2013/05/29

الفسيفساء الاجتماعية في الدراما.. نسخة مصدقة عن الحياة السورية المعاصرة
الفسيفساء الاجتماعية في الدراما.. نسخة مصدقة عن الحياة السورية المعاصرة


ليندا محمود – تشرين



الدراما التلفزيونية هي من أكثر الفنون الإنسانية التي تستمد مادتها من الواقع تميزاً، وترتبط بحياة الناس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية، فقد حاولت هذه الدراما عبر تاريخها أن تعكس هذا الواقع الاجتماعي السوري في مرايا أعمالها،

وهذا كان من أهم أسباب انتشارها ومتابعتها من قبل الجمهور العربي في كل مكان.

ومنذ فترة ليست بالبعيدة، صرنا نرى الإشارة إلى مكونات متعددة للمجتمع السوري في الأعمال الدرامية السورية، وعلى الرغم من تأخر الدراما السورية نسبياً في تناولها هذه القضية المنبثقة من صميم المجتمع السوري المعروف بتنوعه الثقافي والاثني، فإنها خطوة جيدة ومبشرة بأن تصبح الدراما أكثر قرباً وشبهاً بالواقع، مايسهم في إغناء الدراما السورية وينعش موضوعاتها.

وقد تم تناول الفسيفساء الاجتماعية السورية إما من خلال عرض علاقات حب وما يتبع علاقة كهذه من معاناة للطرفين بسبب رفض المجتمع وعدم تقبله هذه العلاقة، أو تناول هذه القضية من خلال العلاقات الاجتماعية والإنسانية الأخرى، في حين كان الصراع الدرامي في أغلب الأعمال الدرامية السورية فيما مضى يعتمد في عرضه لصعوبة الارتباط بين عاشقين مثلاً على الاختلاف في المستوى الاجتماعي فقط، وهو بأن يكون أحد العاشقين غنياً والآخر فقيراً أو أحدهما ابن عائلة معروفة والآخر ابن عائلة بسيطة، وما يترتب على ذلك من معاناة وصراعات وأحداث شكلت عامل جذب للمتفرج وأغنت العمل الدرامي وأخرجته من رتابة سار عليها زمناً غير قصير.

ومن أوائل الأعمال التي تناولت قصص الحب  بين رجال ونساء من مكونات اجتماعية هو مسلسل (أحلام كبيرة) لحاتم علي وريم حنا 2004، إذ عرض لعلاقة حب جمعت بين عمر الحلبي (باسل خياط) و منى (سلاف فواخرجي)، لكن هذه القصة كانت  ثانوية  في المسلسل ولم تكن من الخطوط الأساسية فيه، فاكتفى العمل بالإشارة إلى عدم تقبل أهل «منى» هذه العلاقة، وإجبارها على السفر خارج القطر، لتتزوج من شاب هناك، فيستسلم الطرفان لضغوط المجتمع و يكمل كل منهما حياته، إذ يتزوج عمر (باسل خياط) من وفاء (نورمان أسعد) بعد ذلك.

وكأن هذا العمل كان يعترف أو يبصم بالعشرة كما المجتمع باستحالة زواج كهذا في مجتمعنا..

أما في مسلسل (يوم ممطر آخر) لرشا شربتجي ويم مشهدي 2008، فنجد أن قصة الحب التي جمعت بين مها (سلافة معمار) وشادي (مكسيم خليل) كانت قصة أساسية في العمل، ومحوراً من المحاور الرئيسة فيه، إذ يفُرد العمل مساحة واسعة لعرض معاناة العاشقين من رفض المجتمع لعلاقتهما، ومع ذلك يصر العاشقان على الزواج رغم كل العقبات والصعوبات وهو ما يتم فعلاً بعد هروب العاشقين، فينعتق شادي من سطوة مجتمعه وأسرته لكي يتزوج من حبيبته «مها» وهو ما يسفر عن خسارة العاشقين أهلهما، ولاسيما شادي الذي تنبذه العائلة وحتى الأصدقاء بسبب تخليه عن أهله وعاداتهم لأجل فتاة..

ففي هذا العمل رأينا عرضاً لإمكانية زواج كهذا لكن بثمن غالٍ وهو خسارة الأهل والمجتمع..

العلاقة العاطفية نفسها رأيناها في مسلسل (ليس سراباً) للمثنى صبح وفادي قوشقجي2008، لكن قصة الحب التي جمعت جلال (عباس النوري) الكاتب، بـ حنان- (كاريس بشار) الفتاة المطلقة كانت بطلة العمل والمحور الرئيس الذي  تدور حولها كل أحداث المسلسل تقريباً.

وفيها نجد المعاناة نفسها من رفض المجتمع والأهل هذه العلاقة ما يضطرهما للزواج سراً, هذا الزواج السري الذي يخرج إلى العلن في النهاية بعد وفاة جلال-(عباس النوري) المفاجئة والمفجعة لحبيبته، إذ تقوم «حنان» بإعلان زواجها السري من «جلال» ومواجهة أهلها ومجتمعها وخاصة أباها المحافظ بقوة وجرأة، لكن ذلك حدث بعد وفاة زوجها جلال ربما تجرأت على ذلك لأنها رأت أن لا خسارة أكبر من خسارتها زوجها وحبيبها، فكأن (ليس سراباً) كان يريد أن يقول: الاعتراف بهذا «الزواج» أمام  المجتمع ممكن لكن ثمنه غالٍ وهو الفقد..

أما مسلسل (بنات العيلة)  لـ رشا شربتجي ورانيا البيطار 2012، فقد قدّم نهاية سعيدة نوعاً ما لمثل زواج كهذا، فوجدنا أن الحب الذي جمع بين أحمد (إياد أبوالشامات) و ريتا (ديمة قندلفت)، ورغم المعاناة التي عاناها العاشقان وزواج ريتا من أحمد من دون موافقة أهلها، وتسبب ذلك بموت والد ريتا، فإنهما وبعد سبع سنوات من الزواج استطاعا أن يعيشا حياة مستقرة نوعاً ما، بعد أن تتم المصالحة بين الزوجين وأهل ريتا الذين كانوا معارضين لهذا الزواج.

والأمر نفسه نجده في مسلسل (جلسات نسائية) للمثنى صبح وأمل حنا 2011، إذ رأينا الجارة أم عزيز (فاتن شاهين) وعلاقتها مع عائلة أم هاني (أنطوانيت نجيب)، فأم عزيز لم تكن تشعر بالوحدة بالرغم من أنها كانت تعيش وحيدة في منزلها بعد سفر ابنها الوحيد إلى أمريكا، وذلك بسبب علاقتها مع عائلة جارتها «أم هاني» إذ تعيش العائلتان وكأنهما عائلة واحدة.

وفي مسلسل (رفة عين) للمثنى صبح وأمل عرفة 2012، عرض المسلسل  للانسجام في الحي الواحد، إذ نجد أن  تمثالاً للسيدة العذراء في الحي لا يبعد كثيراً عن الجامع، ويضع أمامه سكان الحي الشمع يومياً كجزء من تقليد اجتماعي ، فكان المكون  في (رفة عين)  مُمثلاً بعائلة أم جورج وأبو جورج (فاتن شاهين ونزار أبو حجر) التي كان لها دور رئيسي في العمل، هذه العائلة كانت تقدم المساعدة التي تستطيعها لجيرانها في الحي بغض النظر عن انتمائهم الديني، إذ رأينا في هذا المسلسل تغليباً للرابطة الإنسانية ولعلاقة الجيران والأهل من دون أي حساب لأي انتماء مهما كان نوعه سوى الانتماء للوطن.

وفي هذا السياق، لا نستطيع أبداً أن نغفل الإشارة إلى  مسلسل (طالع الفضة) لسيف سبيعي وعباس النوري 2011، هذا المسلسل الذي كان سّباقاً في تقديمه  لمكون آخر من مكونات المجتمع السوري، كان مكوناً أساسياً في المجتمع السوري عبر التاريخ، فعرض المسلسل لعائلات يهودية سورية يسكنون في حي واحد مع  كل من المسلمين والمسيحيين السوريين، وعلاقاتهم فيما بينهم، ومنها علاقة الحب التي جمعت فتاة يهودية بشاب مسلم لكنهما سرعان ما يفترقان فتهاجر الفتاة اليهودية إلى فلسطين مع من هاجر من اليهود، ويساق الشاب إلى «الأخد عسكر»...