2012/07/04

المخرج جود سعيد لـ «تشرين»: «صديقي الأخير» يحمل قدراً من استشراف القادم
المخرج جود سعيد لـ «تشرين»: «صديقي الأخير» يحمل قدراً من استشراف القادم


علي وجيه - تشرين

لم تكن دراسة الشاب جود سعيد للهندسة الميكانيكية توحي بتوجّه سينمائي مهني، باستثناء عشق الفتى الصارخ للسينما وتفكيره فيها على الدوام... هكذا، ضاق ذرعاً بالحسابات والمسائل الرياضية، وطار إلى «ليون» الفرنسية في سبيل ماستر الإخراج السينمائي الذي ناله من جامعة «لويس لوميير» عام 2006. عاد بعدها إلى المؤسسة العامة للسينما، وأنجز معها فيلمين قصيرين هما: «مونولوج» (2007) و«وداعاً» (2008)، وفيلماً طويلاً بعنوان «مرة أخرى» (2009 داخل سورية، 2010 خارجها)، نال عدّة جوائز إثر مشاركته في العديد من المهرجانات، وبشّر بنفَس مختلف وطازج في السينما السورية، من خلال تناول العلاقات السورية - اللبنانية استناداً إلى قصة حب بين شاب سوري وفتاة لبنانية.

قبل كل ذلك، قرأ سعيد قصةً قصيرة لإياس محسن بعنوان «القاتل هيّأ للمقتول وصيّة»، فرسخت في خياله على أنّها صالحة للسينما، ولو بعد حين. وهكذا، تحوّلت أجواء القصة في ذهن جود لتتخذ أبعاداً وأشكالاً مختلفة وجديدة، أفضت إلى فكرة بعيدة تحمل عنواناً لافتاً هو «صديقي الأخير». ‏

يقول جود سعيد لـ «تشرين»: «فيلم «صديقي الأخير» فيه من روح القصة، لكنه بعيد عنها، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أجواء تشكّل الفكرة في البداية». ‏

يتبنّى جود سعيد موضوع العلاقات السورية - اللبنانية مشروعاً سينمائياً حقيقياً، ويراهن على ثلاثية، وربما رباعية، سينمائية في هذا الشأن. هو صاحب ذاكرة شخصية في لبنان، قضى هناك فترة من حياته شكّلت عنده مخزوناً فكرياً. هكذا، كان يُفترَض أن تتبع «مرة أخرى» الحلقة الثانية من السلسلة بعنوان «أعراس الخريف»، ولكن الخيار استقرّ عند إنجاز «صديقي الأخير»، مشاركةً مع الفارس الذهبي في الكتابة، وبإنتاج مشترك بين المؤسسة العامة للسينما وشركة «فردوس دراما» للفنانة لورا أبو أسعد. ‏

يبيّن سعيد هذه النقطة: («أعراس الخريف» فيلم ضخم إنتاجياً، ويحتاج لترتيب مختلف، لذلك أعتقد بأنّ الوقت غير مناسب حالياً لإنجازه.. ولكن سأنجزه بالتأكيد). ‏

بعد قيامه بكتابة فيلمه الطويل الأول بمفرده، يتجّه جود سعيد إلى الشراكة مع الفارس الذهبي في نص «صديقي الأخير» مع استشارة درامية لحسن سامي يوسف. «تمّ ذلك مصادفة»، يقول جود عن موضوع الشراكة شارحاً: «بدأتُ مع مجموعة من الأصدقاء، ثمّ التقيتُ الفارس الذهبي في الشارع مصادفةً، واتفقنا على العمل معاً. كانت هناك متعة في الكتابة، وهذه الشراكة ربّما تستمرّ في أفلام قادمة، ولاسيما أنّه على الدوام كان هناك شيء من الفارس الذهبي وفكره في أعمالي، بدءاً من فيلم تخرّجي «وجهك أرض قصيّة»». ‏

تنطلق أحداث «صديقي الأخير» يوم رأس السنة الفائت من محور الفيلم الفعلي د. خالد، الذي يحظى بحبّ الناس وتقديرهم لأفضاله الكثيرة عليهم. الرجل ميسور، وعنده ابنة جميلة وحبيبة رقيقة تعشقه حتى النخاع، وباستثناء عدائه مع عائلته الغارقة في الفساد (الأب كمال والأخ جمال الذي يستعدّ لترشيح نفسه لمجلس الشعب)، يبدو أنّ د. خالد يمتلك كل أسباب الحياة والراحة.. وهذا يتعارض مع إقدامه المباغت على الانتحار بعنف، فيما الساعة تعلن دخول العام الجديد. بموازاة ذلك، نجد العقيد يوسف الذي يودّع أمّه إلى مثواها الأخير، وهو يعدّ أيامه الأخيرة في الخدمة. ونجد «شادر» انتخابات في الحارة الشعبية التي يعمل فيها د. خالد، يتحوّل خلال الفيلم إلى سرادق عزاء وصالة أفراح ومكان لحضور مباريات المنتخب السوري. يبدو أهل الحارة متعلقين بهذا السرادق الذي حمل حتى حبال غسيلهم وشهد أفراحهم وانكساراتهم، قبل أن يتهاوى بكل حمولته. جاء في صفحة الفيلم على الفيس بوك: «انتحار الطبيب خالد يفتح العديد من التحقيقات والشكوك لدى المحقق العصامي يوسف الذي يلتقي مع المحقق الشاب أمجد المواكب للتكنولوجيا الغربية عن يوسف الذي شارف على التقاعد. مواقف إنسانية ومشاعر حقيقية تواجه المحقق يوسف كل دقيقة من متابعته لحياة الطبيب المنتحر، وتنكشف الحقائق تباعاَ تاركةً يوسف بين تفكيره العقلي المسيطر كلياً على حياته وعاطفته ودعوات قلبه للانفتاح على الحياة مرة أخرى.. ما سيحصل هو فيلم «صديقي الأخير»». ‏

يقول جود سعيد عن الفيلم الذي أنجز نصّه في شباط 2011: «صنع هذا الفيلم الآن يحمل معنى كبيراً وقدراً من استشراف القادم، فهو ينتهي عند أعتاب مرحلة جديدة من حياة بلد كامل». ولكن ألن تؤدي الأحداث الحالية إلى تجريد الفيلم من شيء من بريقه وجرعته النقدية والبحثية؟ يجيب جود: «ربّما. النص أنجز قبل الأحداث، وهكذا كنّا قبلها، لذلك، لن نركب موجةً ما لندّعي أموراً ليست حقيقيةً. أعتقد بأنّ تقديم ما يحصل اليوم في سورية سينمائياً، يتطلّب وجود مسافة حقيقية للتعقّل والتفكّر تمهيداً لتقديم قراءة متوازنة وهادئة. وهذه المسافة لم تُخلَق حتى اليوم على عكس المرحلة التي سبقتها». ‏

نلمس في الفيلم ميلاً نحو التشاؤم في الحدث والنهاية، لكن سعيد لا يوافقنا الرأي بإصراره على «وجود تعويل على الجيل القادم، مع استمرارية الصراع في نهاية الفيلم المفتوحة على التفاؤل. تمّ تعديل النهاية لتمنح أملاً أكبر للمشاهد في القادم الأفضل». ‏

خضع نص «مرة أخرى» لبعض التعديلات والنقاشات داخل اللجنة الفكرية في المؤسسة العامّة للسينما ومع وزير الثقافة حتى تمّت الموافقة عليه، فكيف كانت رحلة نص «صديقي الأخير»؟ يؤكّد سعيد أنّ «رحلة النص الرقابية كانت هادئة من دون أيّ اعتراضات حتى على بعض الكلمات الشارعية الحادّة. في رأيي أنّ النصّ عصيّ على الرقابة لأنّه بعيد عن المباشرة. يقول ما يريد من دون إمكانية رفض شيء فيه. شخصياً، أحبّذ البعد عن المباشرة مع احترامي لهذا الأسلوب». ‏

عن طبيعة الشراكة بين المؤسسة العامة للسينما وشركة «فردوس دراما»، يبيّن جود: «مبدأ الشراكة في الإنتاج يتيح مزيداً من الخيارات الفنية ونوعية أفضل في الإنجاز. في «مرة أخرى» حصلت الشراكة بين المؤسسة العامة للسينما و»سورية الدولية»، والآن يتكرّر المبدأ مع «فردوس دراما»». ويضيف سعيد: «شركة الفردوس شريك حقيقي متكفّل بالعمليات الفنية بعد التصوير «بوست برودكشن» والتوزيع وأشياء أخرى من بينها الحملة الإعلانية». ‏

ينجز فريق العمل حالياً مراحل التحضير النهائية، ويقوم المخرج جود سعيد باختبار الشكل البصري والأسلوبية المقترحة للفيلم «حيث يكون نابعاً من النص، ويفتح له آفاقاً أخرى بمعانٍ جديدة». ومن المقرر أن ينطلق التصوير يوم 15 تشرين الأول، على أن يستمرّ شهرَين في دمشق وريف اللاذقية وأماكن أخرى. ‏

في الخيار التقني، سيتمّ استخدام كاميرا «ريد» الجديدة في التصوير، على أن تتمّ عمليات النفخ والتحويل إلى بكرة لاحقاً. يسوّغ جود خياره بأنّ «المعمل الموجود لدينا بات غير مضمون النتائج. العقوبات الأمريكية أثّرت في عمليات معايرته مثلاً، فلم تعد شركة «كوداك» قادرة على ذلك. الريد لها ميزاتها على الرغم من كونها أقل دقةً بصريةً من الـ 35 ملم. سنحاول الذهاب إلى مخابر أكثر شهرةً ودقةً من التي اشتغلت «مرة أخرى» في أوروبا، وكالعادة سنتحايل على العقوبات لنحصل على كود «دولبي» الصوتي كما فعلنا في الفيلم السابق». ‏

بالنسبة للعرض والترويج، يوضّح سعيد: (كان يُفترَض أن يُعرَض بروموشن من الفيلم مدّته 7 - 10 دقائق في مهرجان دمشق السينمائي القادم، ولكن تعليق المهرجان أجّل الخطوة إلى مناسبة أخرى، قد تكون مؤتمراً صحفياً بعد التصوير. بعد إنهاء الفيلم، سنشارك في مهرجان دمشق السينمائي أو في غيره خارج سورية، وهذا مرتبط بتوقيت إنجاز الفيلم. أيضاً، سنعرضه في الصالات مباشرةً داخل سورية بعد عرض خاص ربّما. وهذا كله سيترافق مع حملة إعلانية لائقة وتنظيم نتلافى فيه الأخطاء التي ارتكبناها في «مرة أخرى»). ‏

بطاقة الفيلم المبدئية: ‏

تأليف: الفارس الذهبي، جود سعيد. ‏

إخراج: جود سعيد. ‏


تمثيل عبد المنعم عمايري (د. خالد)، عبد اللطيف عبد الحميد (العقيد يوسف)، لورا أبو أسعد (راما)، أحمد الأحمد (راقي)، مازن عبّاس (تايسون) وآخرين. ‏

مدير الإضاءة والتصوير: وائل عز الدين. مدير الإنتاج: حسني البرم. فريق الإخراج: عمر حمارنة، يوسف يوسف، خلدون حمّود، لارا علي. ديكور: غيث محمود، ياسمين أبو فخر. ماكياج: فريق إيراني. تصميم إعلاني: نسرين بخاري. إنتاج المؤسسة العامة للسينما وشركة «فردوس دراما» 2012.‏