2012/07/04

الفنانون يواجهون خطر "الحرق والمنع"
الفنانون يواجهون خطر "الحرق والمنع"


دار الخليج - فنون


ما إن تصاعدت أسهم الأحزاب الإسلامية في الانتخابات البرلمانية المصرية، وتحديداً بعد فوز حزبي “الحرية والعدالة” الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين، و”النور” الناطق باسم السلفيين، وحصولهما على أغلب مقاعد برلمان 2012 بعد ثورة 25 يناير، حتى بدأ الكلام عن فتح العديد من الملفات الساخنة والشائكة، والتي يأتي على رأسها قضية الفنون في مصر، وكيفية التعامل معها .

الملف أصبح مادة للنقاش والجدل الواسع عبر القنوات الفضائية، العامة والمتخصصة، وتحديداً القنوات الدينية، ليخرج السؤال من إطار “هل الفنون حرام أم حلال؟” إلى إطار آخر، لا يكتفي بطرح سؤال التوقف أم الاستمرار، وكأنها باتت قضية محسومة، بل ينطلق الحوار إلى سؤال أكثر خطورة هو: “ماذا سنفعل فيما هو موجود وقائم بالفعل من أعمال فنية سينمائية ومسرحية ودراما تلفزيونية؟” أي ما يمثل تراث الفن المصري  وهو ما يرفض بعض السلفيين تسميته بالتراث  من سينما ومسرح ودراما تلفزيونية، وهو ما دار حوله نقاش طويل في إحدى حلقات البرنامج التلفزيوني “في الميزان” الذي يقدمه الإعلامي عاطف عبدالرشيد رئيس قناة “الحافظ” الفضائية الدينية، وهي الحلقة التي شهدت حضور عدد من شيوخ السلفيين والإخوان، والفنان السابق وجدي العربي، الذي استشهد بما قام به حسين حسين صدقي، نجل الفنان الراحل حسين صدقي، للتأكيد على ما تدور حوله الحلقة، من أن نجل الفنان الراحل قام بجمع أغلب ما قدمه والده من أعمال سينمائية من إنتاجه وقام بحرقها جميعاً، ليطهر تاريخ والده .

فهل ستشهد مصر عمليات طمس وحرق للتراث الفني المصري، على مدار قرن من الزمان؟ وهل ستشهد عمليات وأد للإبداع والمبدعين في شتى المجالات الفنية؟ وهل سترتعش أيادي الكتاب والمخرجين والفنانين وهم يقدمون إبداعاتهم، خوفاً من إباحة دمائهم؟ وهل هذه المخاوف هي التي جعلت الفنان أشرف عبدالغفور يبادر بلقاء محمد بديع مرشد الإخوان المسلمين؟ وهي المقابلة التي انقسم عليها الفنانون، بين مؤيد ومعارض؟ أسئلة كثيرة نطرحها على أصحاب الشأن لنناقش هذه القضية في السطور التالية:

المخرج محمد فاضل أشار إلى أن زيارة عبدالغفور إلى مرشح الإخوان لم يكن لها داعٍ، وإن الفنان لا بد أن يكون حراً في ما يقدمه من إبداع من دون أن يأخذ توجيهات من حزب أو سلطة، خاصة أن الأحزاب الموجودة الآن، وإن كانت قد أتت من خلفية إسلامية، إلا أن الدستور ينص على عدم قيام أحزاب على أساس ديني، فهذه الأحزاب تعمل بالسياسة وليس الأحزاب الدينية من وظيفتها تحريم هذا وتحليل ذلك .

وأضاف فاضل: كان من المفترض ألا يتم استدراج نقيب الممثلين إلى فخ الذهاب إلى المرشد، وكان لا بد أن يفرق بين الإخوان كجماعة وبين “الحرية والعدالة” كحزب سياسي، فالفنان المصري على مر العصور لا يتلقى تعليماته من أي سلطة مهما كانت، بل إنه وقف أمام أهم مؤسسة دينية في العالم العربي والإسلامي، وهي مؤسسة الأزهر الشريف، التي نكن لها كل احترام وتقدير، وانتصر الفنان للإبداع في مواقف كثيرة جداً، بالتحاور والإقناع بأهمية الفن ودور الفنان .

من جانبه نفى نقيب الممثلين أشرف عبدالغفور ما ردده البعض من أن هذه الزيارة  كما وصفوها  “حج” لمكتب الإرشاد لأخذ البركة وضمان الرضا عن الفن والفنانين، وقال: هي زيارة لجس النبض، وسعي لمعرفة فكر مجهول، ثم إن الفنانين يتحاورون مع جميع فئات المجتمع، وهؤلاء جزء أصيل في المجتمع، فلماذا لا نتحاور معهم؟ فالزيارة لم تكن للتفاوض أو إبداء الرأي في الفن والفنانين، بل هي للتشاور والتحاور حول المرحلة المقبلة ودور الفنان المصري الذي تميز به على مر العصور وفي كل المراحل، مشيراً إلى أن ذلك ما أكده أيضاً مرشد الإخوان .

وأضاف عبدالغفور: أعتقد أن الإسلاميين لن يتعاملوا مع الفن برجعية، فكثيرون منهم مستثمرون ورجال أعمال منخرطون في المجتمع منذ سنوات طويلة ومارسوا العمل السياسي والاجتماعي طوال عقود مضت .

واعتبر نقيب الممثلين أن الحديث عن مخاوف من صعود الإسلاميين وسيطرتهم على الحكم استباق للأحداث ومخاوف ليس لها أساس، خاصة أنهم لم يصدر عنهم ما يشير إلى أنهم سيعادون الفن والفنانين، داعياً إلى عدم اتخاذ أحكام مسبقة، وفي الوقت نفسه التكاتف من أجل حماية الفن والفنان المصري ومستقبله، مؤكداً أن الجميع في مركب واحد ولا بد من الدفاع عن سلامتها حتى تمر بسلام، لذا فإن الفنانين مطالبون بالحفاظ على مكاسبهم والتمسك بحرية الرأي والتعبير .

الفنان عمرو واكد قال: أعتقد أن الإسلاميين لديهم ملفات أهم بكثير يجب أن تتم معالجتها، كالاقتصاد والصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية والتنمية، قبل أن يبدأوا في البحث عن السيطرة على القضايا الفرعية . وأوضح عمرو واكد أن استحواذ الإسلاميين على الأغلبية في البرلمان يعد أصعب اختبار لهم فإما أن يثبتوا جدارتهم وإما يكون ذلك بداية النهاية لهم .

وأضاف: الفن المصري ليس وليداً ضعيفاً يمكن القضاء عليه، بل هو شجرة لها جذور في الأرض لن يتم اقتلاعها بسهولة، بل ستقصم ظهر من يحاول اقتلاعها، لأننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسندافع عن الإبداع المصري بكل قوة ولن نسمح لأي سلطة مهما كانت أن تمسه .

ويقول الفنان عبدالعزيز مخيون: للأسف التيارات الإسلامية نظروا إلى الجانب السلبي في الفن ولم ينظروا إلى الجانب الإيجابي، ومعظمهم نظر إلى الفن على أنه “رجس من عمل الشيطان”، كما أن الإخوان لم يبنوا الفن على ما أسسه حسن البنا، ولم يتقدموا إلى الأمام بعد تجربته على المسرح لكنهم تأثروا بتشدد السلفيين ونظرتهم القاصرة إلى الفن .

وتابع: الإخوان لديهم برنامج ثقافي ضمن برنامجهم الحزبي، لكنه يحتاج إلى توضيح أكثر، وتنقصهم الممارسة العملية للفن، خصوصاً أن الساحة الآن أصبحت مفتوحة لمن يريد أن يعبر عن نفسه بالفن، غير أننا سنتصدى للنظرة السلفية القاصرة لدور الفن وأهميته في المجتمع، وأهمية التراث الفني الذي هو جزء أصيل من حضارة الشعب المصري .

من جانبها أعربت المخرجة التسجيلية تهاني راشد عن قلقها بشأن هذا الجدل حول تأثير وصول الإسلاميين للحكم على الحياة الثقافية والفنية في مصر، وأوضحت قائلة: في الوقت الذي يجب أن ننشغل فيه بتطوير الحياة الثقافية في مصر بعد الانهيار الذي شهدته خلال الثلاثين عاماً الماضية، نعود إلى مناقشة ما إذا كان الفن حلالاً أم حراماً، وقد نسي هؤلاء أنهم حصلوا على الأغلبية في البرلمان المصري بفضل الحرية والديمقراطية التي هب من أجلها الشباب والشعب كله، والتي ناضل من أجلها طويلاً الفنان المصري في أغلب أعماله الفنية، فهل يأتون الآن ويقمعون الفنان الذي ناضل من أجل حرية وطنه؟ أعتقد أن ذلك لن يحدث بسهولة .

وأسف المخرج مسعد فودة نقيب السينمائيين لهذا الكلام الدائر حول التحريم والتضييق على الإبداع والمبدع المصري، بل والتلويح بحرق التراث السينمائي المصري، وأن يشارك في هذا الرأي فنان ابن فنان، وكلاهما شارك بنصيب كبير في هذا التراث، مشيراً إلى أن الفن المصري خط أحمر وغير مسموح لأحد بالاقتراب منه، لأن عجلة التاريخ لا ولن تعود إلى الخلف، وإن المبدعين المصريين سيسعون للتقدم والارتقاء بالفن المصري والسينما المصرية تحت أي ظروف .

وحول دور نقابة السينمائيين في حماية السينما المصرية يقول مسعد فودة: نقابة السينمائيين لم تخضع يوماً لأي سلطة في أي عهد سابق، ولن تخضع لأي سلطة تحت أي حكم مقبل، والنقابة سارعت للمشاركة في جبهة “مثقفون مصريون لحماية الثقافة المصرية”، وهناك مؤتمر نناقش فيه دور المبدع خلال المرحلة المقبلة، والتصدي لأي محاولة للنيل من الإبداع والتراث المصريين .

توقع السيناريست محمد السيد عيد أن تكون المرحلة المقبلة أكثر غموضاً، مشيراً إلى أنه من الصعب الآن توقع سيناريو محدد للأحداث التي ستشهدها الفترة المقبلة، حيث إن هناك أطرافاً متعددة أصبحت تشارك في العملية السياسية الآن بفضل حرية الرأي والتعبير، ومن بينها التيار الإسلامي، حتى لو كانت له الأغلبية، غير أنه لم يكن على رأي واحد، فبداخل هذا التيار انقسام وتفاوت في الخبرة السياسية ودرجة التشدد الديني من إخوان وسلفيين وجماعات إسلامية .

وتابع عيد: المبدع والمثقف المصري لن يقف مكتوف الأيدي في موقع المتفرج ليشاهد وأد الإبداع وحرق تراثه الفني، بل سيتصدى بقوة لأي محاولة للعبث بهذا التراث، بل وبحرية الإبداع، فلن نستسلم لأمر واقع إنما سنحتشد في الميدان وسنعود بثورة تقضي على أي فكر قد يعيدنا إلى الوراء .