2012/07/04

المخرج الغائب الحاضر أيمن داوود شيخاني لا أعرف لماذا يتم تهميش كان يا ما كان مع أنه من كلاسيكيات الدراما؟
المخرج الغائب الحاضر أيمن داوود شيخاني لا أعرف لماذا يتم تهميش كان يا ما كان مع أنه من كلاسيكيات الدراما؟

نضال بشارة - شرفات

المخرج السوري «أيمن شيخاني» الذي توجّه في السنوات الأخيرة لإخراج دراما خليجية قدم فيها سبعة أعمال، وفي جعبته أعمال سورية عديدة أشهرها «كان يا ما كان»، و«عرسان آخر زمان» الذي سرقت أفكاره في المسلسل المصري «عايزة اتجوّز». وهو بصدد تصوير الجزء الثالث من مسلسل «هوامير الصحراء»، الذي يرصد صراعات الطبقة الثرية فيما بينها في الخليج العربي، وتجاوزاتها للقوانين، وسيصوّر بين الرياض وبيروت ودبي، والذي تنتجه شركة «روتانا» لتعرضه عبر شاشتها.

«شرفات» معه بحوار حول تجربته وتأثير والده عليه الكاتب والمنتج الراحل «داوود شيخاني».

الامتحان الأول

- تستعيد بصيغة أخرى حياة والدك الكاتب الراحل «داوود شيخاني» الذي انتقل من الحياة العسكرية إلى وزارة الصناعة، فالإعلام فالفن والأدب. حدثنا كيف وجدت نفسك في عالم الفن بعد دراسة الهندسة؟

* رافقت والدي منذ الصغر في أغلب أعماله، وتعرَّفت من خلالها على كبار مخرجي سورية. وقد تنوع دوري من مراقب في بدء العمل معه، إلى مشاركة فعالة في إنتاجاته الخاصة باليونان. كما دفعني والدي في بداية العمل معه إلى العمل مع فريق عمال الديكور، كمساعد لهم، ثم تدرجت تلك المهام إلى أن أُوكِل لي الإشراف على الإنتاج ( كمنتج منفذ) على أحد مسلسلاته. وكنت قد أتقنت فن الرسم منذ الصغر ودرسته لاحقاً من خلال دراستي للهندسة المعمارية، الأمر الذي جعل الرؤية الإخراجية الخفية لدي تتراكم وتظهر جلية فيما بعد. وهذا ما دفع لعبة الإخراج لأن تداعب خيالي. وبعد حصولي على ماجستير في الهندسة المعمارية، لم يقبل والدي أن يسلمني إخراج أحد أعماله قبل أن أدرس المهنة أكاديمياً، فكانت الدورة التدريبية في استوديوهات «يونفرسال» في لوس أنجلس. فأنجزت بعد ذلك الجزء الثاني من «كان ياما كان» كامتحان لي وتجربة له ونجح المسلسل.

- عندما تتأمل سيرة والدك الراحل ما المسألة التي تستوقفك أكثر من غيرها في شخصيته؟

* صفاته عندي لا تحصى. فأنا ابنه وبداخلي لا أصفه إلا بكنز ثمين، لغنى تجاربه وتنوع المفاصل الهامة بحياته، وقد عايشتها معه. أما بالنسبة لفنه فسأحدثك عن صفة واحدة فقط، لقد كان صاحب قلم وفكر، ومن يمعن النظر في جميع أعماله سيلاحظها. فلم يكن والدي مجرد منتج، فهو كاتب ضليع باللغة العربية ويعرف كيف يصوغها ويطوعها لخدمة النص الذي يكتبه وينتجه، حتى إنه كتب عملاً درامياً كاملاً مسجعاً لم يسبقه إليه أحد، ولم يستطع أن يكررها بعده أحد. وأعماله تشهد على ذلك من «بصمات على جدار الزمن» و«حرب السنوات الأربع» عالج من خلالهما الفكر الصهيوني، إلى «طبول الحرية» الذي قدَّم فيه رؤيته عن التمييز العنصري، حتى سلسلة «كان يا ما كان» حين أبحر في الأسطورة لإيصال فكرة أو مقولة للعائلة السورية والعربية. فقلمه وفكره وطريقة صياغته لهذا الفكر هي أهم ما ميّز أعماله، وجمعه بين الكاتب والمنتج، صفة قدَّرها الوسط الفني، وأشار إليها، لقد أنتج ما يريد أن يوصله للناس وليس ما يدرّ عليه من أرباح. ومثل هذا النموذج نفتقده بشدة في الوسط الفني هذه الأيام.

انتقاء الصعب

- ما الذي تعلمته من والدك أو حرص على أن يكرّسه فيك؟

* انتبهت في الآونة الأخيرة وتحديداً بعد رحيله، إلى أن كل ما أفكر فيه هو نتيجة مرافقتي له على طول الأيام، فهو لم يتعمد غرس أفكاره فينا، بل كان له سحر خاص يجعلك تتبنى رؤيته دون أن تشعر، ودون أن يفرضها عليك، كحب المهنة والجدية في التنفيذ، المنافسة وانتقاء الصعب، عدم الرضوخ والاستسلام أو الاستهانة بالعمل، ذلك أبسط ما يخطر على بالي الآن.

- أي عمل من الأعمال التي كتبها والدك، كنت تتمنى لو أنك كنت قد أخرجته أنت، ولماذا؟

* مسلسل «بصمات على جدار الزمن» الذي أخرجه الأستاذ الكبير «هيثم حقي». أما لماذا؟ لما للقصة من خلطة متنوعة من تاريخ شبه موثق إلى حكاية مشوقة، ولما زرع فيها من كشف للفكر الصهيوني منذ السبي الأول وحتى أحداث العمل في فترة الحكم العثماني.

- منذ الجزء الثاني حتى الرابع كنت مخرجاً لمسلسل الأطفال الشهير «كان يا ما كان» فهل ترى أن المسلسل أخذ حقه من العرض أم لا، وتوجّه عتاب للتلفزيون السوري لعدم استعادة عرضه؟

* أعتقد أن الجزء الرابع لم يأخذ حقه جيداً، أو على الأقل كما حدث للجزء الأول والثاني والثالث. أما العتب فهو كبير، فمسلسل «كان يا ما كان» هو العمل السوري وربما العربي الوحيد الذي عُرض على محطات أوروبية نتيجة حصوله على الترتيب الثاني على مستوى العالم أجمع في مدينة ميونخ الألمانية. ويُعَدّ ـ شاء من شاء وأبى من أبى ـ من كلاسيكيات الدراما السورية وبصمته واضحة بتاريخ جيله. لا أعرف لماذا يتم تهميشه وتهميش كافة أعمال الوالد بالوقت الذي يعاد عرض الكثير من الأعمال السورية وبالوقت الذي أينما حللت يسألونني الناس عن سبب عدم عرضه ولماذا توقف إنتاجه.

- على الرغم من أنك أخرجت أكثر من عشرة مسلسلات بعد «كان يا ما كان» لا زلت تعرف به هل هذا يزعجك، وقد يرى بعض الناس بذلك سلبية ما؟

* إطلاقاً، فبنظري وعلى الرغم من أن الأعمال التي أخرجتها لاقت الكثير من الأصداء لدى المشاهدين، إلا أن «كان يا ما كان» له لدي مكانة خاصة، وكذلك لدى كل من عمل فيه، وأفتخر بقوة أن أول أعمالي كان على هذا المستوى الرفيع والعالمي.

الشاشة السورية بيتنا

- بصراحة هل يزعجك غيابك عن الشاشة السورية بسبب انشغالك بمسلسل «هوامير الصحراء»؟

لاشك، فالشاشة السورية تبقى راعيتنا كمخرجين سوريين أولاً وأخيراً، ويهمني أن اقرأ اسمي على شاشتها، لكن ما يحصل في الأيام الأخيرة أنه من السهولة أن تتابع العمل الجيد أينما عرض، وهذا ما يحصل مع «هوامير الصحراء». فأنا يستهوني الصعب وهذا العمل هو تحدٍّ بالنسبة لي، وبالوقت نفسه نقلة نوعية للدراما الخليجية، حيث قُدِمت من خلاله بصورة عربية، ومن هنا تأتي أهميته.

- كيف تحافظ على تجديد العمل وأنت بصدد تنفيذ الجزء الثالث؟

* سلسلة «كان يا ما كان» علمتني كيف أحافظ على تطور الأجزاء فيما لو كانت. فالوقوع في الاستسهال واستثمار النجاح بشكل خاطئ هو ما يُسقِط العمل في فخ التكرار وسطحية الهدف. أحرص في «هوامير الصحراء» دائماً على أن يكون هناك تجديد فيما يطرحه العمل من أفكار وحتى طريقة الإخراج، يمكنك بسهولة أن تلاحظ مدارسها المتعددة بإبراز الصورة والحالة الدرامية لكل جزء على حدة.

- عموماً ما الذي تحرص عليه لتقدمه للمشاهدين وهم يتابعون مسلسلاتك؟

إن الفن السينمائي والتلفزيوني أولاً وأخيراً يندرج تحت باب ما يدعى بالـ entertainment أو التسلية، لكن والفرصة سانحة لك كمخرج لأن تقدم فكرك ورؤيتك بوضوح ونبل، فلِمَ لا، وهذا ما يجب أن يكون. لو عاد أي مشاهد لسلسة «كان يا ما كان» سيجد أن كل حلقة مهما حوت من إبهار بصري متميز، هي بالنهاية ذات هدف واضح وترسل عبر حكايتها مقولة لا تقل عمقاً عن أي عمل أدبي. من هنا دعني أوضح خطورة هذا الفن فيما لو استسهله من يعمل به، فنياً أو إنتاجياً، وللأسف هذا ما يحدث في هذه الأيام.

- إلى أي مدى تعيد صياغة بعض المشاهد في أي عمل تخرجه وفي «هوامير الصحراء» خصوصاً؟ وما الدوافع؟

أي عمل قمت بإخراجه كان لي بصمة في معالجته الدرامية، فهذا من مبادئ الإخراج كما درسته في أميركا. فكوني مخرجاً لا يعني أبداً أن عملي يختصر على تنفيذ النص، هذا هو دور ما يدعى بالمخرج المنفذ، فالإخراج هو ليس معرفتك أين توضع الكاميرا أو ما تحتاجه من إضاءة وإلى آخر ما هنالك، المخرج هو من يستطيع أن يرى ما لا يراه غيره في العمل البصري الذي يقدمه ليخدم هدف الفكرة من أساسها، وبالتالي الثقافة هي العامل الأول لنجاح المخرج، وتأتي بعدها الحالة البصرية والتقنية.

- ما شعورك عندما تصدر الجزء الثاني من قائمة المسلسلات الخليجية الأكثر متابعة؟

كنت سعيداً طبعاً، خاصة أن جمهوره كان على كامل الساحة العربية وليس الخليجية فقط. فالجمهور هو الجائزة الأولى للمخرج فيما لو استطاع متابعة عمله، خاصة أن هناك عشرات المسلسلات تُعرَض على عشرات المحطات الفضائية.

خطر «الإيفيهات»

- قرأت أن المسلسل سجّل أول قبلة في المسلسلات السعودية هل سعيت إلى كسر هذا المحظور؟

الصحافة هوَّلت الموضوع أكثر مما يحتمل، فالقبلة كانت بسيطة من فتاة على خد الشيخ أو الهامور الكبير بطل المسلسل، ولا أعتبرها أبداً كسراً للمحظور، ولم أتعامل معها أصلاً على هذا النحو. هذا أولاً، وثانياً أرى أن ما يجب أن يكون محظوراً هو الكثير مما نشاهد ونسمع في بعض المسلسلات من كلام بذيء وما يدعوه البعض بـ«الإيفيهات» السخيفة والسوقية، التي للأسف سريعاً ما تصبح مفردات معتمدة في الشارع العربي وخاصة على لسان الأطفال. الإعلام جهاز خطير جداً، ومن يمتهنه تقع عليه مسؤوليات كبيرة وعديدة، أولها الارتقاء بالذوق العام.

- هل تتابع عادة ما يُكتب على الإنترنت من تعليقات في بعض المنتديات عن المسلسل، وكيف تتفاعل معها؟

أتابع ما تكتبه الصحافة، ويهمني أن أقرأ نقداً حقيقياً لأعمالي مهما بلغت من قسوة أو اختلاف بالرأي، فبالنهاية العمل ليس حكراً على صاحبه، والقلم الصحفي الجيد يغني المخرج ويطور عمله.

- هل تعتقد أن «هوامير الصحراء» يتحمل جزءاً ثالثاً، أم هي رغبة الجهة المنتجة؟

يتحمل الموضوع بمجمله الخوض فيه من أكثر من زاوية، أما رغبة الجهة المنتجة فهي سياسة مشكورة عليها لتبنِّيها عملاً يحمل فكراً ومسائل حياتية يومية. ولو لم تجد أن العمل قد نجح على مستوييِّ المشاهدة والأرباح، لما أرادت خوض التجربة مرة ثالثة، فالمسلسل حقق ربحاً مادياً وفائدة للمشاهدين وحرصاً على عدم إضاعة وقتهم.

- عموماً كيف نُصنِّف أو ننظر لمثل هذا العمل الذي يُنفَّذ بخبرات فنية سورية كاملة؟

* الخبرات السورية فرضت نفسها على مستوى العالم العربي ككل، وأستطيع أن أجزم أن تنفيذ الأعمال الخليجية بخبرات سورية هو ما ساعد على نجاح هذه الأعمال وإيصالها إلى شاشات الوطن العربي، مع العلم أن هناك قدرات تمثيلية جيدة جداً بالخليج. ومع ذلك فهم في القريب العاجل سيستغنون عن الخبرات التي يستعينون بها لنشوء جيل صاعد يُمكِّنهم من ذلك