2012/07/04

الفنانون يتطلعون إلى "ثورة سينمائية"
الفنانون يتطلعون إلى "ثورة سينمائية"

دينا الأجهوري – دار الخليج

شهدت انتفاضة الشعب المصري منذ الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، مشاركة عدد كبير من الفنانين باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من الوطن . وبعيداً عن مشاركتهم

وتأييد بعضهم لحركة الشباب والشعب أو معارضة البعض الآخر لها، كان لابد أن نتوقف مع الفنانين حول المرحلة المقبلة في الحياة الفنية المصرية، حيث إن يريد بعضهم أن

يعبر عن رأيه ولكن بشكل آخر من خلال أعمال فنية، وذلك لأنهم يرون أن شكل النظام الذي تتبعه أي دولة يؤثر في شكل الأعمال الفنية، مثل حرية التعبير في السياسة التي تترجم إلى حرية تقديم أعمال فنية بلا قيود

أجمع أكثر من فنان وفنانة على أن الفترة المقبلة ستشهد أعمالا أكثر حرية، ووجدوا هذا التغيير في الشارع السياسي فرصة للتغيير أيضاً في شكل الفن المصري .

فهل يعني هذا التغيير أن الفترة المقبلة ستشهد أعمالاً فنية مختلفة في المواضيع والتناول؟ وهل ستكون أكثر جرأة من ذي قبل؟ التقينا مجموعة من الفنانين الذين أجابوا بوضوح في هذا التحقيق .

من أوائل الفنانين الذين وجدوا هذا التغيير فرصة لإعطائه حرية أكبر في تقديم أعماله الفنية المخرج المثير للجدل خالد يوسف الذي كانت له تصريحات جريئة حيال هذا الموقف وقال ل”الخليج”: مؤكد أن السينما بعد “25 يناير” ستكون مختلفة عن السينما قبل هذا التاريخ

وأضاف: السينما كانت دائماً ولا تزال معبرة عن الواقع المعيش بكل سلبياته وإيجابياته، وفي السنوات العشر الأخيرة بداية من عام 2001 وحتى ،2011 شهدت السينما

المصرية أفلاماً أظهرت الوجه الآخر لجهاز الشرطة، وبعدما كانت الرقابة المصرية والداخلية ترفض الأعمال التي يظهر فيها الضابط بشكل سيئ وأنه فاسد، لا أعتقد أن الفترة المقبلة سيكون موقف الرقابة هو نفسه

وقال خالد: في أفلامي “هي فوضى” و”حين ميسرة” استطعت في حيز الحرية الضيق الذي فرضته علينا قوانين النظام والدولة، أن أعبر عن العلاقة المتوترة بين جهاز

الشرطة والشعب وكشف حجم فساد كبير كان معلوماً للجميع، ولكن الحرية الآن أصبحت موجودة في كل مكان، في الشارع في البيت في النادي ولابد بديهياً أن تكون في السينما .

وأشار خالد يوسف إلى أن هذه “الثورة” التي حدثت في مصر ألهمته وكثيرين مثله، وأعطته أكثر من فكرة لعمل سينمائي، حيث أكد أنه يستعد خلال الفترة المقبلة لتقديم

أعمال سينمائية تبرز الجوانب الخفية التي كانت داخل ميدان التحرير خاصة أنه كان من المشاركين في المظاهرات، وقال خالد ضاحكاً: “ولو الرقابة هترفض هذه الأعمال “ميدان التحرير” موجود وهاعمل اعتصام” .

واتفق معه في الرأي الفنان عمرو واكد الذي قال بنبرة حزينة: للأسف مصر لم ترَ حرية إبداع وتعبير في السينما خلال ثلاثة عقود مضت، والدليل على ذلك وجود جهاز الرقابة الذي يفسد كل ما هو مبدع وجميل .

وأضاف من المعروف أن أي تدخلات في السيناريوهات الفنية يفسد كل ما هو جميل، فقبل أحداث “25 يناير” كان مفروضاً علينا كفنانين أن نقدم رجل الشرطة في شكل “ملاك” وكان من الممكن أن يوجد ولو 30% من الجمهور يصدقون هذا ولكن هل بعد هذه الأحداث ستكون النسبة كما هي؟ بالطبع لا

وأكد عمرو أن السينما في الفترة المقبلة يجب، بل ومن الضروري أن تشهد حالة انتفاضة مثلما حدث في الشارع المصري وتبدأ بحل الرقابة الفنية فوراً لأنها قيد على رقبة المبدعين .

الفنانة بسمة لم يختلف رأيها كثيراً، ولكنها أضافت أن عدداً كبيراً من المخرجين الشباب مثل كاملة أبو ذكري وعمرو سلامة وغيرهما، قاموا بتصوير لقطات حية من

المظاهرات بكاميرا ديجيتال رصدوا تفاصيل الثورة ورصدوا مشاهد كثيرة، بالإضافة للمخرج والسيناريست محمد دياب الذي توجه لميدان التحرير مشاركاً وراصداً للحالة هناك

والذي كان آخر من تأذى من القوانين التي تضعها الدولة لقتل الإبداع وتم منع فيلمه “678” بحجة أنه يظهر جانباً سيئاً في الشارع المصري، ومن المقرر أن تجمع هذه اللقطات لعمل مشروع سينمائي ضخم يظهر ما حدث في المظاهرات .

وأضافت بسمة من هو الفنان أو الفنانة الذي لم يتأذَ بسبب قوانين ومحظورات وضعت على حرية التعبير في الأعمال الفنية؟ جميعنا ويشاء القدر أن تحدث هذه الحركة لتثبت للجميع أن السينما لا تختلق أشياء بل تتنبأ بما سيحدث، وهذا هو دور الفن الصادق .

وضمت بسمة صوتها لصوت عمرو واكد وطالبت بإلغاء الرقابة الفنية .

“حركة 25 يناير أثبتت أن التغيير يجب أن يحدث في كل المجالات” . . هكذا بدأ الفنان خالد أبو النجا حديثه، كما انتقد أبو النجا الرقابة على المصنفات الفنية التي تعطي لنفسها حق التدخل بمشرط لتشويه العمل الفني، متمنياً أن تتفهم الرقابة أهمية وجود بعض المشاهد التي تكون جرأتها مبررة لخدمة الأحداث

وأضاف أبو النجا أنه أكثر الفنانين الذين أحبطت قوانين الدولة أحلامه في تقديم أعمال سينمائية تحكي واقع الشارع المصري، وقال إنه كان لأحد أصدقائه سيناريو يتحدث عن البطالة في مصر ودور رجال الأعمال، كان سيقوم خالد ببطولته وإنتاجه إلا أن الرقابة رفضت السيناريو .

وقال خالد ضاحكاً: وها هو ما حدث مؤخراً أثبت وجهة نظر صديقي في تورط بعض الكبار في قضايا فساد .

وأنهى أبو النجا حديثه: أنا شخصياً متفائل بحال السينما المصرية خلال الفترة المقبلة، خصوصا أن “برقع الحياء” سقط عن الجميع ولا فائدة من خداع الناس وإخفاء الحقيقة عنهم .

أما المخرج داود عبد السيد، والمعروف عنه جرأة أعماله، فأكد أنه بات من الضروري أن تتغير طبيعة الرقابة على الأعمال الفنية في مصر، والتي تلتزم بمجموعة من القوانين

الصارمة لمصلحة جهات معينة في الدولة، واعتبر عبد السيد أن السينما شهدت تراجعاً في العقدين الأخيرين بسبب فرض القوانين المقيدة للحريات والإبداع، ما جعل المجتمع المصري يفكر تحت قيود وأصابه بالتخلف الفني والفكري، لذلك أصبح الفرد في مجتمعنا يخشى أن يشاهد أعمالاً تكشف له الحقيقة السوداء

وأكد داود أن 2012 ستشهد تغييراً كبيراً في مضمون الأعمال الفنية سواء على المستوى السياسي أو حتى الاجتماعي لأن الحقيقة أصبحت أمام الجميع ولا مجال لتجميلها أو إخفائها .

الفنان أحمد السقا قال: حتى نكون منصفين وبغض النظر عن الفساد الذي كان موجوداً، فإن لا أحد ينكر أن السينما المصرية كانت تتنبأ بما قد يحدث، وشهدت مؤخراً أعمالاً

فنية جريئة لم تشهدها في الثمانينات ولا حتى أوائل التسعينات، وهذه الأعمال تناولت مشكلات سياسية وجنسية أيضاً، كما أصبح هناك هامش للمبدعين لمناقشة كل

ما هو سلبي في مجتمعنا المصري، فلا أحد كان يتخيل أن السينما المصرية تنتج فيلماً مثل “678” الذي ناقش ظاهرة التحرش في الشارع وهي المشكلة التي كانت

المجتمعات تخجل من تناولها والحديث عنها لحساسيتها، كما أن وجود أعمال مخرج جريء مثل خالد يوسف أكبر دليل على وجود حرية التعبير والإبداع، كما تنبأت بفورة غضب الشارع .

أما الفنانة حنان ترك فانزعجت من فكرة أن السينما المصرية من الممكن أن تشهد حرية أكثر الفترة المقبلة بعد نجاح الشعب المصري في عمل تغييرات سياسية وتساءلت:

لماذا يريد البعض العودة بنا للوراء لشكل السينما في السبعينات، حيث شهدت أفلاماً “إباحية” إلى حد ما، ليس لها أي معنى ولكنها نقطة سوداء في تاريخ السينما ومن قدموها؟

وأضافت: أيضا على الصعيد السياسي هناك مساحة حرية متوفرة للمخرجين والفنانين للتعبير عن رأيهم وأفلام الراحل يوسف شاهين قدمت لنا هذا النموذج من الحرية في

أفلامه، كان آخرها “هي فوضى” الذي قدم نموذجاً فاسداً من رجل الشرطة، فمن المؤكد أن لكل دولة قوانين تحكمها ولابد من احترامها ولا يعني احترامها أن يتم تقليل أو قتل حرية الإبداع ويجب أن نفصل بين “الحرية والانفلات” لأن بينهما خيطاً رفيعاً جداً .

وتقول الفنانة دنيا سمير غانم: ما حدث في الشارع المصري يوم 25 يناير وحتى الآن، هو انفجار نتيجة كبت داخل الشعب بسبب سوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية وانتشار الفساد، غير أنني لا أعتقد أن السينما المصرية كانت في كبت لتخرج منه .

وأشارت دنيا إلى أن العكس قد يحدث، حيث ترى أن الفترة المقبلة ربما ستشهد قيوداً على الأعمال الفنية لأن الدولة لن تسمح بأي تشويه من أي نوع لأن الفترة المقبلة ستكون أكثر حساسية وسنحتاج لوقت كبير لنستعيد ما فقدناه من استقرار .