2012/07/04

السينما السورية تتحول إلى كرة ملتهبة نتقاذفها
السينما السورية تتحول إلى كرة ملتهبة نتقاذفها

  محمد الأمين – الوطن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب جاء إلى حلب في بداية مسيرته لكي يحصل على اعتراف منها به كمطرب باعتبارها عاصمة للغناء العربي ولا شرعية شعبية لأي مطرب دون اعتراف متذوقي الفن في حلب به وإعطائه شهادة (حسن صوت) وعندما دخل عبد الوهاب الصالة المفترض أن يغني على مسرحها فوجئ أن عدد الحاضرين لا يتجاوز اليد الواحدة وعندما سأل مضيفيه قالوا له هؤلاء صفوة الصفوة من المستمعين فإذا كنت مجيداً حضر الجمهور وبالفعل قد امتلأت الصالة في اليوم الثاني. أجد أن هذه الحادثة المعروفة تنطبق تماماً على حال الأفلام السينمائية السورية وخاصة تلك التي تتحفنا بها المؤسسة العامة للسينما كل عام فالجمهور السوري يتصرف معها كما تصرف مع عبد الوهاب ولكن الصلات لم تمتلئ إلا مع ثلاثة أفلام للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد هي (ليالي ابن أوى) و(رسائل شفهية) و(نسيم الروح) وباقي ما تبقى من هذا الإنتاج لم يستطع لفت انتباه إلا القلة التي تخرج لتنصح غيرها بعدم تكبد العناء لأن الأمر لا يستحق ذلك. أحد السينمائيين العرب قال لي على هامش إحدى دورات مهرجان دمشق السينمائي: إذا كان الجمهور الإسباني هو من يحدد قيمة وأهمية وعمق أي فيلم سينمائي أوروبي، وكل سينمائي غربي يحسب حسابه جيداً، فإن الجمهور السوري يقوم بهذه المهمة في العالم العربي ليس في مجال السينما فحسب بل في بقية الفنون الأخرى فما يراه السوريون حسناً هو كذلك فإذا قال الجمهور السوري شيئاً فصدقوه. لا أعتقد أن هذا السينمائي كان مجاملاً في كلامه فالجمهور السوري هو الأكثر ثقافة ومعرفة وعمقاً وقدرة على فرز الغث من السمين من أي نتاج إبداعي ولكن لماذا نتجاهل رسائله واحتجاجه غير المعلن اتجاه ما تنتج من أفلام سينمائية سورية؟ إن هذا الجمهور يريد سينما عميقة في بساطتها وبسيطة في عمقها ولا يبدو معنياً كثيراً بما يُسمى السينما (النجومية) التي تحمل دلالات قد لا يفهمها حتى من يقف وراءها وخاصة أننا لسنا في بحبوحة سينمائية وما يتم إنتاجه يدخل باب الترف السينمائي. لقد تحولت السينما السورية إلى كرة ملتهبة يتقاذفها كل أصحاب الشأن والاتهامات تترى من كل الأطراف فكل طرف يحمّل الطرف الآخر مسؤولية المراوحة بالمكان والتراجع والقهقرى فمن لا يتقدم فهو بالضرورة سيتأخر وقد تأخرنا بالفعل ولم نتقدم قيد فيلم واحد على طريق الفن السابع. المخرجون السوريون يحمّلون المؤسسة العامة للسينما مسؤولية التردي ويسوقون حججاً منطقية ومقنعة والقائمون على المؤسسة يدافعون عنها وعن أنفسهم بكلام ظاهره مقنع ومنطقي فحواه: ليس بالإمكان أبدع مما كان، فالإمكانيات المادية والإبداعية لا تسمح أكثر من ذلك ولا يرون الحل إلا بتحمس القطاع الخاص ودخوله حقل هذا الفن ليفعل به كما فعل مع الدراما التلفزيونية والقطاع الخاص يبدو غير معني في الوقت الراهن بالسينما وخاصة أن الدراما التلفزيونية دجاجة تبيض ذهباً وبأهون الأسباب ولا يفكر إطلاقاً ببيضة الديك، ومن سوء حظ السينما السورية أن عدد المنتجين السوريين الذين يمتلكون مشروعاً فكرياً ومعرفياً تنويرياً ولديهم رغبة في فك طلاسم القضايا الكبرى قليلون جداً بل نادرون وهم ليسوا على توافق في هذا الخصوص واهتماماتهم موزعة، فمنهم من يحاول أن يحقق مشروعه في التلفزيون بعيداً من مخاطر التجريب في السينما التي يرون العمل فيها ضمن الشروط الراهنة مغامرة نتائجها غير مضمونة ومنهم من يحاول إرجاع الألق للسينما ويجتهد في هذا السبيل ولكن على طريقته التي أخشى ألا تجد آذاناً مصغية وعيوناً مفتوحة من الجمهور السوري، وهكذا تواصل السينما السورية رحلة ضياع وتيه لا يبدو أن لها محطة أخيرة في المدى المنظور. عندما دخلت الدراما التلفزيونية المصرية في نفق أزمة في تسعينيات القرن الماضي استطاعت الدراما التلفزيونية السورية سد الفراغ وحملت المسؤولية فلماذا لا نحاول اليوم القيام بمثل ما قمنا به في التلفزيون وخاصة أن السينما المصرية ليست في أيام سعدها وهي تنتقل من أزمة لتقع بأخرى الأمر الذي جعلنا كعرب مكشوفين ومخترقين من كل الجهات؟ لا أعتقد أن صنع فيلم سينمائي جيد هو سر نووي وحتى الأسرار النووية أصبحت متاحة للجميع. يجب ألا نيئس أبداً فنحن قادرون شرط أن نعي جيداً أن الجمهور هو المنبع والمصب وأنه دائماً على حق ولا يحتاج إلى (منظّرين) و(بائعي أحلام). لا أهمية لأي فيلم سينمائي لم يكن له كرامة بين جمهوره فجوائز المهرجانات الدولية ليست غاية بحد ذاتها. إن إنشاء معهد عال للإخراج السينمائي وبقية الفنون السينمائية الأخرى بات ضرورة ملحة لأن السينما بحاجة إلى مبدعين يدفعون بها وتدفع بهم. وإذا لم نكن قادرين على فعل شيء على صعيد الإنتاج فلنتحول تلك الملايين لمصلحة هذا المعهد. أليس من المحير حقاً أننا قادرون على إنتاج أكثر من ثلاثين مسلسلاً تلفزيونياً كل عام نصفها على الأقل جيد ولا نستطيع أن نصنع فيلماً واحداً ينعش أرواحنا، ولا شيء غير السينما ينعش الأرواح