2013/05/29

الفنانة تولاي هارون.. الكلام الناعم كحدِّ السيف
الفنانة تولاي هارون.. الكلام الناعم كحدِّ السيف


جوان جان – تشرين

بنبرات هادئة وعينين دامعتين حزينتين أطلّت الفنانة تولاي هارون على جمهورها من خلال فضائية «آسيا» العراقية -القادمة بقوة إلى عالم الإعلام العربي النزيه- في حديث نابع من القلب فكان من الطبيعي أن يلامس شغاف كل القلوب.

تولاي هارون المعروفة بمواقفها الإنسانية النبيلة التي جسدتها سابقاً في أحد البرامج التلفزيونية ذات الطابع الخيري ها هي تضيف اليوم إلى رصيدها عند الناس ما هو كافٍ ليجعلها قادرة على أن تقدم الأنموذج الأمثل للفنانة السورية الواعية لما يدور حولها، ولاسيما أن الحديث كثر مؤخراً عن دور الفن والفنانين الحقيقيين في مجتمعاتهم التي قد تتعرض لمخاطر وتحديات شتى تنال من حاضر البلاد ومستقبلها.

أكثر من نقطة مهمة طرحتها هارون في البرنامج، منها خوفها الشديد على حاضر بلدها ومستقبله، وتساؤلها المشروع عما يمكن أن يؤول إليه الوضع فيما لو استمرت الأمور على ما هي عليه، من دون أن تخفي تساؤلها المحقّ: «من هُم هؤلاء في الخارج الذين يدّعون تمثيلنا ونحن لم نسمع يوماً باسمهم ولم يُعرَف عنهم في يوم من الأيام أي نشاط ذي طابع وطني عامّ ولم يكابدوا يوماً هموم المواطن السوري ولم يعايشوا أفراحه؟».. هذا التساؤل بقي معلّقاً إلى جانب بقية التساؤلات التي طرحتها الفنانة هارون من دون أن تستطيع هي أو غيرها إيجاد الإجابات المناسبة لها، وكيف ستتمكن من ذلك إذا كان الأشخاص المقصودون أنفسهم غير قادرين على إيجاد أي جواب مناسب؟

هذا الموقف الجديد لتولاي هارون ينسجم مع العديد من المواقف التي سبق أن أبدتها في مناسبات مختلفة، منها مشاركتها قبل أشهر في اعتصام أمام السفارة الأميركية في دمشق للتعبير عن رفضها للتدخل الأميركي في الشؤون السورية، وقد نُقِل عنها حينذاك قولها: «لا يجب أن أُسأل كم مرة تظاهرتِ ضد التدخل الأجنبي؟ بل يجب أن أُعاتب على كل يوم جلستُ فيه بمنزلي من دون أن أخرج لأندد بمن يسيء لبلدي». وقد لقيت هذه المواقف صدى طيباً لدى الشباب السوري الواعي الذي يتمثّل مواقف الفنانين والمبدعين عندما تكون صادرة عن آلية تفكير ناضجة وحصيفة، لا عن آلية تفكير أنانية لا تفكر سوى بالمصلحة الشخصية والمكتسبات الموعودة التي يتضح يوماً بعد آخر زيفها وسرابها.

البرنامج الذي كانت بطلته تولاي هارون صُوِّر في الصيف الماضي، وعلى الأغلب في شهر رمضان الكريم، كما هو واضح من المشاهد الخارجية التي لاحقت مجموعة من الأطفال اللاهين في إحدى الحدائق، وأخذت منهم بعض العبارات العفوية التي تعبّر بدورها عن وعي الأطفال لما يدور حولهم، وقد اتسمت هذه الفقرات السريعة التي شكّلت فواصل لحوار هارون بلمسة الصدق التي شابتها والتي كان من الواضح بعدها عن أسلوب التلقين الذي أصبح شائعاً في بعض الفضائيات التي تستغل براءة الأطفال، وعدم درايتهم فتقتنص منهم كلمات لا يفقهون ماهيتها ومعناها ومراميها.

امتاز كلام تولاي هارون في البرنامج بواقعيته وعدم انجراره وراء مواقف متصلّبة، فبدت كلماتها مدروسة كي لا تذهب باتجاه لا تريده ولا تفكر فيه. زِد على ذلك أنها حاولت ألا تجرح أحداً، وألا تقلل من شأن أحد، رغم أن هذه الدبلوماسية لا تنفع ولا تجدي مع من أصبحت المتاجرة بدماء أبناء الوطن مهنتهم، ومحاصرة وتجويع الشعب هدفهم الأعلى، بل الأدنى بأبعاده الأخلاقية المنحطّة.

فضائية «آسيا» وعلى الرغم من حداثتها في عالم الإعلام الفضائي العربي فإنها أثبتت موجوديتها وحضورها كفضائية عربية تهتم بالشأن السوري بعقلانية، بعيداً عن الغوغائية والنفَس التحريضي الذي ميز تغطية بعض الفضائيات العربية للحدث السوري.