2013/06/21

الفن يبدأ بانتقاء المفردات وليس التجريح...رضوان: أخشى على سورية من انهيار البنية الاجتماعية
الفن يبدأ بانتقاء المفردات وليس التجريح...رضوان: أخشى على سورية من انهيار البنية الاجتماعية


وسام حمود – الوطن السورية



من يعرف المخرج السوري عمار رضوان عن قرب، يكتشف أنه أمام شخصية تعيش بين طيات حكايا ألف ليلة وليلة، ومن يقترب من تلك الشخصية حتماً فسيقتبس منها طاقات إيجابية تجعله يخطو على الأرض بزهو، ومن يدخل محراب خوالجه يدرك أن بداخله رجلاً رومانسياً حالماً، يحلق بين خيوط السحاب، يتخيل أنه يلتقتط غيمة وراء غيمة، كي يرسم حلمه الذي يتمناه. عمار رضوان تجربة إخراجية بحد ذاتها، صاغ أعمالاً تركت أثراً كبيراً لا ينسى، كمسلسل سيرة الحب، وختمها هذا العام بملحمة حب وطنية (قيامة البنادق)... لتضيف إلى سحر تألقه سحراً آخر. «الوطن» ومن بيروت التقت المخرج السوري عمار رضوان وأجرت هذا اللقاء.

ماذا لو بدأنا ببدايتك في مجال العمل الفني؟

الحقيقة بالمصادفة كان لدي ميول لأكون كاتباً روائياً، وهي بداية التطلعات، فأخذتني الحياة باتجاه الإخراج بالصدفة، فشعرت أنه ربما قد أكون مخرجاً وممثلاً في أن معاً، كان لدي عشق للسينما ولكن تصادمت أحلامي مع الواقع السوري، فرأيت أن هناك إجحافاً للسينما إضافة لقلة العمل السينمائي، وهذا جعلني أتوجه للعمل التلفزيوني، لأني رغبت في تحقيق معادلة السينما من خلال التلفزيون رغم اختلاف الشروط.

كيف وجدت نفسك في العمل التلفزيوني رغم عشقك للسينما؟

اخترت هذا الاتجاه لأنني شخص يعيش بعوالم الرواية، أعيش شخصيات الرواية لدرجة الذوبان، وأحتاج إلى وقت طويل للخروج من شخصية روائية قرأتها، أشعر أنني مجموعة شخصيات هاربة في الروايات وهي غير موجودة في الواقع، والتلفزيون وحدة من وحدات الرواية، وأحاول تطبيق ذلك قليلاً من خلال عملي لأشعر أنني موجود ومستمر، فأنا تركيبتي شخص حالم، وهذا الحلم لا أقدر إلا الاستمرار فيه بشرطي الفني، إلى حد التوازن مع روحي مع ابتكار ظرف مكاني اجتماعي، لذلك أحياناً أصطدم بالحب في حياتي بين امرأة الرواية والواقع.


ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في تجربتك الإخراجية؟

الصعوبات مستوى المعيشي، لأن الفن يحتاج إلى احتراف، والاحتراف يحتاج إلى وجود مؤسسات تحميك وتحمي المستقبل، وخاصة أنني شخص كل جهودي هي جهود فردية، لذلك إلى حد ممكن أعاني لتحقيق هذا الحلم وما يشعرني بالخوف هو عدم الشعور بالأمان.


ما النص الذي يجذب عمار رضوان لتبنيه؟

نحن ليس لدينا خيارات كثيرة، لكي أختار مشروعاً ما يتجانس معي، الخيارات محدودة جداً، لذلك أختار المشروع فلا يكون على مقاسات طموحي، بل على مقاسات السوق، وشركات الإنتاج والمحطات التلفزيونية، وإن أردت اختيار مشروع على مقاساتي يتناقض مع طرح المحطة، أو مع هوية المنتج، لذلك يبقى الخيار مؤجلاً دوماً ولم يحدث للحظة، ولكن حين أختار عملاً أميل إلى النص الذي يطرح السلوك الإنساني الموجود في العتمة، فأنا أرغب في غير المألوف لإخراجه، أي النمط السريالي الذي يشبه حياتي.

هل ما زلت في حالة بحث عن فرصة تتماشى مع مشروعك وحلمك؟

الحقيقة أنا ابتعدت ولم أقترب، بعد ما جرى في سورية، وكأن دمشق هي حاضنة هذا الحلم، ما كان يشعرني باليأس اتجاه هذا الحلم هو فقداني للشعور بالأمان، ولكن هذا لن يجعلني أيئس، بل سأبحث عن حلول ومناخ يحتضنني بشكل حقيقي.

هل تفضل العمل مع كاتب معين؟

هناك كتاب لم أحب العمل معهم، ولا أرتاح للعمل معهم، أحب يوماً أن أتعامل مع نفسي ككاتب، لأني أفهم نفسي.

مسلسل هذا العالم مجموعة أفلام قصيرة مكتوبة بشكل سينمائي هل من توجه للسينما؟

الحقيقة أحمل مسؤولية التقصير في الأعمال السينمائية لوزارة الثقافة، لمؤسسة السينما، لأنها عبارة عن مؤسسة وظيفية وليس إبداعية لصناعة السينما، فللسينما مقدمات، يجب أن يكون هناك شباك تذاكر واهتمام إعلامي وهذا غير متوفر لدينا، لذلك فقدنا ثقافة السينما جيلاً بعد جيل، وصناعة السينما تحتاج إلى إنتاج كبير للوصول إلى ما يسمى فيلماً سينمائياً، ينافس السينما الأوروبية وهذا ليس متوفراً في سورية رغم وجود كوادر فنية لهذا العمل.

ما المشكلة التي تعانيها الدراما السورية في رمضان؟

إحساسي أن الدراما الآن على الأرض السورية، وما يحدث في سورية أكبر من أي دراما، لذلك هي ستسرق الأنظار، وما يجري سيأخذ حصة كبيرة من الدراما، لذلك أرى أن الدراما السورية هذا العالم قد لا تحقق ألقها المعتاد.

هل أثرت الأزمة سلباً في كم ونوعية الإنتاج الدرامي والتسويق لدى المحطات؟

إننا نعمل فناً، والفن يحتاج إلى راحة على كل المستويات، آمان على كل المستويات، وهذا غير متوفر في سورية حالياً، عملنا خارج سورية لم يكن خيارنا، والتسويق للأعمال في هذه الحالة تأثر أيضاً، فالمحاربة السياسية تجور على كل القطاعات، لكن المحطات تدرك تماماً أنه لا غنى عن الدراما السورية لأن لها جمهورها.

ماذا تقول الخلاف في الوسط الثقافي الفني بسبب الأزمة في سورية؟ وهل أنت مع هذا الصراع؟

أرى أن الفنان يجب أن يقترب من الحالة، ويجب ألا يبتعد، إضافة يجب أن يمتلك ثقافة الحوار، ونحن فاقدون لثقافة الحوار، لذلك عدما جاءت أول صدمة اكتشفنا أننا لا نملكها فنحن كنا مراوغين، حتى في ثقافة الاستماع، ولكن بكل الأحوال وإن اختلفنا في الرأي يجب أن نحترم الرأي الآخر، لأنه وإن كانت اختلافاتنا بالآراء فنحن متفقون على حب بلدنا، لذلك يجب أن نستمع لبعضنا كيف نحب بلدنا.

ماذا تقول عن موقف بعض العاملين في الوسط الفني وكانوا مدعومين من النظام وبالغواً في التصريحات؟

الفن يبدأ بانتقاء المفردات، بشكل حقيقي وعدم تجريح الآخر، وأنا قادر على استقطاب الآخر باستخدام مفردات لائقة، ولكن ما حدث باستخدام البعض لألفاظ غير محترمة كشفت عن تسطح ثقافي ممن ادعوا أنهم حاملو شعار الفن بسورية.

ما الذي يخيفك في الصراع الحاصل في سورية وتعتبره ناقوس خطر حقيقي على الجميع؟

انهيار البنية الاجتماعية، فأنا لم أخش على البنية العسكرية أو المؤسسات، أو النية التحتية بقدر خوفي على البنية الاجتماعية، لأنها إذا انهارت فلن تعود على الإطلاق وستضعنا في مرحلة خطرة، تبدأ من تفكك الأسرة إلى انهيار المجتمع وهذا ما أراه ناقوس خطر حقيقي يجب أن ننتبه له.

ما واجب الدراما نحو الشعب السوري؟

يجب أن تتحدث عن البنية الاجتماعية لتكون أشد ترابطاً مما سبق، ويجب أن تؤكد أننا متقاطعون في الذاكرة، ذاكرتنا واحدة، وألمنا واحد، وهدفنا واحد، وأن تدرك أنه إذا فقدنا هذه الأم تشرد أولادها.

ماذا عن الشعارات الطائفية التي يرتفع صوتها في سورية؟

الشعارات لم يعد لها دور في ما يحدث الآن، فقد ثبت عبر تجاربنا في الحياة أن التجربة الإنسانية انتصرت على التجربة البشرية، وما يجمعنا كطوائف هي الإنسانية، نحن قبل أن نكون مذهبيين نحن سوريون، وما يجمعنا سوريتنا وليس طوائفنا، ودور الفن أن يعيد هذه الذاكرة.


ما دور المثقف السوري في هذه الأزمة؟


يجب أن يتم السماح للطبقة المثقفة وهي واسعة للتدخل، وأن يكون لها دور مما يجري في سورية، لأنها الوحيدة القادرة على قيادة الشارع، والشارع، يحتاج إلى قيادات، وأثبت التجارب أن الشارع لا يقاد بنفسه، وبالشعارات بل بالحكمة، والحكمة أصحابها المثقفون، بالتعاون مع ما يسمى الزعامات التقليدية لأنهم هم من يطبق المصالحة على الأرض.