2012/07/04

الفنان الحقيقي.. واللحظة المفصلية
الفنان الحقيقي.. واللحظة المفصلية


جوان جان – تشرين

العيون دائماً شاخصة إليه، والقلوب لا تفتأ تنبض حباً له وإعجاباً بفنه ومواقفه.. خطواته محسوبة، ولفتاته تحت رقابة محبيه الدائمة التي تحيط به أينما ذهب وأنى حل.

إنه الفنان الذي كتب عليه أن يكون محط أنظار الناس، فإما أن يتمكن من أسرهم بسلوكه الواعي والراقي أو أن يصدمهم بتصرفاته الطائشة والانفعالية. ‏

فناننا السوري لم يشذ عن العناوين العريضة هذه، بل قد يكون من أكثر الفنانين العرب قدرة على تلمس مشاعر الناس وأحاسيسهم آمالهم وآلامهم التي جسدها في أعماله مثلما أتيح له تجسيدها في الملمات والأوقات العصيبة وهو ما تم التعبير عنه جلياً في الأشهر الأخيرة من الأزمة من خلال مواقف مشهودة لعدد كبير من فنانينا الذين تمكنوا بوعيهم وسعة أفقهم من أن يرسموا صورة ناصعة للفنان السوري صاحب القضية والموقف والذي يأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا للمجتمع بكليته والذي ينظر نظرة معمقة للأمور فلا ينجر مع استثناءاتها ولا يتماهى مع الفج منها.

من خلال إطلالاتهم الإعلامية وتصريحاتهم وبعض بياناتهم تمكن فنانونا من أن يكونوا حجر الأساس في العمل الوطني والإنساني الذي فرض نفسه على الساحة مؤخراً مبعداً كل ما عداه من فعاليات ذات طابع شخصي مرتبط بالأعمال الفنية في عز موسمها ولم يكتف بعض فنانينا بالكلام بل راحوا يترجمون مواقفهم إلى مبادرات عكست روحهم الوطنية ودرجة وعيهم بأنهم إن لم يقوموا اليوم بالدور الإيجابي المطلوب منهم إنسانياً قبل أي شيء آخر فإن كل ما يمكن أن يقدموه فيما بعد من أعمال فنية لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى التأثير المباشر والفعال والإيجابي لمبادراتهم العملية، ولنا في مبادرة الفنانين نضال سيجري (رغم وطأة المرض) وباسم ياخور والليث حجو في مدينة اللاذقية خير مثال على ما نذهب إليه، فعلى الرغم من حساسية اللحظة وخطورة الظرف انطلق فنانونا الثلاثة للقيام بدور حاسم في وأد فتنة في مهدها، مدفوعين بإحساس عال بالمسؤولية التاريخية التي تقع على عاتق أقل الأفراد شأناً وتأثيراً في مجتمعاتنا فكيف إذا كان الأمر مع أكثرهم شأناً وتأثيراً؟ ‏

هذا الموقف وما شابهه لا نريد ولا يريد أحد أن يتشوه أو يتم النيل منه من خلال مواقف غير مسؤولة ليست في زمانها ولا في مكانها، وكل ما من شأنها هو أن تصب الزيت على النار دون إدراك منها أن هذه النار إذا امتدت قد تجتاح بيوت الذين ساهموا وهم يعلمون أو لا يعلمون بإشعالها. ‏

إن الفنان ليس شخصاً عادياً في محيطه ومجتمعه حتى يكون تأثير تصرفاته منعكساً عليه فقط بل هو شاء أم أبى يشكل النموذج والقدوة للشارع الذي سيذهل ويصدم وهو يرى رموزه الفنية وقد انجرفت في تيارات الهيستيريا دون أن تعي أن سلوكها هذا له تأثير تدميري على المجتمع الذي هو بحاجة اليوم إلى منديل يمسح الدمع ومبضع يضمد الجرح لا إلى حناجر تهييجية وأيد قابضة على المجهول ورؤى قاصرة عن رؤية المشهد برمته. ‏

الفنان الحقيقي هو الذي يلتقط اللحظة المفصلية ليجعل منها حدثاً يرتقي من خلال بمجتمعه نحو الأفضل لا الذي يترقب هذه اللحظة كي يمعن بوساطتها فتكاً بجسد هذا المجتمع الذي لم يعطه إلا المحبة والتقدير. ‏

الحركات الصبيانية والتصرفات الطائشة لم تكن يوماً سمة من سمات فنانينا الذين إذا لم تتمكن فئة قليلة منهم من أن تلعب دورها الحقيقي والمسؤول فلتمتنع عن أن تقوم بدور معاكس لا يؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى التي لا تستثني أحداً من شرورها ونتائجها، خاصة وأن ذاكرة شعبنا ستبقى حية وستتذكر تماماً من ساهم بإنقاذ الوطن مما هو فيه ومن عمل على جره إلى الهاوية التي لن يقع فيها أبداً. ‏