2013/05/29

«العربية» .. ومن الحقد ما قتل!
«العربية» .. ومن الحقد ما قتل!


جوان جان – تشرين

لا أعرف بالضبط كم تطلّب من الوقت تقسيم الدول العربية على يدَي وزيرَي خارجية فرنسا وبريطانيا سايكس وبيكو في مطالع القرن العشرين

الذي نتج عنه ما عُرِف باتفاقية سايكس-بيكو سيئة الصيت التي رسمت الحدود بين دول المشرق العربي كما هي عليه اليوم باستثناء لواء اسكندرون الذي أهدته فرنسا لتركيا باعتباره جزءاً من الأرض التي خلّفتها سلسلة لويس لأحفادها.. لا أعرف بالضبط كم استغرق هذا من وقت، ربما يكون قد استغرق أشهراً أو سنوات، لكن ما يعرفه الجميع أن بعض الفضائيات الإخبارية العربية قد نفضت عن كاهلها هذا الروتين القاتل والإيقاع البطيء الذي كان سمة مميزة لمن عاش قبلنا بمئة عام وأصبحت تقوم بدقائق معدودات بما كانت تعجز عنه كبريات الدول العظمى في ذلك الوقت خلال عدد كبير من الأشهر والسنوات، فها هي فضائية «العربية» السعودية وفي واحد من تهويماتها التي أصبحت معروفة للقاصي والداني قد فردت خرائطها وأزاحت كل الاتفاقيات الدولية والإقليمية وأطاحت بقرارات وقوانين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز وكل المنظمات والاتحادات والنقابات والهيئات العربية والإقليمية والدولية، بل وأطاحت بكل الحكومات والشعوب لتقوم وخلال أقل من خمس دقائق برسم خريطة جديدة للمنطقة، تقسّم فيها المقسّم وتجزِّئ المجزّأ في حركة غبية تظهر مستوى الحقد الذي يسيرها ويرسم سياستها التحريرية والمهنية.

إذاً, ظهرت مذيعة «العربية» الحسناء، وهي تطمئن أبناء بعض الشعوب العربية بأن بلادهم على وشك التقسيم، شارحة بالتفصيل طبيعة الحدود الجديدة لدول المنطقة وطبيعة علاقة هذه الدول بجيرانها والتوزّع الديمغرافي لسكانها والنسبة المئوية لكل فئة من فئات المجتمع في طرح طائفي وعرقيّ فجّ يثير في النفس الاشمئزاز إلى حدّ الشعور بالرغبة في التقيّؤ نتيجة الدونيّة في التفكير التي وصلت إليها هذه القناة-الغُراب التي أصبحت لا تبشّر إلا بالخراب, ولا تنذر إلا بالدمار والدم.

لوهلة، وأنت تستمع إلى هذا التقرير التقسيمي الذي لم يكن ينقصه سوى أن يحدد ألوان أعلام الدول الجديدة وكلمات أناشيدها الوطنية ينتاب المرءَ شعورٌ بأن نهايته ونهاية حيّه ومدينته وبلده حلّت، وأنه إذا أطلّ من نافذة مسكنه فسيرى حرس الحدود يطالبونه بإبراز ما يثبت انتماءه إلى هذه الأرض، لكن مجرّد تذكّر أن ما يسمعه الإنسان ويراه من هراء هو من إبداعات «العربية» فسيتحّول شعور القلق والخوف لديه إلى شعور المشفق على هذه القناة التي أضحت اليوم فريسة لأحلامها التي تتكسّر وتتقصف وتتبعثر على أرض الواقع.

«العربية» وهي تتطلع إلى تقسيم سورية وتضع الخرائط وترسم الحدود الموهومة والمشتهاة يبدو أنها لم تسمع بالمظاهرات التي خرجت قبل أيام في الهند والتي شارك فيها أكثر من مليونَي مواطن هندي رفضاً لأفكار التطرّف القادمة من شبه الجزيرة العربية التي بدأت بغزو بعض المناطق الهندية، هذه المظاهرات التي نددت بكل ما تقوم به السعودية من سلوكيات تهدف إلى تفتيت هذه الأمة، وكيف ستسمع بها وهي التي أخذت على عاتقها أن تكون مرآة تعكس حال الطبقة الحاكمة في أكثر دول العالم المعاصر تخلّفاً واستهتاراً بحقوق الإنسان؟