2013/05/29

 	الكوميديا السورية.. من أين وإلى أين!...الكوميدية المنبعثة من الفطرة والتركيب النفسي للمجتمع
الكوميديا السورية.. من أين وإلى أين!...الكوميدية المنبعثة من الفطرة والتركيب النفسي للمجتمع


عفاف يحيى الشب – الوطن السورية


إن التركيبة النفسية لكل فرد من أفراد المجتمع البشري تختلف من إنسان إلى آخر وبالتالي فإن الحالة المزاجية لأي كائن بشري قد لا تتواءم مع أي شريك آخر وإن جارى واحدنا الثاني لباقة وأدبا أحياناً فلا يعني هذا أن نكون بعضنا نسخ عن بعض وأننا جميعاً يجب أن نكون ضمن قالب واحد نصفق معاً ونعمل ذات العمل ونبكي معاً ونغني وننام معاً ونخلص إلى نفس الأداء والإدراك..

وعليه كثرت الاختلافات في الطبائع البشرية ليس في جانب واحد بل في جوانب شتى ومن هنا شهدت الحياة الإنسانية إبداعات وتميزات البعض وعانت من علل وأمراض البعض وما إلى ذلك من ملامح وطباع للخلاص إلى مجتمعات مختلفة شكلا ومضمونا وحضارة وتكوينا ولنا في مقدمة «ابن خلدون» خير تفسير وشرح لما ذكرت حيث أكد أن المناخ والطبيعة والبيئة والمياه قد يسهم كل منها في منح البشر طباعا خاصة وأعطى لمناخ مصر ومياه النيل سببا لسرعة البديهة المعروفة عند الشعب المصري منذ القدم من هنا وانطلاقا من تلك المقدمة البسيطة فإنني اليوم ومن مواقع الدراما السورية التي نجحت في بعض المواضيع فأمتعت وأفادت وحققت المبهر من الأعمال والكثير من المشاهدة ووقوفا بالمواجهة البناءة مع الدراما السورية فأنني بكل صراحة وعتاب ومع كل الأسف وشديد الاستغراب أقول: عندما يصل الحديث عن الكوميديا التلفزيونية السورية فإن محصلة أعمالنا الكوميدية تدعونا إلى الإقرار العلني بأنه إن كانت بعض الأعمال نجحت في طروحات محددة ففي المقابل فقد فشلت في العديد من المسلسلات الكوميدية خاصة عندما يتحول العمل الكوميدي إلى (سنتر كوميديا) يعيش أفراده مجتمعين حالة من الهرج والمرج تبتعد بالمجمل عن الكوميديا الهادفة غير المصطنعة ولا المزيفة التي تربك المشاهد أكثر من إدخال المتعة إلى وجدانه وهو يرى أسرة كاملة تنخرط في كوميديا الحركات فتتماهى وتنساح في الحالة التهريجية الفارغة لتصل إلى ارتداء الجميع ثيابا بألوان متضاربة وفاقعة وموديلات مضحكة ومهلهلة مع ربطة على الرأس أو العنق بشكل لافت للنظر أو باستخدام الكثيف من الشعر المستعار أو العكس حيث يبدو رأس احدهم فقير الشعر في مواقع ما ومتطاولا إلى الأعلى في أمكنة أخرى ليصل الحال إلى وضع أسنان مشوهة وبارزة بصورة غير مقنعة ولا جاذبة والتي لا تعني بالضرورة أن صاحب تلك الأسنان خفيف الظل حاضر النكتة وقادر على استجرار بسمة المشاهد والعبور بمواكب المتعة إلى قلبه مهما جاهد ومهما اظهر من براعة في التمثيل وكشر عن أسنانه وتلعثم في الحروف والألفاظ والتعبير.. والحقيقة التي وقفت معها طويلا وأنا ابحث في ملف الكوميديا السورية التلفزيونية عن مجرد قبضة كوميديا تجعلنا نصفق لها طويلا ونسارع إلى رؤياها بكل حبور وسرور واقتناع وتكون متنفسا فيه بعض من أوكسجين الانتعاش كما كان الناس منذ سنوات بعيدة يفعلون حين كان الممثل الكبير دريد اللحام يطل عليهم في مسرحياته الماغوطية الهادفة مرتديا زيا شعبيا فيه لمسات مرحة من أصالتنا العتيقة مع مبالغة محببة تتوضح في الطربوش المائل والشروال الفضفاض والقبقاب الخشبي الذي اشتهرت دمشق بصناعته وتسويقه منذ غابر الأزمان.. ومما هو ثابت بما لا شك فيه مقدرة هذا الفنان لوحده أو بمشاركة ممثلين من نفس مدرسته الإبداعية في احتضان شخصية طريفة المنظر والأداء حملت اسم «غوار الطوشة» بكل ملامحها الشعبية والعفوية والتي تفجر موقفا كوميديا من النوع السهل الممتنع قد يكون موجودا في الحياة لكن الفنان أضاف إليه بعضا من اجتهاده ونفخ فيه روح الفكاهة ليكون صانع كوميديا حقيقية لها وزن وثقل واعتبار.. وأتابع: أن تلك الحقيقة التي أصر على قولها ليس المقصود منها مهاجمة أحد من أرباب صناعة الكوميديا السورية بل احتراما للمشاهدين وحرصا على الارتقاء بأعمالنا إلى المستوى المطلوب وإيمانا مني على أنه من المستحيل أن يكون في الأسرة الواحدة أكثر من فرد ذي طبيعة ساخرة ومرحة له حضور محبب أخاذ وأسلوب لطيف ومستساغ تستهويه العقول وتشرع لأجله أبواب القلوب فتنفرج الثغور وتشرق العيون ويحصل القبول.. أما أن تشهد أسرة كاملة تمتلك حس الفكاهة مع جميع أهل الحارة والمخفر وصولا إلى الخباز والمختار كحال أسرة سبع نجوم مثلا فهذا شيء قد لا يقبله المنطق الحياتي ويستهجنه المشاهدون.. من هذا المسلسل الذي عرفته الشاشة السورية نصل إلى مسلسل «جميل وهناء» في جزئه الثاني الذي كان فيه كلا الزوجين والسكرتيرة يتقمصون حالة المرح المصطنع ويؤدون حركات افتعالية هي أقرب إلى التهريج منها إلى الكوميديا الموجودة في الحياة والتي ربما نجدها حاضرة عند شخص بين آلاف الناس يمتلك طبيعة معينة منبثقة من فطرته وتركيبته النفسية ومع ذلك قد ينعته واحدنا بالغليظ وفق منظوره الخاص أيضا، وكذا الحال بالنسبة إلى «مسلسل مدير عام» الذي حملت فكرته مادة هامة ثرية بالانتقادات والتلميحات لو سارت في مسار معقول ولم تمتد إلى كل من في الدائرة من مدير عام إلى حاجب وسكرتير وموظف ومواطن وهكذا إلى آخر الطابور مع شديد الاحترام للفنان القدير أيمن زيدان.. ليتفق الجميع كما أعتقد وكما سمعت على أن كوميديا الموقف أكثر شعبية وإرواء لتعطش المشاهد لمقولة تتجذر داخله ولا يقوى على إظهارها لأسباب ما فإذا بكوميديا الموقف تقدمها له وجبة دسمة تمتعه وتريحه بل تغنيه وتسر خاطره وهذا ما حرص عليه بعض الفنانين الكبار منهم على سبيل المثال لا الحصر الفنان السوري دريد اللحام والمصري عادل أمام وعليه فقد شهدنا في السنوات القليلة الماضية أعمالا كوميدية سورية زادت الطين بلة وكشفت المستور بما أظهر ضحالة في مفهوم الكوميديا المرغوبة والمحببة والواقعية غير المتطايرة إلى كل من يعمل في المسلسل ولا أدري إن كان ذلك مرده إلى نقص في عدد كتاب الكوميديا ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية أم إن الموضوع هكذا بمعنى أن فنانا، ما، قد يميل إلى الكوميديا فيعمل على إبراز ميوله هذا على حساب الكوميديا السورية ذات التاريخ العريق مع العلم أن الشعب السوري متذوق جيد للنهفة الذكية وقارئ ممتاز للنكتة الظريفة.. وأقول: إن ما جعلني اكتب هذا المقال حالياً وإفراغ مخاوفي على الكوميديا في كلمات وسطور جاء بسبب عتبي الطويل على كوميديا التهريج منذ سنوات ونتاج توجه الكثير في هذه الأيام إلى إنتاج الكوميديا غير الثمينة بالمرح والمعنى والأداء من دون السعي المدروس لإنجاح الكوميديا السورية بطريقة مقنعة وليس باستعراض هزلي يغرب عن مضامين اللعبة الكوميدية التي لا يجوز تعميمها نهائياً على كل كوادر العمل والتي يجب أن تتوخى الحذر في طروحاتها لأن استعراض الكوميديا أشد صعوبة من استعراض الدراما الاجتماعية حيث من الطبيعي أن تكون مشاكل المجتمع متشابهة في مفاصلها العريضة وتفاعلات الناس معها تكون أكثر حدة بسبب ملاصقتها لهم، أما الكوميديا المجسدة في اقتطاع مشاهد، ما، من الحياة وصبها في قالب كوميدي له مفعول سحري للاستحواذ على رضا أغلبية المشاهدين فهذا عمل شائك وشاق ويحتاج الموهبة والإعداد.. وبكل أسف ومع شديد الاعتذار فإن بعض الأعمال الكوميدية التي نأت بكاملها عن المعاني والأهداف الكوميدية على سبيل المثال كانت مؤخراً واضحة في مسلسل (صايعين ضايعين) رغم جمال أغنية العمل التي أداها المطرب «علي الديك» ومسلسل (سيت كاز) اللذين أغرقانا بلوحات مكثفة لكوميديا المشهد الجماعي الموشى بالألوان الصاخبة والزحمة الفائقة والحركات الضائجة والمتشابكة في رقعة من استعراض لمهارة الممثلين أكثر من كونها متلاحمة في حكاية كوميدية لطيفة وخفيفة.. ولما كان لكل مجتمع إشكالاته ومشاكله وفيه أوجاع متعددة الوجوه والأبواب ويحتاج إلى كشف الغطاء عما يسري في بنيانه من حكايات رمضاء كاوية أو جارحة يصبح لزاما على الكوميديا أن تحمل بصمات هذا المجتمع وتكون أداة هامة لإظهار هذه الخفايا وإخراجها إلى شاشات المتابعة بأسلوب محبب مرغوب قادر على تفريغ النفوس من كل احتقان وإدخال حزمات من المتعة إلى القلوب البائسة والمتعبة الباحثة عن ضحكة، ما، تشطف ما يعتمل داخلها من اكتئاب وخمول ومن رضوض نفسية وانفعالات عصبية.. وهنا كما نعلم نشطت الكوميديا السياسية والاجتماعية التي ترجمتها في السنوات الأخيرة بشكل جلي سلسلة، بقعة ضوء فنجحت أحياناً وفشلت أحياناً وكذا الحال بالنسبة إلى مسلسل مرايا الذي استطاع بداية أن يقدم ما يحتاجه المواطن السوري من ابتسامات وما يتطلب من ذوي الأمر تداركه وتحاشيه وتحقيق الصواب لكن الطرح ذاته تكرر وتكرر في مرايا الفنان ياسر العظمة ما أفقده بريقه وتوهجه المرغوب وفي كلا العملين ارتقت الكوميديا مضمونا وشكلا بما يقنع المشاهد ويحترم جلوسه قبالة التلفزيون ساعات طوالاً أثناء عرض تلك الأنواع من الأعمال الكوميدية الهادفة. وفي النهاية أقول: دعونا نسر إلى دراما الموقف المشبعة بالقصص الدسمة التي لا تجند الحارة كلها ولا الدائرة الحكومية كلها لطرح كوميديا السخرية التي تنضح بالاستخفاف من المشاهد فلا تغني من فقر ولا تسمن من جوع ولا هي منداة بالممتعة من حيث إن تحقيق المتعة هي إحدى غايات الكوميديا وبالتالي ليست قوية تستطيع أن تخترق حواجز الصمت وتكسر التعتيم على معضلة ما فتجردها من كل عباءات التضليل وترسلها إلى كل مشاهد ومسؤول على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفني والثقافي بشكل محبب غير مباشر ومعقول.. فهل سرنا إلى كوميديا سورية تسهم في زيادة الوعي وتحقيق المتعة... أتمنى هذا مع دعوة كل كتاب النصوص الكوميدية إلى الانتباه إلى أهمية الكوميديا الهادفة بعيداً عن الإسفاف والاستخفاف لما لها من تأثير وجمال!!!!