا الموضوع، فهناك مخرجون يساومون تقنيين ليس لديهم بصمة، لأنهم لا يستطيعون أن يتحاوروا مع الجهات الإنتاجية لزيادة الميزانية المخصصة للعمل، وهذا أمر مضحك، فالشركات كثيرة، إلا أن الذين يحترمون أنفسهم منهم قلائل جداً. هؤلاء يأتون بالتقنيين الضروريين والممثلين اللازمين، وبالتالي نحصل على أعمال بسوية عالية. وفي المقابل هناك أعمال نستطيع القول بأنها فاشلة... هذه الغزارة في الإنتاج، وإن كان لها مساوئها، إلا أنها أفرزت الغث من الثمين. من له خط درامي واضح أخذ حقه، والباقي انقرضوا (شوي شوي).. لاحظ عدد الأعمال التي تم التسويق لها ولم تنجح، ولاحظ عدد الشركات التي لم تعد تنتج، لأن الأهم وهو السوية الفنية لم تكن جيدة، والذين بدؤوا برؤوس أموال صغيرة توقفوا بعد فترة. وما هو سبب هذه الغزارة في الإنتاج أو الفورة الحالية برأيك؟  نسبة من كتاب النصوص الذين وجدوا في السنوات الأخيرة لم يكونوا موجودين سابقاً.. الآن هناك كتاب سيناريو متميزون، وكتبوا أعمالاً مهمة، فأساس العمل الناجح هو السيناريو القوي والمخرج المبدع، عندها نفرز أعمالاً ناجحة. أنا أحترم تجربة الشباب التي نشهدها اليوم، فهذه الفرصة لم تكن متاحة لجيلنا.. فنحن (جيل الرواد) أول من أسس أول دائرة إنتاج سينمائي، وكانت في العام 1974 في التلفزيون، وقتها كان العاملون في الوسط الفني قليلين، أما الآن فكمية كبيرة من الشباب العاملين في الوسط موهوبون واكتسبوا خبرة جيدة. برأيي مجموعة الأسماء الموجودة في الساحة الفنية هي سبب إعطاء الدراما السورية نفَساً جديداً. مثال: بقعة ضوء في أجزائه الأولى كان فكراً جديداً وإبداعاً راقياً. فسبب الفورة برأيي فهي أن كثيراً من المخرجين والكوادر الجديدة اجتهدوا وعملوا واكتسبوا خبرة ممتازة سنحت لهم الفرصة في تنفيذها فأوصلوا حضورهم وإبداعهم إلى الشاشة. هل هي فورة حقاً أم اتجاه جديد؟ عدد شركات الإنتاج محدود في سورية، وهذه الشركات هي على الأغلب منتج منفذ... على كال حال ليس الأمر سيئاً في انعكاساته على الدراما، فهذه الثنائية في الإنتاج إيجابية لأن (الحياة هيك).. هذا الاختلاط أفاد خارج الحدود ويفترض أن يعطي دفعة للدراما. لكن المسيء هو اتجاه المخرجين السوريين إلى أعمال لا يعرفون عنها الكثير، كمثال مخرج سوري يعمل للخليج ولا يعرف طبيعة الخليج أو يتقن لهجة الخليج فإنه لن يخرج عملاً جيداً كالذي يخرجه ابن البلد في سورية. الخوف على مخرجينا عندما يعملون في الخارج من موضوع اللهجات وعدم تمكنهم من أدوات البيئة، وهذه من ثغرات المخرجين الذين يبدعون داخل سورية. أما بالنسبة للتاريخي فأشجع هذا الموضوع (اللغة الفصحى)، هنا لا تهم هويتك الإخراجية طالما أنك ضمن الحالة الإبداعية التي لا يغيرها أي تدخل إنتاجي.. في السينما؟  عملنا مع عدد من المخرجين المهمين عبد اللطيف عبد الحميد، سمير ذكرى، ريمون بطرس، وخصوصاً في مجال الخدع السينمائية. وماذا عن المسرح في الأردن؟ المسرح في الأردن ليس على قدر الطموح، الطموح (أكبر من هيك)، بسبب وجود مخرجين مسرحيين مهمين في الأردن عددهم قليل ، وكثير من الأعمال  المسرحية لا تأخذ حقها، وهناك أسماء تحمل شهادات متكبرة على العمل المسرحي. ماذا تتمنى في كلمتك الأخيرة.. أتمنى من الدراما السورية، أن يكون هناك صدق في الطرح بشكل أساسي في الأعمال، وأن يختاروا فناناً مبدعاً وراء كل عمل فني قادر على إيصال فكرته بشكل جميل محبب للناس وليس منفراً. كما أتمنى أن نتخلص من الشكليات، في الدراما السورية يجب أن ينكسر هذا القيد.. الدراما السورية وصلت، ويجب أن نحافظ على مكانتها، وإذا بقينا نفكر بمنطق المادة أولاً فإننا سنتراجع. وأنا متفائل بالمخرجين والمؤلفين الشباب الذين يقودون عجلة الدراما والفن في سورية.. كما أشكر موقع بوسطة.. شكراً جزيلاً لك..