2013/05/29

الفسيفساء الدمشقية كما رآها سمير ذكرى غادة السمان: نحن السوريين «غير شكل»
الفسيفساء الدمشقية كما رآها سمير ذكرى غادة السمان: نحن السوريين «غير شكل»


نجوى صليبة – تشرين

على خلاف مانسمع ومايحدث من مشاحنات بين أديب ومخرج سببه السيناريو، كانت غادة السمان والمخرج سمير ذكرى.. وعلى الرغم من عدم تقابلهما بشكلٍ مباشر,

إلا أن توافقاً جميلاً حصل بينهما من خلال الاتصال الهاتفي والتواصل عبر البريد الالكتروني...لتكون نهاية المكالمات فيلم «حراس الصمت» الذي لم ينل حقه من العرض في سورية لأنه أنتج في عام ألفين وعشرة لتبدأ بعد ذلك المحنة السورية, وتحول دون عرضه...

عندما أخبر المخرج سمير ذكرى الأديبة غادة السمان برغبته في تحويل روايتها المستحيلة أو الفسيفساء الدمشقية, إلى فيلم أرفق طلبه بمجموعة من أعماله السينمائية, وكان الرد بالإعجاب بأعمال ذكرى والموافقة على طلبه، وهكذا بدأت المراسلات بينهما فأطلعها على السيناريو ولم تعترض عليه أبداً أو تفرض عليه شيئاً، واستمر بمراسلتها يطلعها على كل العمل خطوة خطوة ومشهداً مشهداً، وكانت دوماً تثني على عمله...الفسيفساء الدمشقية أو المستحيلة أو حراس الصمت كما يشاء البعض تسميتها رواية لغادة السمان يقال إنها سيرة ذاتية أو تقترب من الذاتية لأنها لم تبق أسيرة معاناتها, بل مزجت بينها وبين معاناة المجتمع الذي تعيش فيه والذي تشترك معه بقواسم عدة، متجاوزة بذلك الهم الشخصي إلى الهم المجتمعي والوطني، فقد كانت متيقظة لدور الشباب في الحياة وفي بناء المجتمع هذا ماتحاول إيصاله من خلال بطلة الرواية.

غادة السمان شأنها شأن أي أديب لايستطيع إنجاز عمله بحيادية مطلقة، مع ذلك تمكنت ووفق ماقال المخرج أن ترفع الذات إلى العام، يضيف ذكرى: «فهي إن قدمت سيرة ذاتية بالمعنى الحقيقي للسيرة الذاتية لما استطاع أحد فهمها».

غادة السمان من الأدباء الذين يوثقون بشكل جيد هذا مايتبين في روايتها من خلال الشخصيات الواردة في الرواية لذا على القارئ كي يتفهم ويعي ما توثق أن يطلع على تلك المرحلة من تاريخ سورية التي احتضنت فيها هذه الأديبة وغيرها من الأدباء السوريين.. «بين الجنسين الفني والأدبي الرواية شدتني فكرياً وسينمائياً، ولاسيما في هذه المرحلة التي نعيشها نريد الدفاع عن الوحدة الوطنية السورية، نحن نقول موزاييك بشرياً وغادة السمان تقول فسيفساء دمشقية، إنها مخلصة بشكل راق ومحب».

بهذه الكلمات وضح المخرج سمير ذكرى أسباب اختياره لهذه الرواية دون سواها..وذلك خلال ندوة كاتب وموقف التي يعدها ويديرها الإعلامي المعروف عبد الرحمن الحلبي تقع الرواية في خمسمئة صفحة مايجعل مهمة كتابة سيناريو مؤلف من خمسين صفحة مهمة صعبة ويجعل المخرج يحذف أشياء ويضيف أخرى حسب الضرورة، يقول سمير ذكرى: «هناك اختلاف بين الجنس الأدبي الممثل بالرواية والجنس الفني الممثل بالسينما،  وضروريات كل منهما تختلف عن ضروريات الآخر، مهمتنا الأساسية هنا كيف يمكننا إحياء جنس من دون المساس بالآخر» معلناً بذلك مخالفته للأديب الراحل نجيب محفوظ القائل بضرورة الفصل بين هذين الجنسين.. جاءت رواية غادة السمان بصيغة «الأنا» غير المحببة في الدراما لذلك حولها ذكرى إلى صيغة «الهو» ماتطلب منه عملاً كثيراً..

من الأمور الأخرى التي اشتغل عليها سمير ذكرى الشخصيات.. ففي رواية الفسيفساء الدمشقية أو المستحيلة ترد شخصيات كثيرة من الصعب ورودها جميعاً في العمل السينمائي، يقول ذكرى: «رواية غادة السمان نص طويل وصعب سرداً وشعراً يقترب من السيرة الذاتية وتداعياتها ويرد فيه عشرات الشخصيات، مهمتي ليست التعريف بالشخصيات الأدبية الواردة بقدر ماهو التركيز على البطلة»..  طبعاً مع تأكيده على أن السمان قدمت شخصياتها بطريقة إنسانية وراقية حتى تلك التي كانت تختلف معها فكرياً ويورد المخرج هنا مثالاً شخصية عمها عبد الفتاح, إذ تبرز نقاط الضعف وتصالحه مع ذاته وأحياناً تبرز ندمه على فعل قام به..انتقى سمير ذكرى من هذه الشخصيات وهذه الحالات حالة واحدة من بين أربع فاعلات وردن في فصل واحد والخامسة كلمات عادية، أراد الحدث الرئيس لذلك اختار الفتاة المراهقة الطفلة «زين» وهي تكبر محوطة بأسرار كثيرة منها موت والدتها ووالدها الذي يرفض دراستها للأدب وعمها المحافظ...

وسط كل هذه الأسرار كان عليها أن تثبت شخصيتها وهذه نقطة تحول مهمة ومحورية أثبتت دور الشباب كما أسلفنا سابقاً, نحو سينما سورية يرد في الرواية وصف لزين وهي تتحدث مع صديقاتها وكل منهن تشدها إليها وتغريها بالانتساب إلى الحزب الذي تنتمي إليه لكن المخرج ذكرى يصوّر هذا الحدث في مدرسة البنات وهن يرقصن، وهذا يعكس مرحلة من تاريخ سورية كانت المدارس الحكومية تعنى بالرقص، غادة السمان أبدت إعجابها به بالقول: «ياسمير نحنا السوريين غير شكل».

لا يعتمد سمير ذكرى في أعماله إلا على الكفاءات والخبرات السورية، ليس بسبب التكلفة العالية في حال أراد إخراج بعض المشاهد في الدول الغربية بل إيماناً منه بأن السينما السورية لايمكن أن تكون أو ترتقي من دون الاعتماد على الكوادر السورية والوطنية فقط كيلا تبقى أسيرة تلك الدول.. لذا نجده اعتمد في «حراس الصمت» على الغرافيك في مشهد الطيارة والحمامة والثلج  يقول: «أؤكد دوماً على الإمكانات السورية والخبرات من خلال تعلمنا وخلق الجديد».

ويضيف «أحرص على خضوع كل الذين يعملون معي من المصورين إلى الممثلين لدورة خمسة أشهر، أقوم بتدريسهم شخصياً». حراس الصمت هو مجمل من يساهم بالنفاق وإخفاء الحقيقة على كل المستويات لم يقولوا لها كيف ماتت والدتها لقد ماتت بسبب رفض دخول دكتور ذكر عليها لمعالجتها.