2013/05/29

الكاتبة التلفزيونية إيمان سعيد لماذا توقفت بعد سحابة صيف ؟
الكاتبة التلفزيونية إيمان سعيد لماذا توقفت بعد سحابة صيف ؟


أمينة عباس - البعث



بعد النجاح الذي حققه مسلسلها "سحابة صيف" في أول تجربة كتابية لها على صعيد العمل التلفزيوني توقع جمهور الدراما أن يكون ذاك النجاح محرضاً لها لكتابة أعمال أخرى كما يحدث مع معظم كتابنا، لكن ما حدث مع الكاتبة ايمان سعيد أن هذا الجمهور وبعد عدة سنوات ما زال ينتظر ولادة عمل ثانٍ لها دون جدوى، أما هي فقد أكدت لنا من خلال الحوار الذي أجرته "البعث" معها أنها توقفت بعد مسلسل "سحابة صيف" عن الكتابة الدرامية التلفزيونية لعدد من الأسباب، أهمها أنها لم توفّق بإيجاد توليفة من المحاور تحرضها لتعود للورق رغم إغراءات العروض المقدمة لها وذلك بسبب أزمة النص التي تعاني منها الساحة الدرامية، فضلاً عن أن العزلة التي يعيشها الكاتب أثناء الكتابة تبعده عن أن يرى الناس ويستمع لقصصهم ويواكب سلوكهم الإنساني الاجتماعي المتجدد، خاصة إذا أراد الكتابة في النوع الدرامي الاجتماعي المعاصر، لذلك تعتقد سعيد أن ابتكار عمل جديد يحمل قيمة أو ملمحاً إبداعياً يحتاج إلى وقت، خاصة لمن يشعر بالمسؤولية تجاه هذا المنبر الذي يقف عليه الكاتب حيث يروج لأفكار وقناعات قد تؤثر في عدد كبير من المشاهدين.

كما تؤمن أنه ومثل أية ولادة طبيعية ينصح الطبيب بعدها بالتوقف عن الإنجاب سنتين لترميم ما خسره الجسد، والكتابة كذلك، خاصة وأن الخسارة فيها مجموعة أفكار وحيل درامية وأحداث وشخصيات وقصص أناس تم وضعها على الورق.. ولا تنكر سعيد أن الكاتب في زمن تصاعد عملية الإنتاج الدرامي في السنوات السابقة يعجب بنفسه وتغلبُه طبيعتُه الإنسانية، فهو يرى الأرقام التي تجلس في الخانات الصغيرة للعقود الفنية المبرمة بيد مدراء الإنتاج، ولا غرابة في ذلك لأن الإغراء المادي هو جزء من اللعبة هنا.. وتأسف لأن الدراما هي لعبة سوق قبل أن تكون لعبة فنية أو ثقافية، وهذا ما يجعل الكاتب في بعض الأحيان يتورط  في توقيع عقود الكتابة وأحياناً مع أكثر من جهة وهو لا يدرك بأنه فتح على نفسه باب جهنم مع طاقة الفرج تلك لأن استسهال العمل في الكتابة الدرامية كما ترى سعيد هو بالضرورة رحلة الكاتب في طريق الهبوط وليس الصعود .

وتوضح سعيد أن ضخ المال على الإنتاج الدرامي أوجد نوعاً من الخلل في التوازنات في الماكينة الإنتاجية حيث ازداد عدد المخرجين والفنيين وشركات الإنتاج والطلب على الدراما السورية في سوق الفضائيات التلفزيونية، وهذا لم يتناسب طرداً مع عدد الكتّاب رغم ازديادهم وتغطية خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية-قسم النقد لمساحة كبيرة في ساحة الكتابة الدرامية حديثاً، ومع ذلك بقي السوق –برأيها- بحاجة لتصنيع المادة الربحية التي ستعلق عليها الفواصل الإعلانية بين مشهد وآخر، وبالتالي هذا الوضع بالضرورة عرّض الكاتب وخاصة الجيد لضغط الطلب عليه ليقدم نصه، وهنا تتساءل سعيد من هو الكاتب الذي يقدر أن يقف في وجه الإغراء المقدم باسم المال والشهرة وإثبات الذات؟

وتبين سعيد أنها ليست ضد الكتابة تحت إطار فكرة يطرحها مخرج أو شركة إنتاج إذا غازلت خيالها وانسجمت مع طريقة تفكيرها بالدراما ودورها، وهي التي سبق أن كتبت ثلاثيات درامية في مسلسل من ثلاثين حلقة يدور حول فكرة الإرهاب الاجتماعي وحلقات "أمل ما في" للمخرج الليث حجو في إطار فني مصنع مسبقاً انطلاقاً من أن الكاتب يمكن أن يروض أسلوبه ليتوافق مع أسلوبية جاهزة.. لكن النموذج الأسوأ للكاتب الدرامي كما تؤكد سعيد هو أن يبيع رأسه وأفكاره لصالح (صف الحكي) أو الترويج لمنطق ناس معينين فقط لأنهم أولياء نعمته.. من هنا تشير إلى أن المنتوج الإبداعي المتمثل بالنص الدرامي يدل على صاحبه، وهذه قاعدة عامة برأيها، لذلك يسهل تصنيف الكتّاب بعد قراءة ومشاهدة أعمالهم .

بالعموم تعترف سعيد اليوم بوجود مشكلة حقيقية، وخاصة في المسلسل الاجتماعي المعاصر لأن الموضوعات بدأت تتشابه فيه وهي نفسها وقعت سابقاً بروح المزاج الدرامي العام بما سمي بدراما العشوائيات .

الدراما تكثيف للواقع

وتبين سعيد  أن اللحظة التي تضع فيها يدها على الورق لتكتب هي لحظة منتهية بالنسبة لها ومجرد تفريغ لوقت طويل من تخزين الأفكار لفترة ما قبل الورق وهي تسرق تفاصيل الحياة وتتعاطف مع قصص الناس، وهذا يتطلب وقتاً، وتعتقد أن الكاتب خسر كثيراً عندما ركب سيارته وأغلق نوافذها ولم يعد يعرف ما الذي يحدث وراء أبواب البيوت المغلقة من أحاديث الناس وتنهيداتهم اليومية.. وتؤكد أنها بهذا الكلام لا تدعو إلى الكتابة عن الفقراء فقط وإنما إعادة المثقف والفنان والكاتب الذين تجاوزوا حالة البحث عن الفرصة للعيش مع الناس الطبيعيين وتحويلهم لأبطال قصصهم  دون محاكاة كاملة للواقع بشكل فج تحت عنوان واقعية الكتابة لأن الدراما تكثيف للواقع وليس نقله كما هو .

وبعيداً عن أهمية مشروع الكاتب الدرامي إذا كان صاحب مشروع لا يدرك الكاتب أحياناً -كما تؤكد سعيد- أن وجوده تحت دائرة الطلب من قبل المنتجين لا يعود لجودة ما يكتب بالضرورة بل لوجود أزمة حقيقية في النص في السوق الإنتاجي الفني، بمعنى لا يمكن لأي عمل فني أن يبدأ إلا من لحظة الورق التي يطرزها الكاتب بخياله وتقنياته على النص بصفته المادة التي تقسم العمل لتوصيفات الصورة وتوصيفات الشخصيات وتحديد الأماكن وزمن كل مشهد، نهاري أو ليلي، ورسم إيقاع المشهد بطوله أو قصره أو حرارة الحدث فيه، متى يبدأ ومتى ينتهي.. وغيرها من التفصيلات التي يكتبها السيناريست دون أن يدرك المشاهد أن هذه التفصيلات التي رآها هي آلية تنفيذية لتصورات كانت في نص الكاتب أولاً .

وترى سعيد أن الكاتب الباحث عن ملامح مشروع خاص به في الكتابة يحترم فيها الزمن المنطقي لولادة العمل الفني وساعٍ باتجاه تجديد أفكاره وتقنياته ولا يتعامل مع النص التلفزيوني على أنه أقرب للنص الإذاعي الذي يعتمد الثرثرة المجانية دون تحديد إطار لتصوراته البصرية وربط دلالاته البصرية مع غيرها من الاختزالات الدرامية في لعبة السيناريو القائمة على التشويق وتعدد الأحداث والمتعة البصرية، والخيار الثاني برأيها هو الأصعب لأنه خيار موجود عند بعض كتّابنا الذين يحترمون مشروعهم ويعتبرون الدراما جزءاً من عملية التغيير في المجتمع ومن تسويق الأفكار والتأثير في الناس وليس فقط عملية كتابة آلية وزيادة في الدخل المادي .

وتختم سعيد كلامها مشيرة إلى أنها مازالت تعيد الأسئلة حول ما إذا كانت أزمتنا الفنية أزمة إنتاج ومنطق سوق أم أزمة إبداع حقيقية.. وتأسف لأنها لازالت ترى أن مشكلة الدراما العربية عموماً محكومة بنمطيتنا ككتّاب في الكتابة وباستسهالنا واستخفافنا بعقول الناس وذوقهم وعدم بحثنا عن التميز وخلق الهوية السينمائية أو التلفزيونية الخاصة، الأمر الذي جعلنا مقلدين لنسخ جاهزة مصنعة في مكان آخر من العالم وما نزال في أحيان كثيرة نرى أعمالاً لا تستحق العرض أمام الجمهور لتزيد الطين بلة في انحدار الذوق الجمالي العام.