2012/07/04

المرأة تفقد أنوثتها على الشاشة
المرأة تفقد أنوثتها على الشاشة

محمد رضا – دار الخليج

القاسم المشترك بين أفلام جديدة عدّة عرضت أو ستعرض قريباً هو المرأة، ليست المرأة الحانية أو الباذلة أو الواقعة في الحب، بل المقاتلة والقاتلة . أفلام مثل “هانا” و”الحفنة الحمقاء” و”دعني أدخل” و”الرفس” وسواها، تقدّم المرأة وقد فقدت أنوثتها وتخلت عن نعومتها وأخفت رقّة قلبها .

وإذا كان المشاهد من النوع الذي يرفض ترك عقله خارج الصالة بل يصطحبه معه ويوقظه من سباته إذا ما احتاج الأمر، سيلاحظ أن هذه الصورة العنيفة للمرأة تحتوي على محاولتين: الاحتفاء بامرأة غير تلك الرقيقة التي تعودّنا عليها، وهو احتفاء له مخاطره بالطبع، واستغلال حالة اجتماعية سائدة في العالم الغربي تفرز كيانات خاصّة للأجناس البشرية ذاتها، فهناك اليوم ثقافة خاصّة بالرجل، وهناك ثقافة خاصّة بالشواذ، فلم لا يكون هناك ثقافة خاصّة بالمرأة؟

المسألة ليست جديدة . في حكايات “باتمان” في مطلع التسعينات من القرن العشرين شاهدنا كيف أدت ميشيل فايفر شخصية المرأة- القط (كاتوومان) التي تحاول النيل من “باتمان”، لكن البطولة بقيت للرجل . في “أليانز”، فيلم الخيال العلمي الذي تناوب على إخراج حلقاته الثلاث الأولى والأفضل كل من ريدلي سكوت وجيمس كاميرون وديفيد فينشر، أدت سيغورني ويفر دور القيادة . امرأة قوية مهددة طوال الوقت . لكن المسألة في تلك السلسلة هي أنها كانت امرأة ذات مبادئ تحارب من أجلها، كانت البطلة والضحية . حين جاء دور أوما ثورمان في فيلم “اقتل بل” لكونتين تارنتينو، شاهدنا نموذجاً لامرأة تبحث عن العدالة، ما يبرر، ولو سينمائياً، ما تقوم به من عنف . حتى أدوار أنجلينا جولي في “لارا كروفت” ثم “سولت” و”السائح” كان أمامها خط رفيع يمنحها وضعاً مزدوجاً، فهي ليست محاربة فقط، بل امرأة تحارب لأجل الخير (او على الأقل ضد أشرار حقيقيين) . لكن ما نراه هذه الأسابيع هو شخصيات نسائية شريرة أيديها ملوثة بالدم لأن القتل يبدو العمل الوحيد الذي تقوم به .

سواريس رونان، التي شوهدت فتاة صغيرة في فيلم “عزم حقيقي”، تؤدي دور هانا في فيلم بالاسم ذاته ينص على أنها قاتلة محترفة في السادسة عشرة من عمرها!

إميلي براوننغ في  Sucker Punch هي أيضاً فتاة شابّة تقرر أن تنتقم من الرجال وفي مقدّمتهم زوج أمّها الذي كان يشكل خطراً على سلامتها . وهي ليست الوحيدة في سعيها للانتقام بل تصاحبها مجموعة من الفتيات الأخريات في فيلم يحمل العنف والعري والكثير من المواقف المعادية الخالية من التصرّف الاجتماعي السليم .

“دعني أدخل” من تلك الأفلام الموحشة حول فتاة اسمها آبي (كليو موريتز) تستخدم أنيابها في الهجوم على البشر، فهي مصاصة دماء تحاول مساعدة الشاب الضعيف أووَن (كودي سميت مكفي) على الانتقام من الذين يعنّفونه .

في بعض جوانب هذه الموجة، تكمن حقيقة أن الفيلم المستورد من الدنمارك تحت عنوان “الفتاة ذات الوشم التنيني” لاقى نجاحاً كبيراً حين تم عرضه تجارياً . وفي ذلك الفيلم تقوم فتاة اعتدى عليها الجميع (أفراداً ومؤسسات) بالانتقال من الضحية الى الجلاد، إذ تنأى بنفسها عن القيم الأخلاقية وتجد نفسها قد تحررت من المفترضات الاجتماعية، ما يتيح لها أن تنتقم وتعتدي وتثأر لبنات جنسها .

وسواء أكان ذلك الفيلم الذي عرض في العام الماضي، أحد أسباب انتشار موجة تقليد أمريكية أو لا، فإن اللافت أخطر: في وقت لا تجد فيه المرأة الأمريكية مجالاً للتعبير عن نفسها في فيلم سوي، فإن “هوليوود” تتخذها وسيلة للترفيه الدموي . بكلمات أخرى، نجد أن “هوليوود” تضن على المرأة بأفلام جيّدة ورزينة تعبّر عنها وتعيدها إلى حالة من التوق الإنساني والحنان الأنثوي، لكنها مستعدة لتقديم وجه آخر لا علاقة له بالواقع والحقيقة على الإطلاق .

الملاحظ أيضاً في “الرفس” و”الحفنة الحمقاء” و”هانا” أن هناك علاقة حب وكره مع شخصية الأب، وهو قد لا يكون أب الشخصية النسائية بل قريباً لها أو صاحب صورة شكلية كأب . نيكولاس كايج هو الذي يدرّب الفتاة الصغيرة في فيلم “الرفس” على القتل، وسكوت غلن هو الأب السيئ في “الحفنة الحمقاء” بينما إريك بانا، هو زوج الأم في “هانا” الذي يرسل الفتاة البريئة الى المصحّة النفسية على أساس أنها مجنونة حتى ينعم بالثروة التي تركتها زوجته .

وبمزيد من التمحيص، نجد أن هناك جذوراً ليست بعيدة، ففي منتصف التسعينات قرر الفرنسي لوك بيسون إسناد بطولة “المحترف” إلى ناتالي بورتمن، وهو ذاته المخرج الفرنسي الذي سبق أن قدّم “الأنثى نيكيتا” في مطلع التسعينات ولو أن كلا الفيلمين لم يشكل تياراً أو موجة، كما هو الحال الآن