2013/05/29

الفضائيات وتصفية الحسابات
الفضائيات وتصفية الحسابات


جوان جان – تشرين

في سابق العصر والأوان من البث التلفزيوني العربي كان ظهور شخصية عامة على شاشة التلفزيون في لقاء موسّع يتناول حياتها وتجاربها بمنزلة تكريم لها على ما قدمته للحركة الثقافية في بلدها،

حيث تتمكن من خلال هذا الظهور من أن تقدم للأجيال خلاصة تجاربها وخبرتها في مجال عملها وإبداعها، وبذلك لم يكن من السهل أن تجري محطات التلفزيون حوارات مع عابري الطريق من أنصاف المواهب وأرباعها من الفاشلين في حياتهم المهنية حتى لو أمضوا في ممارستهم لعملهم عشرات السنوات.

اليوم ومع فوضى البثّ التلفزيوني العارمة التي تجتاح مفاصل العمل الإعلامي العربي أصبح ظهور الفاشلين على الشاشات العربية أمراً عادياً، ولاسيما أن العديد من هؤلاء الفاشلين اقتنع أخيراً بافتقاره إلى أي شكل من أشكال الموهبة فأحب أن يجرِّب حظه في مجال آخر من مجالات النشاط الإعلامي فكان الخيار هو الظهور على بعض الشاشات التي تفوح منها رائحة العفن بهدف النيل من زملائهم توطئة للنيل من أوطانهم بجميع مكوّناتها، اقتناعاً منهم بأن فشلهم الذريع في تحقيق أي إنجاز مهما صغر إنما يتحمل وطنهم مسؤوليته وعلى هذا الوطن أن يدفع ثمن هذا الفشل متعدد الأوجه الذي يطالعهم في صباحاتهم ومساءاتهم.

وكان من الملاحظ في الأشهر الأخيرة أن الأزمة التي تمر فيها سورية اليوم أفرزت العديد من هذه النماذج التي أمضت عشرات السنوات في العمل في المجال الثقافي من دون أن تتمكن من إيجاد موطئ قدم لها في هذا الوسط أو حتى اعتراف من قبل أصغر العاملين فيه شأناً، فكان أن اتجهوا للفضائيات التي أدمنت الاصطياد في الماء العكر حتى يضمنوا لأنفسهم موطئ يد على طرف الموائد العامرة الموعودة.

مؤخراً ظهر على واحدة من هذه الشاشات مخرج مسرحي استثمر عمل فنانين معروفين في أعماله في ثمانينيات القرن الماضي لتحقيق مكاسب معينة ثم ما لبث أن أفل نجمه بعد ذلك رغم تقديمه العديد من التجارب المسرحية التي فشلت جماهيرياً قبل أن تفشل نقدياً، وكان من المعروف عنه تحميله للآخرين مسؤولية فشل أعماله المسرحية, ويبدو أن هذا المخرج المسرحي أراد من خلال ظهوره الأخير فضائياً أن يصفّي حساباته مع الفنانين السوريين، وبالتحديد أولئك الذين حققوا نجاحات كبيرة في مسيرتهم الفنية، فانتقى فنانَين كبيرين ليصبّ عليهما جام غضبه متهماً إياهما باتهامات يعرف المقربون منه أنها تنطبق عليه بشكل يكاد يكون حرفياً, والمفارقة هنا أن مخرجنا هذا بحاجة إلى أن يعيش خمسمئة سنة ضوئية حتى يحقق جزءاً يسيراً مما حققه الفنانان الكبيران اللذان يشكلان عقدة حقيقية يعاني منها مخرجنا الذي أمضى حياته في مناصبة زملائه العداء، وهو الذي اشتُهِر بأنه أكثر أبناء الوسط المسرحي عدوانية وحقداً على ما يحققه زملاؤه من نجاحات، لكن مهما شطح بنا الخيال لا يمكن أن نتوقع يوماً أن يبلغ حقده على زملائه وأبناء وسطه الفني حد أن يصف فيه من يخالفه آراءه في الحوار المذكور بأنهم مجرمون قائلاً: «هم مجرمون لكن هذا لا يمنع كونهم موهوبين» لأنه لا يمكن أن يشكك بموهبتهم، ولاسيما أولئك الذين ذكر أسماءهم صراحةً من دون رادع من خجل أو حفظ لعهد الزمالة.

اللقاء المذكور كان مناسبة للمخرج المسرحي أن يصفّي حساباته مع مَن اختلف يوماً وإياهم فنياً في مراحل سابقة، فكان هجومه على أحد الممثلين الكبار ممن اختاره المخرج يوماً ليكون بطلاً لعمله المونودرامي المعنون بـ «يوميات مجنون» حيث انتهت تلك الشراكة المؤقتة بخلاف ذي طابع فنّي انتهى لحاله منذ ذلك الوقت، لكن الحقد الأسود لا يمكن إلا أن يطل برأسه، وما أجج مقدار هذا الحقد هو ما حققه الفنان بطل «يوميات مجنون» من نجاح مذهل على صعيد العمل التلفزيوني والسينمائي جعله واحداً من الأرقام الصعبة في فن الأداء في الدراما السورية علماً بأن دراسته للفنون التشكيلية لم تكن عائقاً أمام تألقه الدرامي.

المضحك المبكي في ذاك الحوار أن من قام بإجرائه ليس له أدنى علاقة بأبجد هوّز الوسط الفني والثقافي السوري وهو الأمر الذي بدا واضحاً من خلال طبيعة الأسئلة الجاهلة والجاهلية التي طرحها على ضيفه والذي يعرف جميع العاملين في الوسط المسرحي السوري كيف كان يريق ماء وجهه على أعتاب المؤسسات الثقافية والمسرحية اقتناصاً لعمل مسرحي هنا أو هناك، وهي المؤسسات التي لم يتورع عن مهاجمتها وهو الذي أمضى عمره أمام بواباتها.

فوضى فضائيات هذه الأيام ينبغي أن نعتاد عليها وعلى ما تلفظه يومياً من مواد تلفزيونية، أبطالها أناس على غاية لا تضاهى من الحقد، والذي هو في الواقع ليس أكثر من مرآة تعكس صور أصحابها.