2012/07/04

السيناريست عدنان عودة
السيناريست عدنان عودة


البدو ما زالوا مغيبين تماماً عن الدور الاجتماعي والسياسي.

في رأيي أننا عشنا كذبة كبيرة بعد الاستقلال.

وعى في زمن مبكر أن هناك دوراً ثقافياً فاعلاً للدراما والتلفزيون أكبر من دور الكتاب وأدوات الاتصال الأخرى.

ليس هناك أي عمل فني لا يقول شيئاً.

بدأ يظهر قبل سنوات قليلة كتاب سيناريو محترفون.

يجب أن يصبح لدينا مال سوري حقيقي يدعم الدراما السورية الحقيقية.

رقابة التلفزيون التي شاهدت "فنجان الدم" لم تقتطع منه سوى مشهد واحد لا يؤثر على سياق العمل الدرامي.

خاص بوسطة- فاديا أبو زيد

أثار منع عرض المسلسل السوري "فنجان الدم" في الموسم ما قبل الماضي أسئلة كثيرة، فماذا يمكن أن يحتوي مسلسل بدوي أكثر من قصص حب عذرية، وقبائل يغزو بعضها بعضاً، ووريث "مشيخة" يحوك الدسائس لمصالحه الشخصية؟

نقلة نوعية أحدثها الكاتب عدنان العودة في عمله الملحمي "فنجان الدم"، تتلخص في طريقة تعاطيه البحثية مع الدراما البدوية التي بقيت سنواتٍ طويلةً واقفة في مستوى كلاسيكي لم يدخل عمق تركيبة المجتمع البدوي الذي يعيد "العودة" قراءته كجزء من مشروعه الفكري في الدراما، "لا ليرفض المجتمع المدني، ولكن ليعطي البدو حقهم".. وإن كان مقرراً إنتاج جزأين مكملين لـ "فنجان الدم"، فقد توقف المشروع لمصلحة عمل درامي آخر، مازال دون عنوان، مستوحى من أشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

ذهبت بعيداً في الجزء الأول من "فنجان الدم" إلى عام 1804، هل ثمة صلة بين ما حدث في ذلك الزمان وبين زماننا؟

مشروع الأجزاء مازال قائماً، ومن المفترض أن يغطي الجزء الثاني ما انتهى عنده الجزء الأول إلى افتتاح قناة السويس، والجزء الأخير إلى افتتاح سكة الحجاز. وما اهتممت به في عملي هو الحديث عن علاقة البدو بالسياسة الداخلية للدولة العثمانية، وبالسياسة الدولية. إننا نعيش في عام 2010، والبدو ما زالوا مغيبين تماماً عن الدور الاجتماعي والسياسي، لكن حقيقة الحكم في البلدان العربية عشائرية كما في دول الخليج، والعراق، وغيرها، إلا أن هذا لم يكن يظهر على السطح، ولم يكن معترفاً به، مع أن من فجّر الثورة العربية الكبرى هم البدو، لا المدنيون. لا أقول إنني ضد المدنية، لكنني أريد أن أعيد قراءة هذه المرحلة، وأن أخرجها من حال العزلة التي وضعتها فيها الدراما حين كانت تقدم البدو دائماً معزولين عن السياق التاريخي، وهذا ليس صحيحاً.

يشاع أن العمل الذي تعمل عليه الآن، هو الجزء الثاني من "صراع على الرمال"؟

أبداً، لا يمت إلى "صراع على الرمال" بصلة، إنه عمل جديد تماماً، من خيال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، وقراءتي أنا، بمعنى أن الشيخ هو واضع نواة القصة التي بنيتُ على أساسها العمل كله توجهاً فكرياً وبناءَ شخصيات.

هناك توجه فكري إذاً؟

بالتأكيد، هذا مشروعي، وسيلمسه المشاهدون؛ وعلى الرغم من أنه لم ينته، وأنني لا أرغب في الحديث عنه إعلامياً الآن، إلا أنه ستتم المقارنة بينه وبين "صراع على الرمال" وأعمال أخرى، تأتي ضمن مشروعي في قراءة المجتمع البدوي، في "فنجان الدم" تناولت منطقة شمال نجد، ومن ثم بادية الشام، أما الآن فإنني أتكلم عن منطقة شمال الجزيرة العربية.

بوجود الحركات الفكرية المدنية التنويرية وصولاً إلى العلمانية، ألا ترى أن إحياء المجتمع البدوي قد يؤثر سلباً في المشروع المدني؟

في رأيي أننا عشنا كذبة كبيرة بعد الاستقلال، على الأقل في البلدان الجمهورية التي يفترض أنها حُكِمَت من أحزاب تدعي أنها علمانية، وتقوم في جوهرها على بناء المؤسسة المدنية، حيث يتساوى الأفراد في الحقوق والواجبات، وكان أن تحولت العشائرية إلى رمز للتخلف والرجعية. لقد أخفقت هذه الأحزاب في بناء مؤسسات مدنية بدليل أنه بعد سقوط النظام في العراق عاد الشمري شمرياً، والدليمي دليمياً، أي أن المؤسسة العشائرية هي المؤسسة الوحيدة القادرة على حماية الفرد، ولا يعني هذا أنني أدعو إلى استبدال المؤسسة المدنية بالمؤسسة العشائرية.

ربما حمت الفرد في العراق لكنها دمرت الدولة في المقابل؟

لقد حدث ما حدث في العراق، ولكن ليست العشائر من دمر الدولة، والسؤال الآن: كيف نستطيع استخدام العشائرية لبناء الدولة؟ نلاحظ مثلاً في أي فرح أو ترح اجتماع العشائر كلها، وجميعهم يمارسون العادات الاجتماعية نفسها بحيث لا يمكننا التمييز بينهم.

يعتقد كثيرون أن قوانين جرائم الشرف، هي مظهر من مظاهر تكريس العشائرية؟

لا أقول إن العشيرة مثال الإيجابية. ما قدمته كان قراءة تظهر الذهنية البدوية التي كانت تدمر المجتمع المدني لأنها مازالت غير مهيأة لصنع هذا المجتمع، في "فنجان الدم" أظهرت كيف دمر البدو "الخان" الذي يعد أبسط أوجه العمرانية المدنية، إنهم غير قادرين على تقبل فكرة الاستقرار في المكان، يقول "درويش": «وأهلي كلما وجدوا قلعة هدموها، وبنوا خيمة للحنين إلى أول النخل».

هل ظُلِمَ "فنجان الدم" في المشاهدة؟

ما أعرفه أنه كان متابعاً جداً في السعودية، لأن الـ "mbc" كانت تأخذ في عين الاعتبار ذروتي المشاهدة المناسبة للمجتمع السعودي، أما المشكلة فقد كانت بالنسبة إلى بلاد الشام.

في أول عمل تكتبه وصلت إلى الترشيحات النهائية في جوائز "أدونيا"؟

كان يكفيني أن يحقق أول عمل أكتبه هذا الحضور الإعلامي، ويثير هذا الجدل الواسع، أنا من المتحمسين لتجربة "أدونيا"، وأتمنى أن تأخذ سنة بعد أخرى شكلها الحقيقي، وأن تصبح هيئةً مستقلة منوعة ومتخصصة تعمل على مدار العام.

ماذا عن الدور المنوط بالدراما وصناعها؟

هذا ما كانت تعبر عنه الدراما السورية في عصرها الذهبي عندما أخرجها هيثم حقي من الأستوديو إلى الشارع، فقد وعى في زمن مبكر أن هناك دوراً ثقافياً فاعلاً للدراما والتلفزيون أكبر من دور الكتاب وأدوات الاتصال الأخرى، وكان يرى على المستوى الفكري أن هذه الدراما ستكون حالة تنويرية، لقد بقي هذا الخط مستمراً في الدراما السورية عموماً، فممدوح عدوان كتب في هذا الاتجاه، كذلك تاريخيات وليد سيف. وفي رأيي أنَّ هناك كتاباً ومخرجين لم ينحرفوا عن هذا الخط، باستثناء من أخذوا من الدراما وظيفتها الترفيهية فقط.

معظم صناع الدراما السورية والعربية يعتقدون أنهم يقدمون دراما تقوم على حامل فكري توعوي؟

إن هذا في رأيي هو مقتل الدراما، لأن وظيفتها أولاً وأخيراً هي المتعة بصفتها جزءاً من وظيفة الفن سواء أكان فيلماً أو مسلسلاً أو لوحة، إننا نستمتع بالعمل الممتع، ومن غير الممكن أن نرى حبكة جيدة، وحواراً جميلاً، ورؤية بصرية جميلة، ولا يكون العمل قائماً على حامل فكري. من جهة أخرى، ليس هناك أي عمل فني لا يقول شيئاً، هذه نظرية الفن بشكل عام، ونظرية "الفن للفن" غير صحيحة.

قدمت شيئاً مميزاً على صعيد تكنيك كتابة النص؟

يدخل هذا في حرفية الكتابة التلفزيونية. يقول الكثيرون إنه ما ثَمَّ لدينا كتاب سيناريو جيدون. ومشكلة الكتابة الدرامية سابقاً أن كل الذين كتبوا كانوا قادمين من المسرح، أو قادمين من الرواية، وكانوا يتعاملون مع الدراما التلفزيونية بترفع، لكن بالمعنى الاحترافي، بدأ يظهر قبل سنوات قليلة كتاب سيناريو محترفون، يعرفون كيف يصنعون التشويق والحبكة، والمشهد التلفزيوني الدرامي الذي يشبه الحياة، وقد قاموا بنقلة نوعية على صعيد التكنيك، كغسان زكريا، ويم مشهدي، وإيمان السعيد، وغيرهم.

في رأيك، كم تحتاج الدراما السورية من سنوات حتى تصبح صناعة؟

يجب أن يصبح لدينا مال سوري حقيقي يدعم الدراما السورية الحقيقية، ولكن هذا المال غير متوافر، لأن 70% من المال الذي تُنتَج به الدراما السورية، ومع احترامي الشديد للجهات المنتجة، لا يقصد به صناعة الدراما، وإنما يستخدم لغايات أخرى، أما المال الآخر فهو مال الخليج، ولا يعني هذا أنني لا أشكر الخليجيين، على العكس، لكن ماذا سنفعل إن غير المنتج الخليجي رأيه وانسحب من صناعة الدراما السورية؟ أعتقد أن الحل يكمن في تسخير مال سوري لإنتاج دراما سورية، تحت قصد صناعة دراما سورية، تعرض على قنوات سورية، لكنها ليست قنوات القطاع العام التي يُخشَى فيها من مقص الرقيب، فالمشاهد في البلدان العربية لا يثق بهذه القنوات.

لكنَّ رقابةً أخرى في الخارج منعت وأخَّرت عرض "فنجان الدم" سنة كاملة؟

هذا رأي شعبي حول الرقابة العامة، فرقابة التلفزيون التي شاهدت "فنجان الدم" لم تقتطع منه سوى مشهد واحد لا يؤثر على سياق العمل الدرامي.

لو لم يخرج الليث حجو "فنجان الدم"، إلى من كان سيذهب العمل؟

لو لم يكن الليث لكان الليث، فمنذ البداية طرحت اسم الليث حجو، أو سامر برقاوي، أو المثنى صبح، ووقع الخيار على الليث، وإن حقيقة ما أخّر "فنجان الدم" على مدى سنوات ست، كان البحث عن جهة إنتاج حقيقية، وعن مخرج حقيقي، وقد رفضت بيع العمل لكثير من الشركات، إلى أن وجدت شركة "ساما" التي قدمت أكثر ما تستطيع إلى المشروع.

أثارت الجائزة الممنوحة لهاني العشي كثيراً من الأسئلة حول مصير مبلغ 500 ألف دولار كجائزة على عمل درامي؟

المشكلة ليست مشكلة الحاصل على الجائزة، ولكنَّها مشكلة مانح الجائزة، فالمهرجانات العالمية المحترفة هي مهرجانات مقوننة ومبوبة، يتم فيها تحديد الجهة المقصودة بالجائزة، إن كانت الإنتاج، أم الإخراج، أم غيرهما. أما هنا فالجهة المانحة للجائزة لم تحدد من هو الحاصل على الجائزة، ومن ثم فهي للمنتج حتماً.

شكراً عدنان