2012/07/04

المسرح السوري حالة إبداع، فهل نحسن استثماره؟!
المسرح السوري حالة إبداع، فهل نحسن استثماره؟!

محمد فرحة - البعث

دعم المهرجانات المسرحية مادياً ومعنوياً

شهدت الدورة الثانية والعشرون لمهرجان حماه المسرحي التي أقيمت مؤخراً، سبعة عروض مسرحية، قد تكون هي الأفضل منذ سنوات، سيما العروض الثلاثة الأولى: «نيكاتيف» للفنان نضال سيجري، و«حكايا الملوك» للأديب الراحل ممدوح عدوان، و«بيت بلا شرفات» للفنان هشام كفارنة.

أما العروض الباقية باستثناء «شيطان بذاكرة ملاك» تأليف جواد الشوفي، وإخراج رفعت الهادي، فكانت دون مستوى النقد، وخير ما يقال عنها، أي بقية العروض: حضر الجمهور، وغابت متعة الفرجة المسرحية، لكن يكفي المسرح السوري بأنه خرج من حالة الكمون التي عاشها لسنوات طويلة، على الرغم من كثرة العروض نسبياً، سيما على صعيد مسرح الهواة في المحافظات، حماه أنموذجاً، إذ يكفي القائمون على هذا المسرح «المهرجان» افتخاراً بأنه لم يتوقف منذ انطلاقته قبل /22/ عاماً من الآن، ولعله الوحيد من بين المهرجانات كافة حافظ على ديمومته، ما يعني أنه لم يفقد بريقه، بل بقيت شمعة متقدة.

فماذا قال نقاد المسرح في عروض مهرجان حماه المسرحي لهذا العام، الذي شهد حضوراً هو الأول من نوعه؟!.

نيكاتيف يستحق المشاهدة

أولى عروض المهرجان كان «نيكاتيف»، نضال سيجري الفنان المبدع نصاً وإخراجاً، فهو عمل رائع ومتكامل، وقف الجمهور في الصالة طويلاً وهو يصفق له، أداءً وإخراجاً.

الكاتب والناقد الياس الحاج، قال عن عرض «نيكاتيف»: لقد شدّ العرض بدءاً من الحركة الأولى على المسرح بإيقاع الممثلين وحركاتهم، فهذا العمل هو صورة عنا جميعاً، فكل ما أراد العرض أن يقوله وصل للجمهور المتلقي في الصالة في غاية السهولة والمتعة، فالعرض مليء بالأفكار، «فنيكاتيف» هو نحن، ولا أبالغ إن قلت: إنني لم أشاهد عرضاً مسرحياً يقطع الأنفاس كما فعل الفنان نضال سيجري في عرضه هذا، حيث قدم لنا العديد من الصور، الفقر.. الكابوس.. المأساة.. الوجع.. الأمل، باختصار العرض يشبهنا جميعاً، والنيكاتيف هو الشيء الذي لا نراه، فالعرض قدم أكثر مما يريد أن يقوله.

أما الناقد المسرحي جوان جان، فقد قال عن العرض: فرقة معاهد اللاذقية للاتحاد الوطني لطلبة سورية أصبحت ظاهرة مسرحية مميزة في كل سورية، بل وحتى خارجها، بدليل أن «نيكاتيف» نضال سيجري قدم لنا العديد من التجارب، وسار في اتجاه في بدايته ليعود في جزئه الثاني إلى اتجاه آخر من حيث الحوار، إلى أن أوصلنا إلى الواقع.

وأضاف الناقد جوان: عرض معاهد اللاذقية عرّفنا على الواقعية والعبثية، لكنه في النهاية أوصلنا إلى التراجيديا إلى المأساة.

الفنان هاشم غزال، الذي أناب عن الفنان نضال سيجري في مناقشة العرض قال: رؤية نضال في العمل مع فرقة اللاذقية هي تنضوي ضمن إطار مشروع جديد هو تفعيل مسرح المحافظات من أجل تطوير وتنشيط الحركة المسرحية في سورية، من خلال تعاونه مع اتحاد الطلبة.

في اليوم الثاني، قدمت فرقة التجمع الفني العائلي باللاذقية مسرحية «حكايا الملوك»، تأليف الأديب الراحل ممدوح عدوان، وإخراج الفنان هاشم غزال.

حكايا الملوك.. وقصص ألف ليلة وليلة

منذ بداية العرض، تبدأ مسألة التنافس على السلطة، محاولاً إظهار هذه القصص في أحلام الناس من خلال لعبهم، وهذا ما يذكّرنا بمسرحية «الملك هو الملك» الذي أخرجها الراحل الكبير سعد الله ونوس في نهاية السبعينيات، وفيها استخدم بشكل جميل وسلس فنية كبيرة إحدى حكايات «ألف ليلة وليلة»، تلك التي تروي كيف أن هارون الرشيد قد اصطحب وزيره في جولة ليلية... الخ، وهذا ما قدمه عرض «حكايا الملوك» بشكل شيق وممتع، وهذا ما أشار إليه الناقد جوان جان، حين رأى في عودة المخرج إلى النص المحلي، الذي ابتعد عنه عدد من مخرجينا في السنوات الماضية، ظناً منهم بأن النصوص المحلية غير مجدية، فأهمية العمل هذا بالنسبة للمخرج هو «مسرح الفكرة.. ومسرح المقولة»، حيث انطلق من الواقع باتجاه الخيال، حيث قدم حكايات من الأساطير تعود لأزمنة قديمة ناقش فيها مفهوم السلطة، اختار خطاً من الأداء ينحو به نحو الكوميديا، على الرغم من ابتعاد الجمهور قليلاً للدخول مع الممثلين في سياق العرض.

في حين قالت الفنانة كاميليا بطرس: لقد قدم المخرج النص كما أراده الراحل ممدوح عدوان،.. ناقداً.. لاذعاً.. هذه هي أعمال ممدوح.

باختصار، «حكايا الملوك» فيه الكثير من الأحلام، والقهر الإنساني، فهذا العمل فيه جهد استثنائي لنص في غاية الأهمية.

وفيه قال الراحل ممدوح يوماً بأنه كتبه عندما شعر بالخوف، وأن أصعب شيء على الإنسان أن يخاف من شيء لا يخيف.

أما مخرج العمل هاشم غزال فقد قال بعد الندوة التي تلت العرض: أشكر كل من وجه لنا ملاحظة.

«بيت بلا شرفات»

المسرح مثله مثل غيره، يحتاج إلى الدعم ليس المادي فحسب، إنما الدعم المعنوي الذي يعطي المسرح قيمته وأهميته من أجل أن يقدم إبداعاً حقيقياً وفناً معاصراً، وفي غياب هذا الدعم في كثير من الأحيان، يبدو المسرح لدينا كأنه ضال أو تائه.

وإن ما نراه من حراك مسرحي هنا أو هناك، هي جهود يبذلها المعنيون المسرحيون المتميزون من أجل إبقاء راية المسرح عالية خفاقة.

أقول هذا الكلام بعدما شاهدت فرقة «المسرح القومي» بدمشق، وهي تقدم عرضها الرائع «بيت بلا شرفات»، نص وإخراج هشام كفارنة، تمثيل الفنانة القديرة جيانا عيد وأمانة والي وسوسن أبو الخير وخلود عيسى وإيمان عودة ورنا ريشة وعفاف حديفي وجمال تركماني، وهذا ما كان ينقصنا منذ سنوات، هو عودة المخرج هشام كفارنة وفرقة المسرح القومي لتقديم عروضه في المحافظات بلغة فنية متطورة جداً، إلى المسرح الشعري المتناغم مع جهد الممثلين، ما أغنى فعاليات المهرجان، وجعل صالة دار الأسد للثقافة تمتلىء قبل بدء العرض بحوالي الساعة.

«بيت بلا شرفات»، قدم لنا عرضاً فيه حكاية مجموعة من النساء اختصرهن في امرأة واحدة على خشبة المسرح من خلال علاقة أزلية مع رجل يُفتتح العرض بجنازته، حيث تشيّعه النسوة وفق طقوس مسرحية على إيقاع مقاطع نثرية شعرية، توضح شكل العلاقة مع رجل يغادر هذه الحياة تاركاً حبيبته وزوجته وأختاً وطفلة.

لقد استطاع الفنان كفارنة أن يصوغ مسرحيته بلغة شعرية عالية، مستخدماً تقنيات الإضاءة بكل مهارة، ومتكئاً على خطابية رثائية من مجموعة نسوة احتشدن في عمق ومقدمة المسرح.

الناقد المسرحي جوان جان قال في جلسة النقد التي أعقبت العرض: لا يمكن تناول العمل بمعزل عن كونه تجربة حية بما يسمى «المسرح التجريبي» الذي يستخدم كل العناصر بشكل غير تقليدي، حيث ترك الجسد، وأخذ روح العمل، وأوصله لنا بطريقة شعرية وبفن تشكيلي بشكل المعرض، حيث وصلت الفكرة للمتلقي في الصالة بشكل جمالي، وقد أبدعت الفنانة جيانا عيد وأمانة والي وبقية الفنانات، حيث أضفن بعداً آخر إلى هذا العمل.

المخرج هشام كفارنة قال بعد جلسة المناقشة: البطل في هذا العرض هو الجمهور في الصالة.. العرض له خصوصية في أدواته ليس من السهل أن تنفذ إلى المتلقي بسهولة.. غاية المنى لدينا كانت بتفاعل وتناغم الجمهور مع العرض..

وقد صفق الجمهور طويلاً لعودة فنانينا إلى المسرح..

شيطان بذاكرة ملاك

في اليوم الرابع لفعاليات المهرجان قدمت فرقة السويداء عرضاً بعنوان: شيطان بذاكرة ملاك تأليف جواد الشوفي، إخراج الفنان رفعت الهادي.

فكرة العرض تتمحور حول أن ما نقوم به من أفعال شريرة هي من وحي الشيطان ففكرة العمل غاية في الأهمية التي تم مناقشتها في سياق العرض المسرحي، ما يعني ما أراده النص والمخرج وصل للمشاهد منذ البداية.

وهو أشبه بالمقالة النقدية تستحق القراءة أكثر مما تستحق العرض على المسرح، حيث خلا العرض من عناصره الفنية كان يمكن أن تساهم في إنجاح العرض أكثر.. وأكثر، ومجمل العمل طرح أفكاراً غاية في الأهمية، لأن الإنسان هو من يتحمل الأفعال دون أي مخلوق آخر أو كائن.

الفنان المسرحي حسن عكلة قال عن العرض: كل ما قيل عن هذا العرض يعبر عن آراء صاحبه، فالهدف الأساسي الذي ابتغاه المخرج رفعت يختلف عن وجهة نظرنا نحن في الصالة، وفكرة النص واضحة، هي أن هذا الملاك.. الشيطان يتنكر لأفعال البشر، فهم أصبحوا يفوقونه دهاءً ومكراً.. عموماً استطاع المخرج توظيف الإضاءة والموسيقا والفضاء المسرحي خير توظيف.

باختصار العمل أخذ بعداً ثلاثياً بين الشيطان.. والإنسان.. والله.. وأراد أن يقدمها لنا كما قدمت في هذا العرض، من خلال قدرة الممثلين الجيدة.. ليستعرض من خلالهم الحدث الراهن ويلقي الضوء على الشيطان بذاكرة ملاك..

مخرج العمل رفعت الهادي قال بعد جلسة الحوار لمناقشة العرض بأن هذا العمل نال قبل فترة جائزة المزرعة /عملاً ونصاً/ وأنا أشكر كل من قدم رأيه في العرض المسرحي.. فالعمل ليس فيه حكاية درامية بالمفهوم التقليدي..

عرض اتحاد عمال حماه

خيّب عرض فرقة اتحاد عمال حماه المسرحية، آمال الحضور، في الوقت الذي ظنوا فيه بأنهم سوف يشاهدون عرضاً مسرحياً ممتعاً فيه كل (الفرجة المسرحية) كما في كل السنوات الماضية.

/حدث في يانتابور/ عن نص /أنت لست غارا/ تأليف الكاتب التركي عزيز نيسين وإخراج عبد الكريم حلاق، هو عنوان عرض اتحاد عمال حماه، فقد بدأ العرض بطيئاً يعلوه الصراخ حيناً والدخان حيناً آخر، لدرجة شعر كل من في الصالة بأنه في اغتراب عن النص والعرض.

الأمر الذي جعل نقاد المسرح يقولون بأن هذا العمل دون مستوى النقد باستثناء جهود الممثل /حيان داؤد/ الذي شغل خشبة المسرح حركة وإبداعاً..

مخرج العمل عبدالكريم حلاق قال: لقد أحببت أن أخرج من النص المحلي إلى النص المترجم.. فقد أكون وفقت.. أو لم أوفق.. هي محاولة.. أأمل أن أستفيد منها ومن ملاحظات المتحدثين في المرات القادمة..

الختام ليس مسكاً!

إذا كان المأثور الشعبي يقول ختامها مسكاً، فهذا لم ينطبق على العرض الأخير من فعاليات المهرجان لفرقة نقابة الفنانين بحماه بعرض /مو..مهم/.

أراد المخرج مولود داؤود من خلال العرض أن يقول: إن الواقع الذي يعيشه معظم شباب هذا الجيل ومعظمهم يحملون شهادات جامعية بلا أي عمل لسد جوعهم وضبطهم وعدم انحرافهم.

مو.. مهم هو ملامس لهذا الواقع الذي يعيشه جيل الشباب.. العرض قد قدم ببساطة مقصورة من حيث المكان والديكور لكن بطريقة فيها الكثير من الإيحاءات غير المستحبة مسرحياً.. إذ عودتنا فرقة نقابة الفنانين بحماه على تقديم الأفضل دائماً نصاً وتمثيلاً وإخراجاً، لكن هذا العام من وجهة نظرنا لم يرتق إلى ماكان مطلوباً ومتوقعاً منها..

رغم أن كافة الممثلين أبدعوا في حركاتهم المسرحية وملؤوا فضاء المسرح، وتحديداً الفنان نبيل جاكيش.

قالوا في المهرجان

الفنان زهير رمضان الذي تم تكريمه في اليوم الأول من فعاليات المهرجان قال: إذا كان مهرجان دمشق المسرحي هو واجهة سورية خارجياً فمهرجان حماه المسرحي واجهة سورية داخلياً.. وشرف كبير في أن يتم تكريمي هنا في حماه.. بلدي.

الفنان مصطفى الخاني الذي تم تكريمه أيضاً في المهرجان قال: شرف كبير لي أن يتم تكريمي في بلدي.. وفي محافظتي.. إنه أغلى من تكريمي من بان كي مون الذي كرمني قبل أشهر من الآن..

الفنانة فاديا خطاب نقيب الفنانين في سورية قالت: منذ كنت صغيرة وأنا أعشق وأستمع إلى أغنية الناعورة.. فإن يتم تكريمي بحماه وبناعورة كدرع للمهرجان فهذا ما أعتز به كثيراً..

الفنانة لورا أبو أسعد قالت: كم أنا سعيدة بهذا الحضور الكبير العاشق للمسرح.. الذي أنساني تكريمي.. أعدكم أن أكون معكم في العام القادم بعملٍ مسرحي إن شاء الله.

الفنان الموسيقي الكبير أمين الخياط قال: سعادتي لا توصف فهذه هي المرة الثانية أزور فيها حماه.. كانت الأولى عند إحداث نقابة الفنانين واختبار فنانينها، والثانية اليوم مكرماً وسط هذا الحضور الذي نادراً ما نراه في صالة من صالات المسارح السورية.

الناقد المسرحي جوان جان: مسرح حماه يتطور باستمرار من عامٍ لآخر والمهم في كل ذلك استمرارية الحركة المسرحية متقدة..

يذكر بأن ندوات الحوار التي أعقبت كل عرض ترأسها الأديب والشاعر مصطفى صمودي، أما مناقشة العروض درامياً ومسرحياً فكانت لجوان جان..والياس الحاج.. وكاميليا بطرس. وشهد المهرجان إقبالاً جماهيرياً قد يكون الأول من نوعه.

أثنى جميع ضيوف المهرجان على إدارة الفنان معمر السعدي نقيب فناني حماه ومدير المهرجان على جهوده المبذولة ومتابعته لأدق تفاصيل دورة المهرجان.

باختصار المسرح السوري مازال يعاني من العديد من الأزمات المزمنة يأتي في مقدمتها الوعي الثقافي والفكري والإدراك الحقيقي والخلّاق لدور المسرح، ثم غياب النقد المسرحي الحقيقي البعيد عن المجاملات حيث يتم كيل المديح لهذا النص.. أو ذاك في ندوات الحوار وفي الجلسات غير الرسمية يحدث العكس تماماً.