2012/07/04

الفن ولحظته الاستثنائية
الفن ولحظته الاستثنائية


عبد الغفور الخطيب - البعث

الفن في مقارباته الأولى محاكاة للواقع، فنشأة الفن جاءت من ميل الإنسان أولاً إلى المحاكاة، ولتحقيق اللذة والمتعة بالعمل الفني ثانياً، ولعل هذا التأسيس الأولي للفن يحيلنا إلى فكرة محاولة الإنسان محاكاة عملية الخلق الأولى، ومن أجل التماهي معها، ومن هنا نشأت فنون النحت والتصوير وغيرها من الفنون إلى أن وصلنا إلى الفن السابع وفن الدراما التلفزيونية.

وعملية مشاهدة الفن تُحدِث لدى المتلقي إثارةً لمشاعر العطف والرحمة والسخط والغضب إزاء هذه الشخصية أو تلك، وبهذا تتحقق عملية التطهير التي قصدها أرسطو من خلال علو هذه المشاعر وسموها لدى المتلقي، وبالتالي تطهيرها للنفس البشرية.

نسوق هذا الكلام لنتحدث عن واقع الدراما الحالي، لكونها وجهاً مؤثراً من ضمن فنون عديدة في هذا العصر، ولأنها باتت استثناء بينها، ولا سيما بعد ثورة القنوات الفضائية وتكاثرها كما الطحالب، والتي رافقتها أيضا ثورة في مختلف الفنون ولا سيما فن الدراما الذي راح يملأ ساعات بث هذه القنوات في الأغلب الأعم، وصار مطلوباً من هذا الفن أكثر مما يحتمل وفوق طاقاته، فثمة صراع بين الكثير من القنوات الفضائية على هذا العمل أو ذاك، وعلى هذا المخرج وهذا الممثل وهذا الكاتب...

وهذا بدوره جعل ورشات العمل الدرامي كثيرة لا تتوقف طوال العام، كتابة وتمثيلاً وإخراجاً وإبداعاً بمختلف وجوهه، وانشغل الجميع بحيث ما عاد الواحد فيهم يجد فرصة للتنفس، إلا أن يكون فناً ونشاطاً وإبداعاً.. وفجأة انكفأ الجميع ـ الغالبية العظمى ـ فتوقفت ورشات كثيرة، ولزم كثير من العاملين في هذا الفن نفسه وانطوى حول ذاته وتوقف، فما عادت الكاميرات تتحرك كالسابق في الشوارع والحارات والبيوت والحقول، وما عدنا نرى نجوم هذا الفن على الفضائيات يتحدثون عن مشاريعهم وأحلامهم، وعن الكثير مما يدور حول أعمالهم التي ينجزونها، بعد أن كان كثير منهم يعمل بأكثر من مسلسل وبشخصيات عديدة..

وآثر الكثير من المخرجين والفنانين النأي بأنفسهم عن كل ما يجري في هذا العالم من أحداث سياسية استثنائية، تستدعي أن يكون المرء ذا موقف..

أما من يعمل ففي ظروف صعبة للغاية، وربما هذا ما يجعل من عمله استثنائياً بغض النظر عن طبيعة الموضوع المُعالج، ولأن الفن استثناء فعليه تقع مسؤوليات جسام لا يستطيع غيره أن يعالجها، وعلى الفن والإبداع فقط المضي بعجلة التقدم والازدهار والنهضة، وعلى أهل الفن أن يحملوا العبء الأكبر في هذا الشأن. لا شك أن الظروف الموضوعية لها دورها على مستويات عديدة ، ومن بينها الفنون على اختلافها، ، فهل تنجلي الغمة عن موضوعات جديدة وعن رؤى إبداعية مختلفة .