2012/07/04

(القصيدة المغناة) .. هل فقدت بريقها ؟
(القصيدة المغناة) .. هل فقدت بريقها ؟


سلوان حاتم - الثورة


بداية ينبغي أن نميز بين القصيدة المغناة وكلمات الأغنية باللغة الفصحى لأن فرقاً كبيراً بينهما ولن نعود بالعمر كثيرا لنتحدث عن القصائد التي شغلت العالم العربي

حتى أصبحت تنقل على لسان الجاريات والمغنين في العصور الماضية بل سنعود إلى القرن الماضي فقط لنجد أن ما قدم خلاله من قصائد مغناة أثّر كثيراً في شكل الأغنية أو بتعبير آخر في النمط الموسيقي الذي شهد في آخره التحول إلى الإيقاع السريع للأغنية. وإن عرف القرن الماضي عبر أرباعه الثلاثة الأول مطربين وملحنين وكتاب كلمات وشعراء مميزين فإنه في ربعه الأخير قدّم أسماء دخلت الفن ولا تستحق بأقل تقدير أن تتجاوز عتبة أبوابه الخارجية حتى غدت اليوم فنونا قائمة ناسين أو متناسين أن الفن الأصيل يأتي من الكلمة واللحن ثم الأداء لتنقلب المعادلة وتصبح الشكل الجميل ثم اللحن السريع وليس كثيرا الصوت والكلمات .‏

لاقت القصيدة المغناة في سورية رواجا كبيرا وكانت مطلوبة منذ القديم فأسمهان غنت القصيدة أكثر من مرة مثل أغنية (يا ديرتي مالك علينا لوم) عام 1944 من قصائد الشاعر السوري زيد الأطرش كما غنى فريد الأطرش (عش أنت) للشاعر الأخطل الصغير والتي تعتبر من أهم ما غنى ولحنه الموسيقار السوري فريد الأطرش وكذلك غنى الفنان الكبير جورج وسوف أغنية (صياد الطيور) وهي شعر حديث للشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم وغيرهم الكثيرون الذين غنوا القصيدة بشكل أثر في الناس أشد تأثير .‏

وربما كان الشاعر السوري نزار قباني والشاعر الفلسطيني محمود درويش أكثر حظاً وطلباً عند المطربين وخاصة أنهما اشتهرا عربيا وأحبت الناس كلماتهما حتى فاق اسماهما شهرة على من غنى لهما لأن سلاسة الكلمة حملت اللحن معها إلى الجمهور ولم يجعل نجاح أشعارهما الطلب محليا في سورية فقط بل وصل حدود الوطن العربي من المحيط إلى الخليج فغنت ماجدة الرومي الكثير من أشعار نزار قباني بداية من (كلمات) مرورا بــ (أحبك جدا) و(الجريدة) و(طوق الياسمين) و(كن صديقي) وغيرها ومن يعرف أن أغنية قدمت في الثمانينيات مازالت من أكثر الأغنيات محبة لدى جمهور الغناء لابد سيعرف أن جمال الكلمة واللحن والصوت والأداء عوامل ساهمت في كل هذا النجاح, ماجدة غنت لدرويش أيضا ومن أهم ما غنت له قصيدة (سقط القناع) ويبقى مارسيل خليفة أكثر من غنى للشاعر الفلسطيني خاصة أن درويش كتب كثيرا للقضية الفلسطينية وإن كانت أغنية (أحن إلى خبز أمي) لامست أعماق الجميع بكلماتها الرقيقة .‏

وإذا تحدثنا عن نزار قباني فلابد وأن نذكر قصيدة (عيناك) التي لحنها وغناها الفنان البحريني خالد الشيخ والتي تعتبر تحفة غنائية ولا بد أن نذكر الفنان العراقي كاظم الساهر الذي قدّم من أشعار نزار معظم أعماله وخاصة أن الشاعر الكبير سمح للساهر بغناء ما يشاء مع السماح ببعض التعديل وفق اللحن فقدم الساهر (إني خيرتك فاختاري) بشكل جميل منحت له الضوء الأخضر لغناء المزيد فغنَى (زيديني عشقا) وقد فتحت الطريق أمامه لغناء مجموعة كبيرة من كلمات القباني مثل (مدرسة الحب) و(هل عندك شك) و(الرسم بالكلمات) و(يدك) و(إني أحبك) وغيرها الكثير وطبعا إذا ما تحدثنا عن كاظم الساهر لابد من الحديث عن الشاعر العراقي كريم العراقي الذي غنى له الساهر مجموعة ناجحة من الأغنيات مثل (كثر الحديث) و(متمردة) وغيرها كما أن كاظم قدم واحدة من أجمل ما غنى وهي (أنا وليلى) من أشعار حسن المرواني.‏

ومن أكثر ما رسخ جمالية غناء القصيدة أن السيدة فيروز حملت لنا مجموعة من أجمل القصائد بصوتها وحقيقة يحار المرء في معرفة سر النجاح هل هو القصيدة أم اللحن أم هو فيروز. وهنا لابد أن نسأل سؤالا ففيروز غنت (ياجارة الوادي) وغناها عبد الوهاب الذي لحنها لها وغنتها نجاة الصغيرة فبصوت من وصلت أكثر ؟.. وكي لا نقع في فخ التساؤل سنترك الجواب لمن يقرأ ، كما أن فيروز غنت لجبران خليل جبران (سكن الليل) و(يا بني أمي) وغنت من أشعار قيس بن الملوح مجنون ليلى(أحب من الأسماء) وغنت للأخطل الصغير(يبكي ويضحك)و(يا عاقد الحاجبين) و(قد أتاك يعتذر) وغنت من أشعار نزار قباني(لا تسألوني) ومن أشعار سعيد عقل (أجراس العودة) و(لاعب الريشة)وغيرها.‏

الحديث عن القصيدة المغناة طويل ولم نذكر ما غنته كوكب الشرق ولا عبدالحليم حافظ ولا وديع الصافي ولا نجاة ولا محمد عبدالوهاب ولا محمد عبدو ولم نأت على ذكر لطيفة ومحمد منير وسعدون جابر وعبد المجيد عبدالله وراشد الماجد الذين أقدموا على غناء القصيدة العربية أو حتى النبطية ولكن سنسأل أليس ما ذكر أفضل بألف مرة من أفضل أغنية تقدم حاليا ,كم عمر هذه الأغنيات التي كانت قصائد, كم بقيت هذه الأغنيات تحتل المرتبة الأولى في بورصة الأغاني ,ثم سنسأل أين القصيدة اليوم لماذا فقدت مكانها ولماذا الأغنية السريعة احتلت محل الأغنية الطربية ربما هناك تقصير من الجميع شعراء وملحنين ومطربين ومنتجين وربما فقدت القصيدة المغناة رونقها ، لكن لا أعتقد أنه سيأتي يوم نطرب فيه على أغان من نوع (ما شربش الشاي) أو (كسرتلي السيارة) أو (الواوا أح) .‏