2012/07/04

«العشق الحرام» دراما تشطح في رجفة الروح وتبحث عن المختلف  دمشق
«العشق الحرام» دراما تشطح في رجفة الروح وتبحث عن المختلف دمشق


سوزان الصعبي - تشرين

من الواضح حجم المنافسة التي تتصاعد داخل الدراما السورية عاماً بعد عام، ويتبدى ذلك من خلال التنوع الحاصل في نصوصها ونوعيتها وفي كمها، فكتّاب الدراما يبحثون أكثر فأكثر عما يغني نصوصهم بل ويدفع بها إلى سماء التميز، مستقين من أزقة الواقع وظلاميته ومن عالم المشاعر الشاهق بخفقانه ورعبه، ومن طبقات المجتمع من أدناها إلى ما يسمى أعلاها، مستقين طاقة ذهنية وانفعالية تفتح على مزيد من الخيال والاجتهاد

ويبدو أن كلاً من بشار بطرس وتامر اسحاق وجدا نفسيهما ضمن هذا التنافس الجميل، ما أعمل لديهما قدرة خاصة على التشارك في انتقاء قصص واقعية ذات طابع جريء وحساس جداً وفي ضخ الكثير من الخيال لتشكيل عمل درامي يقول الكثير ويترك للمشاهد فرصة للمشاركة بالقول، وهو مسلسل «العشق الحرام» الذي يضعنا أمام نماذج إنسانية قد لا ننتبه لوجودها بيننا، ونقصد هنا نموذج الشاب المعوق جسدياً بما يشبه الشلل( سالم) والشاب الذي قُدّر له أن يحيا ببصيرته لا ببصره( يزن) فقد احتل الشابان موقعاً متقدماً في العمل بما يحملانه من شحنة إنسانية عاطفية قصدها الكاتبان لإيصال مغزى وجداني وفكري قوامه المساواة بين الأسوياء والمعوقين، الأمر الذي قد لا تتيحه لنا أنانيتنا، وهذا ما ظهر في سلوك بعض المقربين منهما وإن كان المتمتعون بالإنسانية أكثر عدداً، وقد أبدع الفنانان( قصي خولي ويامن حجلي) في تلبس تلك الشخصيتين واستطاعا إيصال رجفة الروح وغصتها ، فالأول أجاد بلغة جسده وابتسامته وصوته وعزف أصابعه على البيانو بما يعكس جوانيته، والثاني اعتمد على لغة وجهه وطأطأة رأسه، بالإضافة إلى الظرافة المتبادلة بينهما عبر حوار ذكي( إيمتا رح شوفك.. شو رأيك تجي تتمشى معي) وذلك للتخفيف من الدمع المحبوس أصلاً بداخلهما، ولأنهما قبل كل شيء إنسان يفرح ويحزن وله رغبات ويحب.

وبالعودة إلى شطحات الكتاّب فقد شاء الكاتبان أن يستند العمل إلى ما يشبه قصة الحب، وعنوانه يفصح أنه حب حرام،وبالتحديد هو عشق ما يدل لغوياً على أنه نابع من طرف واحد، اجتاح قلب الأب أو ما يشبه الأب(وائل) نحو ابنته( سارة) التي لا تعلم أنهما ليسا والديها الحقيقيين، ولا تعلم حقيقة مشاعر والدها الذي يتخفى وراء قناع أبوته في ممارساته شديدة التسلط والمراقبة لتفاصيل حياة سارة، محترقاً بالغيرة عليها من كل زملائها بالجامعة ، ساداً الطريق بينها وبين أي حب قادم، وهو أصلاً المبتلى بعقد نفسية دفعته لتغطية رأسه الأصلع بشعر مستعار، والمستفيد من عمله كأستاذ جامعي مستغلاً حاجة بعض الطالبات للنجاح ، وقد برع الفنان عباس النوري في أداء شخصية الأب الجاد القاسي المفتقر للابتسام غالباً الظاهر الحنان أحياناً والعاشق الصامت دائماً، الذي لم يصغِ لشيطان الجسد حين دار حوله ذات وحدة في البيت مع ابنته، ما أكد جمالية أداء النوري في دور معقد زادنا إعجاباً به في مثل هذه الأدوار الاجتماعية التي عاد إليها بكل تنوعاتها من الطبيب إلى المجرم خلال العامين الماضيين بعد ذهابه الطويل في أدوار البيئة الشامية التي كانت لا تخرج عن نمطية معينة

. ‏

وفي الحديث عن الخيوط الأخرى في العمل يبدو الكاتبان حريصين على الاستفادة من تنوع الناس الاجتماعي والطبقي والتعليمي والسلوكي في تشكيل جملة من الشخصيات تربطها علاقات دم وصداقة وجيرة بما يحليها من محبة وبما يلوثها من أنانية مفرطة ومصالح مادية قذرة كما عند ( أبو فارس) الذي عمل بخفاء لاستغلال( يزن)، وكذلك علاقات جسدية تحكمها الشهوة والمال عند (أبو فارس و سمير وشاهر ومهيار) وعلاقات حب تؤزمها الأخطاء كما عند شاهر الذي وقع في حب سارة بعد أن كان متورطاً بعلاقة عابرة مع عمتها الأرملة (أمل) ما وضع الثلاثة في مأزق عاطفي أخلاقي كبير، مما ابتعد بنا عن شباك قصص الحب المألوفة، وقد أبدت الفنانة سلمى المصري أداء متميزاً مجسدة تلك المرأة الجميلة الغنية المتمسكة بشبابها ولو عن طريق الانترنيت ، واستطاعت كندة علوش أن ترسم بشكلها الفتي البسيط وبشعرها المعقود دائماً كذيل حصان وبأدائها العفوي ملامح شخصية سارة، وأيضاً برع الفنان طارق مرعشلي بأداء الشخصية الاستغلالية عبر حركات جسده ووجهه وغمزات عينيه مزوداً بلغة دونية تشبه سلوك الشخصية. ‏

هناك كثير من الإيجابيات تحسب لهذا العمل كوقوفه عند تنوع نفسيات الناس وطرائق تعبيرهم وأخطائهم، وحبكه عدة قصص تشابكت فيها الغرابة والتفرد والتشويق مع نكهة انفعالية شديدة التأثير موقدها الحب بفوضاه والحزن والخيبة والخيانة والاستغلال، بالإضافة إلى ذهاب الممثلين عميقاً في أدوارهم بقيادة مايسترو العمل الذي يبدو تناغمه مع النص ومع نجومه جلياً من خلال الاتقان والصدق في الأداء. ‏

لكن حب وائل لابنته سارة يمكن أن يثير استياء بل ورفضاً عند الجمهور حتى لو كانت ابنته بالتبني، فقد رباها وهي طفلة ورآها تكبر، ومن المستهجن جداً أن يقع في عشقها ضارباً بأبوته لها عرض النسيان وكأن الحياة قد خلت من الإناث، والمؤشرات التي أوردت على أنه كان مريضاً نفسياً في وقت سابق، وعلى لاأخلاقيته في أمور عدة، لا تبرر له وقوعه في هذا العشق، إنما هي شطحة من الكاتبين هدفها الاختلاف والتميز وشد الجمهور إلى ما هو أكثر من الجريء. ‏

عموماً يتسم العمل بالأحداث المتصاعدة المترافقة مع جو انفعالي غزير ما جعلنا ننتظر حلقاته بشوق، وإن كنا نتحفظ على مشابهة عنوانه لعنوان مسلسل تركي سابق.‏