2012/07/04

  ماهر منصور- السفير يعتبر دخول لهجة البيئة الساحلية المحكية قاموس الدراما السورية، إحدى ميزات الإنتاج السوري هذا العام. وبرغم أنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه اللهجة درامياً، إلا أن المسلسلات الرمضانية أخرجتها من حيز الإنتاج المحلي، والمتمثل بالخماسيات والسباعيات التي أنتجها التلفزيون السوري، والتي كانت تعرض غالباً على شاشته فقط، لأسباب تتعلق بضعف التسويق (كان آخرها قمر أيلول). كما تجاوز استخدام هذه اللهجة النحو الضيق الذي كان معتمداً في الأعمال الانتقادية الاجتماعية الساخرة، كمسلسلي «مرايا» و«بقعة ضوء»، لتؤسس هذا العام لأعمال تعتمد لغة أهل البيئة الساحلية أنفسهم، المغرقة بمحليتها، برغم أنها تستهدف جمهوراً عربياً وليس سورياً فقط. بالإضافة إلى المسلسل الشهير «ضيعة ضايعة» نتابع في رمضان، مسلسلي «زلزال» و«لعنة الطين». والأعمال الثلاثة تدور أحداثها في المنطقة الساحلية والجبال المحيطة بها. وشكلت اللهجة المحكية لأهل المنطقة عماد هذه المسلسلات. كما تصادفنا هذه اللهجة في أعمال اخرى، منها حلقتان من مسلسل «أبو جانتي – ملك التاكسي»، حيث يقصد «أبو جانتي» مدينة طرطوس الساحلية. كما تتكلم اللهجة ذاتها ميديا (جيني إسبر) في مسلسل «صبايا 2»، حيث تكون ابنة هذه البيئة. ويحمل اعتماد هذه اللهجة درامياً أكثر من مؤشر. فالدراما السورية منذ انطلاقتها الجديدة مطلع التسعينيات، اختارت اللهجة السورية البيضاء، المحكية في دمشق تحديداً، لتقديم أعمال تنوعت بيئات حكاياتها. منها مسلسل «نهاية رجل شجاع». ومع ظهور مشاريع درامية ضخمة في مدينة حلب، قاد المخرج هيثم حقي فيها حركة الإنتاج آنذاك، وقدم أعمالاً عدة، منها «خان الحرير» و«الثريا». وهكذا دخلت اللهجة المحكية الحلبية قاموس الدراما السورية، وأصبحت مع الوقت لهجة مستساغة ومفهومة لدى المشاهدين العرب. ومذ ذاك لم تدخل القاموس الدرامي السوري لهجة ثالثة، إلا تلك التي اقتضتها الضرورات الدرامية. وظل المخرجون يختارون اللهجة الدمشقية البيضاء بوصفها اللغة الأفضل درامياً. حتى مع ظهور ما يمكن تسميته «دراما البيئة» التي تعتمد فيها اللغة المحكية، لم يختر المخرج رضوان شاهين في مسلسله «الحوت»، الذي يتناول البيئة الساحلية، لهجة البيئة الحقيقية. فما الذي حدث لتعتمد الدراما السورية لهجة ثالثة؟ لا يمكن لنا تجاهل النجاح الذي حققه «ضيعة ضايعة»، والذي شكل الحجر الأساس لاعتماد لهجة الساحل في قاموس الدراما السورية. فقدم على الأقل دليلاً واضحاً على أن العمل الجيد فنياً يستطيع أن يتجاوز حاجز اللغة بينه وبين الجمهور، حتى لو اضطر إلى شرح عدد كبير من الكلمات التي يستخدمها الممثلون. ونستذكر كيف ان السوريين منذ مطلع التسعينيات أصروا على الخروج من الاستوديو لتصوير أحداث مسلسلاتهم في بيئاتها الطبيعة، جاعلين بذلك من سوريا كلها استوديو مفتوحاً للدراما السورية. بل تجاوزوا حدود بلدهم نحو بلدان عربية اخرى. ومذ ذاك ونحن نشهد خطوات فنية وتقنية تبشر بانتقال الدراما السورية إلى مرحلة أكثر احترافاً، قد يبدو معها نافراً عدم احترام خصوصية المكان، بما فيها لهجته المحلية. اليوم تطمئن الدراما السورية الى مكانتها لدى الجمهور العربي. ونجد ان عوامل استقرار لهجة ثالثة في قاموس الدراما متوافرة، علماً بأننا على موعد مع لهجة رابعة العام المقبل، هي اللهجة الحمصية التي سنسمعها في مسلسل «وادي السايح» الذي يتم تصويره الآن.