2012/07/04

المسلسلات التاريخية بين الحقيقة والتسلية
المسلسلات التاريخية بين الحقيقة والتسلية


علا يونس أحمد – البعث

منذ حوالي عقد من الزمن درجت بعض الفضائيات العربية على عرض مسلسلات تركية مدبلجة وغدت مطلوبة شعبيا ورائجة بشكل ملفت للانتباه، ويرى البعض أن أسباب نجاح هذه المسلسلات لا يعود بالضرورة لكونها تعكس نمط الحياة التركية إذ أن بعضها لم يلق رواجا حتى في بلده الأصلي، وربما ليس بالضرورة أيضاً من قوة الحبكة التي تنسج القصة، ولا الرسالة الهادفة التي تكون غالباً ضحلة وخاوية، وأقول زيادة على ذلك ليس براعة الممثلين وجودة التمثيل أيضاً، لكنني أعتقد أن التفوق التقني، جمال الصورة والمشاهد وجمال الممثلين والممثلات، الديكور والملابس والطبيعة كلها أسهمت في جذب الجمهور إلى هذه الدراما، وحالياً يعرض على قناة دبي مسلسل "حريم السلطان" الذي يسلط الضوء على فترة سلطان عثماني حكم لمدة 46 سنة، كان له اسمه ووزنه في تاريخ إمبراطورية حكمت ووصلت بحدودها يوما ما إلى بلاد أوروبية...

صحيح أنه اختيار شخصي أن تحب مسلسلاً ما أو تكرهه ،لكن بشرط ألا تعتقد انه مصدر للتاريخ وإنما للترفيه فقط ليس إلا، هذه المقولة كثيرا ما نسمعها في المناقشات التي تدور حول الأعمال الدرامية والتي تمت بصلة وثيقة  للتاريخ، ولكني أختلف مع هذه الجملة كثيرا ففي وقتنا الراهن أصبح التلفاز من الوسائل الأساسية والسهلة في الحصول على المعلومات، فيقع على عاتق من يقدم هكذا أنواع من الأعمال الدرامية أن يكون أميناً ما أمكن ذلك، وموضوعيا وحريصا جدا في تقديم المعلومات، فالحقيقة التاريخية واحدة لكن وجهة نظر الكاتب وكيفية تقديمه لتلك الحقيقة هي العنصر الأساسي والحبكة الرئيسية فإما أن يتعاطف الجمهور مع الجلاد أو ينبذ ذلك الحاكم من كتبه وذاكرته.

تدور أحداث المسلسل في القرن السادس عشر حول السلطان العثماني "سليمان القانوني" الذي قام بالعديد من الحملات العسكرية في البلاد الأوربية لتوسيع مستعمرات الدولة العثمانية وحاول أن يجعل من السلطنة قوة لا تقهر

نتعرف في "حريم السلطان" على ملامح الحضارة العثمانية ابتداء من أدق التفاصيل بالملابس التي تختلف حتى بين طبقات الجواري، مرورا بفن التصميم الداخلي والمعاملات والعادات وصولا إلى تراتبية القصر وإدارة شؤون الحكم.

تتركز أحداث المسلسل على الجانب العاطفي والنسائي للسلطان كما نقرأ من عنوان المسلسل فتتشابك خطوط الرومانسية لتلتقي مع عقد النساء ومكائدهن من خلال زوجة السلطان "ناهد دوران" التي تكافح لأن ترجع زوجها السلطان إلى أحضانها بعيداً عن  الجارية " هويام " التي تستحوذ على عقل السلطان لتنتصر في النهاية وتتزوجه فتصبح السلطانة الآمرة الناهية في كثير من أمور الدولة العليّا وتتوصل بها المكائد إلى دفع السلطان لقتل ولده مصطفى  من غريمتها "ناهد دوران" ليتولى ابنها سليم الثاني الحكم .. "هويام" أو "خرم" حسب العديد من المصادر التاريخية هي شخصية يهودية وتعد واحدة من الأسباب التي سمحت بتسلل اليهود إلى جسد الدولة العثمانية لكن الكاتب قدمها على أنها جارية روسية أرثوذكسية بحسب مصادر أخرى ،إذ لا يخفى على المتتبع أن اختيار الكاتب لأن تكون من أصول مسيحية أرثوذكسية بدلا من اليهودية ليكون الطرح منسجما مع السياسة التركية الحالية التي ترتبط بوشائج قوية مع الكيان الإسرائيلي "الكساندرا" هو اسم الجارية قبل لقائها بالسلطان والذي أصبح "هويام" بعده ،الجارية التي أعلنت إسلامها بناء على نصيحة "سنبل" المسؤول في الحرملك تمهيدا لخطواتها اللاحقة في الوصول إلى هدفها ، سنبل هذا العبد الذي مرسّته السنون على استخدام دهائه للحصول على مأربه وعلى إرضاء أسياده.

يعد حريم السلطان واحدا من المسلسلات التركية المتميزة، بما يحمله من إثارة وتباينات تاريخية أغلبها موثق، كان لها تأثير مباشر سواء في الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا والمناطق المجاورة لها أو في الحبكة الجانبية المشغولة بإتقان والتي تصب في مصلحة تطوير الخط الرئيسي كقصة حب إبراهيم باشا لأخت السلطان " خديجة" أومن خلال الحبكة الدرامية التي تجذب  المشاهد وتجعله يعيش أيام السلطان سليمان بكل ما فيها من حكايات وراء الكواليس وفي خبايا القصور العثمانية في تلك الفترة.