2012/07/04

السياسة والدين والجنس لم تعد ثالوثاً محرماً
السياسة والدين والجنس لم تعد ثالوثاً محرماً

محمد أمين - الوطن ظل الدراميون السوريون فترة طويلة يعلّقون كل تقصير أو فشل على مشجب الرقابة وكانوا يؤكدون في كل مناسبة أنها سد مانع يقف أمام جموح وتدفق أفكارهم ويعرقل مساعيهم «الحميدة» لتغيير المجتمع وخلخلة المسلَّمات التي تكبلنا- كما يرون- ولا تترك لنا هامشاً للتحرك إلى الأمام ولا أدري ماذا سيقول هؤلاء بعد الآن وخاصة أن الرقابة شرّعت لهم كل الأبواب وفتحت أمام (إبداعهم) كل النوافذ فالدين والجنس والسياسة لم تعد خطوطاً حمراء أو (تابوهات) لا يستطيع أحد الاقتراب من تخومها؟ لقد مررت رقابة التلفزيون السوري وهي الجهة المنوط بها مراقبة الأعمال الدرامية وإجازة تصديرها مررت في موسم 2010 أعمالاً لم يكن يخطر ببال أحد أن تجد طريقها إلى العرض أو على الأقل أجزاء منها فخاضت الدراما السورية في هذا الموسم في بحور السياسة والدين ومستنقعات الجنس حيث لم تترك شاردة ولا واردة تخص هذا (الغول) الذي بدأ يلتهم إنسانيتنا إلا ومرت عليها من خلال أعمال كثيرة لعل منها مسلسل (تخت شرقي) للكاتبة يم مشهدي والمخرجة رشا شربتجي وقد قرأت منذ فترة تصريحاً لكاتبته تبدي فيه استياءها الشديد من ردود الفعل الرافضة للعمل وتستغرب من الذين يقبلون كل شيء من السينما الأجنبية ولا يقبلونها من الدراما السورية وتقول أيضاً إن وظيفة الدراما عرض ما هو موجود في الواقع. وقد دأب بعض الدراميين إلى اللجوء لأقوال كهذه كلما حُشروا في زوايا الاستهجان وكأن مهمة الدراما التلفزيونية تصيّد كل ما هو سلبي ومستهجن ومرفوض من المجتمع والبناء عليه وكأن هذه الدراما التي دخلت نقي عظامنا نتيجة الضخ الإعلامي الرهيب في السنوات الأخيرة ليس لها أي جانب تربوي وتوعوي وتهذيبي وقد فات الكاتبة المذكورة أن هناك خيطاً رفيعاً لا يراه إلا الذين يشعرون أن الفن مسؤولية بين التجريب والتخريب، لقد قُدمت مشاهد في هذا العمل مستهجنة وتلفظت شخصياته بمفردات غير لائقة والعمل كله مفكك وسطحي لا هدف ولا وجهة له، وكله تصنع بدءاً من النص ومروراً بالأداء وانتهاء بالإخراج وهذا يؤكد أن ضبابية الرؤية تؤدي إلى نتائج أكثر ضبابية، ومن الأعمال التي كانت على سطح مستنقع الجنس مسلسل (الخبز الحرام) ومسلسل (ما ملكت أيمانكم) الذي اخترق كل الجبهات فكاتبته تفهم في كل شيء؛ تفهم بالدين، والسياسة والجنس وعلم النفس وعلم السكان وعلم بناء المجتمعات، وهذا العمل الذي أثار الجدل يحتاج إلى وقفة خاصة ومطولة بعد انتهاء عرضه. كما سمحت الرقابة بعرض مسلسل (لعنة الطين) للكاتب سامر رضوان والمخرج أحمد إبراهيم أحمد رغم كونه يتناول قضايا حساسة للغاية ويسير في دروب وعرة ويحاول أن يعكس درامياً سنوات كانت الشرارة الأولى للفساد وأعتقد أن عدم اعتراض طريق هذا العمل يُحسب لمصلحة الرقابة التي ظلت فترة طويلة دريئة لسهام البعض ويبدو أنها بدأت تتخلى عن وظيفتها ومهامها وفي هذه تتباين الآراء بين من يرى أن الرقابة هي حارس الفضيلة ومن يرى أنها السوط الذي يجلد نصوص المبدعين. ولم تبد الرقابة اعتراضاً على المسلسل التاريخي (القعقاع بن عمرو التميمي) رغم أنه أدخل نفسه وأدخل المشاهدين معه في فترة تاريخية تعتبر أكثر راهنية من واقعنا فهي تسيطر عليه وتسيّره كيفما شاءت وربما كان هذا العمل هو الأول الذي يعرض أجساد الخلفاء الراشدين في الدراما العربية الذين ظلوا لفترة طويلة منطقة محرمة يُمنع الاقتراب والتصوير فيها. وقد أثار هذا الأمر ردود فعل غير مرحبة ويخشى الكثيرون أن يكون خطوة تتلوها خطوات لتجسيد رموز وشخصيات يجب أن تبقى بعيدة عن كاميرات المخرجين لأن لها من الجلال والقدسية والهيبة التاريخية والدينية ما يحول دون استسهال الاقتراب منها وقد استشهد المخرج الكبير مصطفى العقاد وهو يحاول الحصول على موافقة العلماء لإظهار شخصية (عمر بن الخطاب) في فيلم سينمائي عالمي ولم يستطع الحصول عليها. إذاً كانت الرقابة (كريمة) إلى أبعد الحدود ومتسامحة إلى حد جعل بعض الدراميين يفكرون في استدعاء وخلق (عدو) جديد ولم يجدوا أمامهم إلا ما سموه (الرقابة الاجتماعية) وقد ظهر هذا المصطلح الغريب منذ عامين إبان (فورة) الأعمال البدوية وقد بَطُل بعد أن عرض مسلسل (فنجان الدم) وجاء من أحياه هذا العام وكأن المطلوب من المجتمع بكل أطيافه أن يجلس ومستكيناً ولا يحاول الدفاع عن نفسه، أمام هذه الموجة من الأعمال التي تتعكز على الجنس و(العفوية)، والتلقائية الهشة. الجرأة ليست هي الغاية والإثارة المجانية ليست هي الهدف، وإذا كان البعض يتقبل ما تتناوله وتعرضه الدراما الأجنبية (تلفزيونية، سينمائية) فإن الخطأ لا يبرر الخطأ. إذا لم يشعر الكاتب أن المشاهد مسؤوليته فإن هذا الكاتب يحتاج إلى إصلاح وتقويم، وإذا غابت الرقابة التي كانت تقوّم هذا الاعوجاج فإن المشاهد قادر على ذلك من خلال (العصيان الدرامي) ولكي لا يأتي البعض ويقول إننا ناطقون باسم الرقابة نقول إن المسرح والسينما والرواية ميادين واسعة لممارسة (الإبداع) فأبدعوا إن كنتم صادقين.