2012/07/04

الديجيتال عوض الكاميرا: كارثة فنية
الديجيتال عوض الكاميرا: كارثة فنية

محمد رضا – دار الخليج

السجال الذي دار حول بعض الأفلام المشاركة في مهرجان “الخليج السينمائي” المنتهي الاربعاء الماضي، كان - ومن دون الدخول في التفاصيل- على علاقة بأساليب تحقيق الأفلام المشاركة . فالمعظم الأغلب من الأفلام التي شاركت، في المسابقة أو خارجها، تم تصويرها بكاميرات دجيتال رقمية بينما هي قليلة تلك الأفلام التي تم تصويرها باعتماد الكاميرا السينمائية .

والموضوع هنا هو هذا الانتشار للتصوير بالدجيتال وما إذا كانت فوائده تجيز العمل عليه إلى ما لا نهاية أو أن عيوبه المتغاضي عنها يجب ألا تغيب عن بال الناقد حتى يستطيع تقويم الفيلم كما يجب .

وانطلق السجال منذ فيلم الافتتاح . ذلك الفيلم الشخصي المسمّى ب “طفل العراق” الذي يتحدّث عن المخرج نفسه وقد عاد من الدنمارك التي كان هاجر إليها مع والدته وشقيقته قبل سنوات بعيدة، الى العراق حيث موطنه الحقيقي . هناك تصدمه الفوضى القائمة والمصائر المجهولة والخوف والتعب الاجتماعيين المنتشرين لجانب وجود مشكلات متواصلة من بينها البطالة وانقطاع الكهرباء ورغبة الكثير من الشباب في الهجرة من العراق إلى أي مكان .

في الوقت الذي يتعرّض فيه المخرج علاء محسن للوضع الحالي منتقداً (وهو بذلك يقدم على ما لا يريد مخرجون عراقيون آخرون الإقدام عليه مكتفين بنقد النظام السابق) وواضعاً خطوطاً تحت المعاناة الحالية، يجب ألا يغيب عن البال أن الفيلم، أي فيلم، هو ليس الموضوع أو القصة أساساً، بل هو الصورة . فيلم محسن ركيك التنفيذ لدرجة أنه يكاد لا يكون فيلماً .

وفي الوقت الذي يمكن اعتبار عمله تلقائياً وصادقاً (وهو كذلك فعلاً) لا يمكن الإشارة الى أن عيوبه كعمل هي أكثر من إيجابياته والسبب الرئيس في ذلك هو الدجيتال .

الدجيتال هو زر في الكاميرا تضغط عليه وتصوّر والنتيجة، يقولون، فيلم طبيعي . لكن الحقيقة هي أنه بمجرد فعل ذلك فإن النتيجة ليست فنيّة على الإطلاق . لا يمكن الوصول الى مرتبة عالية من فن الفيلم الا إذا كان المخرج على خبرة ودراية بالكاميرا السينمائية بحيث يصمم فيلمه المصوّر بالدجيتال ويخطط له كما لو كان يصوّر بكاميرا فعلية . هذا ما يُتيح للمخرج التفاعل مع معطيات فيلمه وعناصره على نحو واضح وإتاحة المجال الأكبر للصورة لكي تقود الفيلم عوض أن تقودها الحكاية والتعليق والحوارات .

الذي يحدث هو أن الاستسهال الكامن في كاميرا الدجيتال يجذب إليه اختزال الشروط الصعبة التي ترافق استخدام الكاميرا السينمائية . وإذ يُضاف إلى ذلك أن المخرجين يستلهمون أساليبهم هذه الأيام من الأفلام الرائجة وحدها، أي من أفلام هوليوودية حديثة ضحلة الفن وهزيلة الكتابة والمعالجة، فإن المنتشر هو اعتبار أن التصوير بالدجيتال هو الأنسب والبديل الشامل .

لكن كل ما على المخرج المنتمي إلى عصر الدجيتال فعله هو مشاهدة كيف قام مخرجون أساسيون برفض التصوير بالدجيتال، وحين فعل بعضهم ذلك استند إلى خبرته الطويلة في مجال العمل السينمائي .

على سبيل المثال فإن المخرج مارتن سكورسيزي عمد الى الدجيتال في تصوير بعض أفلامه الوثائقية، كما فعل مؤخراً حين أخرج “سلّط ضوءاً” حول فرقة “ذا رولينغ ستونز” في حفلتها الأخيرة . أو ألكسندر زوخوروف حين صوّر رائعته “سفينة روسية” قبل سنوات . والمخرج رتشارد لينكلاتر سبق المخرج عبّاس كياروستامي في تحقيق أفلامه على الدجيتال، لكن من بعد أن تأسس سينمائياً . وحتى كياروستامي، الذي لا يسجّل هذا الناقد إعجاباً استثنائياً به، طوّع الدجيتال جيّداً حين حقق فيلمه الجديد “نسخة مزوّرة” .

عربياً، المسألة لا تزال بعيدة للغاية عن الكمال . الخبرات الجديدة التي تقفز للوقوف وراء الكاميرا تبغي السهولة التي تتيحها كاميرا الدجيتال، وكونهم لم يمارسوا السينما من قبل يؤدي الى ممارسة لغة غير سينمائية تؤدي في الحقيقة إلى تكسير قواعد السينما في الكثير من الحالات . كما تؤدي غالباً إلى منع المخرج من التطوّر صوب الوضع الأمثل لتحقيق الأفلام .

إنه لا ريب أن التصوير بالفيلم الخام، كما يفعل معظم المخرجين الآن، يمنح الفيلم على الشاشة وجوداً مختلفاً للغاية . وفي يقين مارتن سكورسيزي نفسه أنه لو استخدم الدجيتال لتصوير “جزيرة مغلقة” لما حصل على النتيجة ذاتها: “كان السؤال يقع بين أن نحصل على المشاهد الداخلية لعنابر المستشفى مثلاً، مشبّعة بالاختيارات الفنية كالضوء وكخامة للصورة، و”اللوك” العام، وبين أن نحقق ما يشابهها لكنه لا يصل إلى مستواها . هذا في نظري الفرق بين الكاميرتين” .