2012/07/04

السينما السورية .. مازالت صناعة يدوية
السينما السورية .. مازالت صناعة يدوية

فاديا أبو زيد - البعث

ثلاث سنوات 1من العمل استغرقها فيلم "حراس الصمت" للمخرج سمير ذكرى، بدءاً من لحظة الإعداد عن رواية الأديبة غادة السمان، إلى حين إطلاقه جماهيرياً في الدورة الثامنة عشرة لمهرجان دمشق السينمائي الدولي.. لم تكن الرواية من اقتراح المخرج، بل من اقتراح إدارة المؤسسة العامة للسينما، لكن وحسب تصريحه فقد أحبها، إلا أن هذا الحب لم يصل إلينا، فقد فشل الفيلم بالتعريف عن نفسه وعن السينما السورية، بوجود العديد من المطبات لم يكن أولها ضيق فسحة التخييل، وغياب تلك الشعرية الخاصة بهذا الفن في المباشرة والزواريب والكوادر واللوكيشينات التلفزيونية الضيقة، وخلل مكساج الصوت، لكن الخلل الأكبر كان يكمن في أدوات المخرج سمير ذكرى، وكم كان غريباً أن يظهر ثلجه بتلك الحلة البدائية!! وأن يتم التعامل مع الممثلة في هذا المشهد كما وكأنها بطلة فيديو كليب ؟!! ليظل سؤال السينما ومدى اقترابنا أو بعدنا عنها سؤالاً محرجاً، وتحدياً كبيراً أمام السينمائيين السوريين الذين لم تتسن لهم فرصة التجريب والمحاولة وحرموا على مدى سنين طويلة من اقتحام هذا العالم الخصب وصنع هوية خاصة بهم لأسباب لا نتمنى، رغم كل الإحباط، أن تصبح من المسلمات لتذهب في بيروقراطية المؤسسة، وربما آن لنا  أن نسمي الأمور بمسمياتها ونطلق على ما يجري داخل هذا الصرح، الذي كان يؤمل منه أن يظل عظيماً، بأنه إهمال يستحق المساءلة، رغم تقارير النوايا الحسنة والوعود، ومشكلات أخرى قائمة هي من صنع الإدارة تتلخص في التقصير والتلكؤ وارتكاب الأخطاء، تحدث عنها واستفاض "سمير ذكرى" في الندوة المخصصة للفيلم "حراس الصمت"، حين توقف عند تفاصيل محبطة، والكثير من العثرات المعيقة المزمنة المرافقة لصناعة الفيلم السوري تتحمل مسؤوليتها المؤسسة، اختصرها سمير ذكرى بقوله: "السينما في سورية مازالت صناعة يدوية"، فعلى المخرج السينمائي، المؤسساتي، أن يلاحق ويشرف بنفسه على كل تفاصيل العمليات الإنتاجية المعقدة والطويلة للفيلم، والسبب الذي لن يفاجئ أحداً، وحسب تصريحه، بأن العاملين في المؤسسة غير مؤتمنين على الجودة، بسبب تدني أجورهم، أو عدم ملاءمتها للفعل الإبداعي الذي يقومون به، وبمعنى أكثر واقعية فإن العاملين تحت لواء المؤسسة لا يحبون ما يفعلون بسبب إحساسهم بالغبن والظلم، وبسبب العقلية الوظيفية القاتلة للإبداع من التي يتوجب على الإدارة خلق الوسائل والسبل لتجاوزها، إلا أنها لم تفعل.

أما في الجانب التقني والتأهيل فإن فيلم "حراس الصمت" عاد ليؤكد على استمرار حالة نموذجية من اللامبالاة في التعامل ليس مع السينما ولكن مع أموال الدولة، ومنها مبلغ الربع مليار ليرة سورية التي صرفت للمؤسسة منذ ما يقارب الأربع سنوات لشراء آلات ومعدات سينمائية حديثة لدعم البنى التحتية، وبالفعل تملك المؤسسة الآن أحدث التجهيزات السينمائية على مستوى الشرق الأوسط، لكن الكوميديا السوداء أو ربما المهزلة، أن تلك المعدات مازالت قابعة في كراتينها؟؟ والسبب الذي مازال يستثير الكثير من التفسيرات والتأويلات، أن المؤسسة ليس لديها من يعمل على تلك الآلات التي استوردتها؟ فهي لم تطلب مع الآلات مدربين، حسب ما يجري عادة في الكثير من شروط التعاقد المتعارف عليها عالمياً، ولم تبادر إلى طلب خبراء كي تدرب كوادرها، وأيضاً لم ترسل المؤسسة من يتدرب ليعود ويستخدم هذه الآلات، الأمر الذي لن يشفع له أي تبرير.. حين يقول سمير ذكرى بأنه ذهب بفيلمه إلى لبنان كي يتم عمليات المكساج، بينما نملك نظرياً أحدث معدات تسجيل الصوت المنافسة، وهنا لا يمكن أن ننظر إلى ما يحدث إلا على أنه هدر للأموال أضيف إلى سفر الفيلم أيضاً إلى الهند من أجل نقله الى «35مم».. وبناء على هذه الحالة كيف لنا أن نتوقع تطوراً في صناعة السينما؟.. وكيف ستنجز المؤسسة أربعة أفلام في السنة القادمة كما وعدت، إذا كنا أمام كل تلك الضغوطات من ارتفاع كلفة إنتاج الفيلم السوري الخاسر سلفاً بسبب عجز المؤسسة في التسويق، وعجزها أمام شباك التذاكر بسبب غياب الجمهور وغياب الصالات الحديثة؟.

لن نختلف على أن معظم مشاكل مؤسساتنا تنحصر في الإدارة التي تعتبر أكبر تحد للتنمية في عصرنا الحالي، وما ينافي المنطق أن تستمر مؤسسة ما بجلب الخسائر والتسبب بتراجع وتحجيم وتجميد جيل كامل من السينمائيين على مدى عشرين عاماً، ونحن نراقب بحيادية، ففي الوقت الذي وصل فيه العالم إلى تقنيات «ثري دي» مازل السينمائيون السوريون مفتقدين إلى أبسط حقوقهم وهو ممارسة ما تعلموه وتخصصوا به.. وحقنا في مشاهدة الفيلم السوري الراقي الذي تم الاحتفاء به في أكثر من مكان في العالم .