2012/07/04

"الزعيم" ساقط.. ساقط..
"الزعيم" ساقط.. ساقط..

شكري الريان


تناول كثيرون موقف الفنان عادل إمام من الثورة المصرية، ومالت معظم المواقف إلى القول بأن تنكر إمام لشعب مصر خلال ثورته الأخيرة سيكون ثمنه خسارة كاملة للرصيد الكبير الذي كونه مع هذا الشعب نفسه، بل إن البعض نحى باللائمة على إمام بسبب تناسيه لحقيقة أنه صناعة "جماهيرية" أولاً وأخيراً، وبالتالي فإن ولائه الأساسي كان يجب أن يكون لصالح هذه الجماهير وليس لصالح النظام الذي لم يفعل شيئاً في صناعة نجومية إمام وسواه ممن سلكوا نفس درب "السلامة" إياه ليخرجوا بعد نهاية النفق الذي دام ثمانية عشر يوماً فقط، حاصدين "الندامة" وحدها.

البعض الآخر ذهب في تحليلاته لظاهرة تنكر بعض "النجوم"، الحقيقة بعض أكثرهم بروزاً، لثورة مصر بوصفه توقعاً من قبلهم، أي النجوم، بانهيار لن يلبث أن يطال نجوميتهم بالذات فيما لو استطاعت الثورة النجاح، وبالتالي فإن التنكر هذا كان رد فعل دفاعي طبيعي في مواجهة قادم جديد، تصوروا أنه لا يمكن إلا أن يكن الحقد والكراهية لكل ما ساد، ومن ساد، خلال الحقبة التي ثار عليها وضدها.

ولكن هل من الصحيح أن نجومية بنيت على مدار عقود يمكن أن تسقط خلال ثمانية عشر يوماً فقط لا غير. حتى لو سقط خلال تلك الأيام، اللحظات، نظام سياسي بأكمله دام بدوره عقوداً طويلة؟، وهل يمكن أن نقارن نظاماً سياسياً بني على القهر أولاً وأخيراً بنجومية بنيت على... حب، إعجاب، تعلق مراهق، أو أي شيء آخر غير القهر؟. وبالتالي هل يصح القول أن رحيل "مبارك" ما هو إلا مقدمة لرحيل "الزعيم" وسواه من الزعماء من مختلف الحجوم والألوان، الفنية تحديداً في سياق كلامنا هذا؟. وفي النهاية هل من العدل أن نساوي النظام بالفنان، الذي مهما بلغت ثروته أو أجوره، يبقى "متعيشاً" بالمقارنة مع نظام "غول" كاد أن يبتلع الأرض وما عليها؟.

الحقيقة أن المقارنة، جملة هكذا، فيها الكثير من الإجحاف ليس بحق الفنان أو النجم فقط، بل وأيضاً بحق ذائقة كاملة هي من أعطته هذه الصفة. ولكن هذا لا يلغي بدوره حقيقة مهمة أيضاً وهي أن هذه الذائقة بالذات لن تلبث بدورها أن تخضع لمراجعة كاملة في ظل مناخ جديد تغير عن ذاك الذي كان سائدا قبله. المناخ الذي فرض على الناس يوماً حب "مبارك" حيث بات فعل "الحب" نفسه قابلاً للإخضاع وفقد بدوره الكثير من قيمته، وبالتالي ما كان حباً. في ظل هكذا مناخ كان يمكن للناس أن تستسيغ فناناً ما، ويأتي بعضاً من المحيطين بهذا الفنان ويخلعون عليه لقب "الزعيم"، وبرضاه، مادامت هذه الصفة هي التي احتكرت أقصى درجات "الحب" المفترض، ولكن هذا لا يلغي بدوره أن هذا الفنان امتلك شيئاً ما يقدمه للناس مقابل هذا.. الذي تواضعنا على تسميته "حباً".. وهذا الشيء بالذات، أي ما قدمه الفنان مسبقاً إلى جمهوره، هو ما أود الحديث عنه. ليس دفاعاً عن نجومية ما أو ذائقة تشوهت إلى درجة أو أخرى، بل دفاعاً عن "قيمة" يفترض أنها الوحيدة التي بقيت تقاوم قبل أن تهب الجموع بدورها للمقاومة، وباسم هذه القيمة بالذات.

أن تكون حراً، أمر يتطلب مجالاً ما، حيزاً ما، لممارسة حريتك هذه، وأن تكتفي بحريتك الداخلية بحيث تمنع الآخرين من كسرك، أمر يتطلب طرازاً خاصاً من البشر. طراز غير موجود بكثرة وإلا لما كنا بحاجة إلى "ثورات" بين الحين والآخر. لذلك فنحن البشر جبلنا في غالبيتنا على أن نعيش في جماعات ليؤازر واحدنا الآخر، ليقلل من خوفه، وليشعره بأنه قوي بما في داخله أيضاً، كون الآخر يحمل ما يحمله هو من مشاعر ورؤى ورغبات، وللوصول إلى مرحلة يمكن فيها للناس أن تتواصل حول تلك المشاعر والرؤى والرغبات بشكل جماعي فلابد من حيز ما يلتقون فيه ويتواصلون، وليس أفضل من الفن، بمختلف أشكاله، ليكون حيزاً رئيسياً لهذا التواصل، ومن هنا اكتسب الفن قيمته من خلال أنه لا يمكن أن يكون فناً إن لم يتم في مناخ من الحرية، ويمكن القول بأن الكلمة هذه، أي الحرية، بقيت نسبية في كثير من أشكال الفنون السائدة قبل الثورة. ولكن هذا بدوره لا يلغي حقيقة أنها كانت موجودة فعلياً ضمن هذا المجال الحيز، الفن، أكثر من غيره من المجالات، وبالتالي كان الخيار أمام "الجماهير" أكبر في اختيار "نجومهم" بدون أي شكل من أشكال القسر الموجودة في مجالات أخرى. وبالتأكيد فإن هذا الاختيار لم يتم بناء على عبث محض، لسبب بسيط هو أن من صَنَع ثورة اليوم هم أنفسهم من اختاروا بالأمس. إذاً فحب "الجماهير" للفنان تم بناء على ما أثبته هذا الفنان من قرب من هؤلاء "الجماهير" ومن إحساس، صادق لدرجة أو أخرى، بما يشعرون به فعلاً، وبما أثبته أيضاً من أهلية، كفاءة، للتعبير عن هذه المشاعر بأفضل الطرق الممكنة.

إذاً يمكن القول بأن الفنان عادل إمام بقي مديناً لهذه "الجماهير" بما وصل إليه، ولكن "الزعيم" لم يكن يوماً مدينا لها بشيء، لسبب بسيط هو أنه، أي الزعيم بأي شكل أو لون أو حجم وفي أي مجال كان، يستمد مشروعية وجوده وزعامته من سطوة تستند إلى الخوف والرهبة أكثر من أي شيء آخر، وبالتالي لم يعد هناك مجال لحرية بأي شكل من الأشكال لتحمي تلك "الزعامة" التي لن تلبث أن تنهار ما أن يطال شرخ، مهما كان صغيراً، تلك السطوة وكل ما يحيط بها.

وبالتالي فإن الهجوم على الفنان لم يكن، ولن يكون، مشروعاً أبداً، مادام هذا الفنان قادر على أن يقدم شيئاً. أما الزعيم، فتلك حكاية أخرى سقط "نجومها" وبقيت حكاية تروى من باب العبرة لمن يريد الاعتبار. وإن أراد الفنان، وهو قادر، حياة أطول لفنه، ونجوميته إن شاء، فما عليه إلا أن يدرك بأن "الجماهير" التي صنعت نجوميته، لم تعد باقية بدورها بعد أن فجرت ثورتها، وأنها تحولت إلى رأي عام، عدى عن كونه عصيّاً على التحديد في عبارة جامعة مانعة، الجماهير، فهو أكثر تطلبا من تلك "الجماهير" السابقة التي رضيت يوما بـ... مجرد زعيم!!.

فهل يبقى الفنان عادل إمام حبيس لقب "الزعيم"، ساقطاً مع من سقط ودافعاً الثمن كغيره ممن تكسبوا واعتاشوا وحاولوا بكل طاقتهم إبقاء هذه الظاهرة حية فوق رؤوس الجميع وفي مختلف المجالات؟، أو يعود "أحمد" الباحث في المجمع الحكومي في ميدان التحرير ذاته عن موظف ينقل له ابنه من مدرسة إلى أخرى قريبة، مصرّاً على حقه في وجود موظف يخدمه وكاسباً بالتالي احترام جميع المحيطين به، حتى قبل أن يطلب لهم الكباب من وزير الداخلية؟. سؤال أعتقد أنه برسم الإجابة ولكن ليس من قبل الفنان عادل إمام وحده..