2013/05/29

الكتابة في دراما 2012 بين الاستسهال في التأليف وتجاوز الذات
الكتابة في دراما 2012 بين الاستسهال في التأليف وتجاوز الذات


علاء الدين العالم – تشرين

إن غياب مؤسسة أكاديمية لتعليم كتابة السيناريو في سورية فسحت المجال أمام الجميع لخوض مغامرة التأليف التلفزيوني، ناهيك عن كثافة الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري في السنوات الأخيرة ما ساعد على منح الفرص للعديد من المواهب الشابة في التأليف الدرامي التلفزيوني

فبدأنا نشاهد أسماء جديدة في مجال التأليف مع كل موسم درامي جديد. لم يكن الموسم الدرامي 2012 كسابقه إذ لم يحمل معه أسماء شابة جديدة في مجال التأليف التلفزيوني، لكن في الوقت ذاته ظهرت أعمال لكتاب شباب يخوضون تجربتهم الثانية أو الثالثة في الكتابة للدراما التلفزيونية.

أيام الدراسة... الاستسهال في التأليف


برز الفنان «طلال مارديني» كمؤلف في الموسم الدرامي 2011 من خلال عملين الأول هو «أيام الدراسة» من إخراج إياد نحاس، والثاني «رجال العز» إخراج علاء الدين كوكش. يخوض مارديني في الموسم المنصرم تجربته الكتابية الثالثة عبر مسلسل «أيام الدراسة» الجزء الثاني، فهل استطاع تجاوز ذاته كمؤلف؟ يعتمد نص أيام الدراسة تيمة الكوميديا كتيمة أساسية للعمل من خلال مجموعة من الشباب الذين جمعتهم مقاعد الدراسة في يوم من الأيام، ينشأ بينهم العديد من المواقف الكوميدية التي يحاول فيها العمل أن يبث الكوميديا ويرسم البسمة على وجوه المشاهدين، لكن من تابع «أيام الدراسة في جزئه الثاني» يدرك مدى فشل النص في القدرة على سبك مواقف كوميدية متماسكة تدعم موضوعة العمل، حيث بقي النص طوال حلقاته الثلاثين يدور حول مواقف أخذت صفة الابتذال والتهريج وعجزت عن صنع كوميديا سوداء وعن إثارة الإضحاك على حد سواء، فأين الكوميديا في مشاهد عراك الشباب الذي لا ينتهي في المبنى، وكيف لنا أن نستنبط الإضحاك من موقف هجوم «يزن، يامن الحجلي» على خشبة مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية وضربه للمثل الذي ضرب صديقه «غسان، طلال مارديني» ما أدى إلى فصل الأخير من المعهد، وأين الكوميديا في حوارات سكان البناء؟؟ والأمثلة على غياب الكوميديا تطول. كذلك يعجز مادريني عن بناء شخصيات متماسكة، متناسيا تاريخها الذي حفر في ذاكرة المشاهد من خلال الجزء الأول، فنلحظ اختلاف نهايات الشخصيات التي وضعها في الجزء الأول مع بدايتها في جزئه الثاني، كذلك نلمس تحولات شتى في كل من شخصيات العمل دون التمهيد بمبررات درامية - ظاهرة في العمل أو مستترة في ماضي الشخصيات -  أو ظهور أسباب منطقية لهذا التحول في هذه الشخصية أو تلك، والمثال الصارخ على هذه التحولات هو التحول الذي أصاب شخصية «شادي، أيمن عبد السلام» فقد تحول شادي من شخص طيب وبسيط ومسالم، إلى آخر يتميز بصفات الخبث والنصب، دون أن نرى حدثاً دراميا دفع بشخصية شادي لهذا التحول، ناهيك والقطيعة مع نهاية شخصيته التي وضعت في الجزء الأول وهذا ما أغلق الباب أمام الولوج في ماضي شخصيته لاستنباط أسباب هذا التحول. وعن الحوار في «أيام الدراسة 2»، نجد أن مارديني وكما في الجزء الأول من العمل عجز عن سبك حوار يدعم تيمة الكوميديا ويزيد من جرعة الإضحاك في العمل. والطامة الكبرى في «أيام الدراسة 2»» هي الهوة التي رأيناها بين عنوان العمل الذي يتمحور حول الدراسة وذكرياتها وبين أحداثه التي لا تمت للعنوان بصلة. لعل موافقة مارديني على تأليف جزء ثان بعد أن أنهى عمله بنهايات سعيدة براقة، كان الثغرة الأولى التي حسبت على فناننا الشاب، بالإضافة إلى ما ذكر سابقا من ابتعاد عن التيمة الأساسية للعمل والضعف في بناء الشخصيات، والعجز عن سبك حوار يدعم مقولات العمل التي يريد مارديني طرحها، وبذلك كان «أيام الدراسة 2» هو مثال صارخ على امتهان التأليف في الدراما التلفزيونية السورية، ونتائج هذا الامتهان الكارثية على الدراما التلفزيونية السورية.

الولادة من الخاصرة... التفوق على الذات


يقدم الكاتب سامر فهد رضوان تجربته الكتابية الثالثة في هذا الموسم من خلال مسلسل «الولادة من الخاصرة - ساعات الجمر»، وكان قد صور له مسلسلا «لعنة الطين» إخراج أحمد إبراهيم أحمد، و«الولادة من الخاصرة» الجزء الأول من إخراج رشا هشام شربتجي. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت للولادة من الخاصرة - ساعات الجمر قبل ظهوره، والاستفسارات التي طرحت عن كيفية قيام شخصيات الولادة من الخاصرة من نهاياتها الفجائعية، إلا أن ما ظهر على الشاشة أثبت قدرة سامر رضوان ككاتب شاب على تقديم عمل متكامل تفوق فيه على ما قدمه في الجزء الأول من الولادة من الخاصرة، فنجد من الحلقة الأولى أن الشخصيات تنطلق مما انتهت إليه في الجزء الأول، وبهذا تلافى نص الولادة من الخاصرة في جزئه الثاني أولى الثغرات، كذلك نجد أن النص يعج بالأحداث التي تساهم وبشكل رئيس في تطور خط سير العمل وتصاعده، وتسهم بشكل رئيس في تحول كل من الشخصيات، ومثال ذلك هو التحول الذي أصاب شخصية «جابر، قصي خولي» من إنسان بسيط جبان إلى آخر ثري قاس، فما جرى مع جابر من صدمته بعدم وجود الأموال التي باع من أجلها كليته، بالإضافة على تعرفه على «أبو نبال، باسم ياخور»، كل ذلك ساهم في صنع هذا التحول الذي أصاب الشخصية، أيضا يبرز مدى الجهد المبذول في النص لدعم تيمة العنف في العمل، من خلال حبك حدوتات وأحداث تزيد من جرعة العنف في العمل وتدعمها،

يضاف إلى ذلك أسلوب التكثيف المعتمد في نص الولادة من الخاصرة، فعلى صعيد الأحداث وسير العمل يبرز التكثيف من خلال الكم الهائل من الأحداث التي يعج بها العمل والتي تلعب دوراً أساسياً في جذب المشاهد وتشويقه من جانب، ورفد مقولة العمل الفكرية وتيمته العنفية من جانب آخر، أما على صعيد الحوار فنلتمس التكثيف من خلال حوارات الشخصيات التي تحمل جملاً لغوية تدعم المقولة الأساسية للعمل، ومن زاوية أخرى نجد لعب الكاتب على تشظية الحوارات وقطعها، فنادراً ما نسمع حواراً كاملا بين شخصيات العمل في دلالة على تشتت مجتمع الولادة من الخاصرة. إن «الولادة من الخاصرة» كان مثالا على تجاوز بعض الكتاب الشباب لما قدموه في أعمالهم السابقة، وقدرتهم على تأليف أعمال تلفزيونية ترتقي بالدراما التلفزيونية السورية، وتظهر القدرة الإبداعية عند الكتاب الشباب.

عود على بدء، فإن غياب مؤسسة أكاديمية لتعليم كتابة السيناريو في سورية في المقام الأول، والاعتماد على نجاحات مسبقة دون السعي إلى تطوريها في المقام الثاني، هي من الأسباب التي تدفع إلى مثل هذه المفارقة في إبداعات الشباب الذين أقدموا على مغامرة التأليف، والتي فشل البعض في تجاوز غمارها، ونجح البعض في تجاوزها بمهارة الكاتب المحترف كـ «سامر رضوان وعدنان العودة»... وغيرهما الكثير من الكتاب الشباب.