2013/05/29

المسلسلات المدبلجة.. قصّة صناعة من الألف إلى الياء
المسلسلات المدبلجة.. قصّة صناعة من الألف إلى الياء


صهيب عنجريني – السفير


من «نور» و«سنوات الضياع» مروراً بـ«وادي الذئاب» و«العشق الممنوع» وليس انتهاء بـ«حريم السلطان».. عاصفةٌ من المسلسلات المدبلجة غزت الفضاء العربي، ولا يبدو أن ثمة نهاية لها تلوح في الأفق. فالعاصفةُ التي تسللت بهدوءٍ ونعومة، عرفت كيف تكتسي لبوساً ربيعياً لا تنفعُ معه نواقيسُ الخطر. يجدُ المتلقي العربي نفسه وعلى امتداد أحد عشر شهراً، إذا ما استثنينا شهر رمضان موسم الدراما العربيّة، نكون على موعد دائمٍ مع حكاياتٍ لـ«أبطال» و«نجومٍ» متقنة مرةً، وباهتة مرات ومرات.. لكنّها رائجة وجذابة دائماً، ومقدّمة بلهجاتٍ مأنوسة، وعلى رأسها اللهجة الشاميَّة، مستفيدةً من انتشارها بفعل نجاحٍ سبق أن حققته الدراما السورية. ورغم أن الدراما التركية هي الأكثر انتشاراً على خارطة الأعمال المدبلجة، إلا أنها ليست الوحيدة في هذا المضمار، إذ تطول القائمة لتشمل الإيرانية، الإنكليزية، الإيطالية، الإسبانية، الهندية، المكسيكيَّة، وحتى الصينية في بعض الأحيان.


ورشة في الإعداد


ثمة طريقان تسلكهما الشركات السورية في دبلجة الدراما الأجنبية، أولهما يقوم على شراء المسلسل من الشركة المنتجة، ومن ثمَّ بيعه إلى إحدى القنوات ليُعرضَ بعد إنجاز عمليات الدبلجة. وثانيهما ـ بات الأكثر انتشاراً ـ عبر القيام بوظيفة «المدبلِج المنفِّذ»، إذ تشتري المحطة التلفزيونية المسلسل، وتَعهد بعملية دبلجته إلى واحدةٍ من تلك الشركات مقابل أجرٍ محدَّد. تُمثِّل الترجمة أولى الخطوات في عملية الدبلجة، فيُكلَّف مترجمٌ أو أكثر، حسب طول العمل والفترة المتاحة قبل بثه على الهواء، بترجمة الحلقات، إمَّا اعتماداً على النص الأصلي للمسلسل «السّكريبت»، أو عبر مشاهدة الحلقات. وفي الحالتين فإنَّ المترجم المحترف عادةً لا يحتاج لأكثر من ساعتي عملٍ لترجمة الساعة الدرامية الواحدة. وتوضح نور التي تعمل في هذا المجال أنَّ الاعتماد على مشاهدة الحلقة يساعد المترجم في الوصول إلى سرعة إنجازٍ أكبر، وعمل أدقَّ، خصوصاً وأنَّ ممثلي العمل بلغته الأم قد يغيرون أحياناً صياغات بعض الجمل أثناء التصوير. ويتراوح الأجر الذي يتقاضاه المترجم بين ثلاثة وأربعة آلاف ليرة سورية (أقلّ من خمسين دولاراً) مقابل كلّ ساعة دراميّة. وتلعب اللغة الأصلية للمسلسل دوراً في تحديد السعر، فأجر الترجمة عن التركيّة مثلاً أعلى من أجر الترجمة عن الإنكليزيّة. بعد المترجم يأتي دور المُعِدّ، ومهمّته إعادة صياغة الحوارات وفق عددٍ من المعايير، يشرحها لنا المعدّ أحمد. مثلاً، يجب أن يناسب طول وقصر الجملة مع زمن حركة شفاه الممثل، فالسرعة التي تُنطَق بها اللغة الإيطاليَّةُ تختلفُ مثلاً عن تلكَ التي تُنطَق بها الفارسيّة، وتختلفُ الاثنتان عن سرعة نطق العربيَّة. كما يتولّى المعدّ مواءمة الجملة بالعربيّة مع حركة شفاه الممثل من فتحٍ وضمّ وحروف شفوية وخلافها، فعلى سبيل المثال جملة: «Günaydın غونايدن» التركية لا يمكن تركها في النّص المُعَدِّ «صَباح الخير» بل يتم تعديلها لتصبح «شو أخبارك» مثلاً. ثالثاً، توافق الحوارات مع ثقافة الشارع العربي، وخصوصاً في ما يتعلق بالأمثال الشعبية، والأقوال المأثورة، والنّكات، وقد يضطرّ المُعِدّ في بعض الأحيان إلى تعديل خطّ دراميّ بأكمله، ومن ذلك مثلاً الالتفاف على علاقةٍ مثليّة ربطت اثنتين من شخصيات المسلسل الأميركي «داينستي» الذي نفّذت عمليات دبلجته شركة «سامة»، وعرضته شاشة روتانا «كلاسيك». كما أنّ هناك العديد من المشاهد التي يتمّ حذفها من النسخة العربيّة، وخصوصاً المشاهد الحميمة.

ومن مهمّات المعدّ أيضاً، تغيير أسماء بعض الشخصيات... وهذا يتمُّ غالباً مع المسلسلات التركية والإيرانية، فيما تُترك الأسماء في المسلسلات الإنكليزية والإسبانية كما هي خاصةً إذا كانت الدبلجة تتم باللغة العربية الفصحى. وعلى سبيل المثال فقد تمّ تغيير اسم بطل سلسلة وادي الذئاب الشهيرة من «بولات ألمدار» إلى مراد علمدار. كما تمَّ تغيير اسم بطلة مسلسل «ندى العمر» من «إده» إلى ندى، وقد يطالُ التغيير أحياناً اسم المسلسل ذاته، فـ«ندى العمر» هو في الأصل التركي «درب التبان».

يستغرق المعدّ المحترف عادةً أربعة وعشرين ساعةً من العمل لإنجاز ساعةٍ دراميَّة واحدة، إذ يضطرُّ في بعض الأحيان إلى مشاهدة المشهد الواحد عدة مرات، ويتراوح أجره بين أربعة وخمسة آلاف ليرة سورية، وقد يبلغ في أفضل الأحوال ستة آلاف ليرة سورية (حوالي ستين دولاراً) وهو أجرٌ متدنٍّ قياساً إلى أجر المترجم وفق ما يؤكد أحمد، خصوصاً وأنّ الإعداد المتقن يتطلّب وقتاً.


«طبقيّة» في كواليس التسجيل

خلافاً لما يظنّه المتلقّي فإنّ تسجيل أصوات الممثلين لا يتمّ بصورة جماعيّة. فالممثل قد لا يلتقي حتى شركاءه في المشاهد ذاتها. يحضر الممثل إلى الأستوديو وفقَ موعدٍ يتفق عليه مع مساعد المشرف، الذي يتولى عادةً مهمة تفريغ الحوارات وإعداد جداول بعدد مشاهد كلّ شخصيّة على حدة، وتنسيق مواعيد التسجيل. ويكون مساعد المشرف عادةً موظَّفاً وفق راتب ثابت يتراوح بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف ليرة سورية مقابل ثماني ساعات دوام يومياً، ويوم عطلة وحيد أسبوعياً، وقد يعملُ في مسلسلين أو أكثر في الوقت ذاته.

داخل غرفة التسجيل الصغيرة والمعزولة صوتيَّاً توضع شاشة عرضٍ يتابع الممثل/ المدبلِج عبرها مشاهد الشخصية التي يقوم بتسجيل صوتها في النسخة العربية، وبطريقة إلقاء تراعي بالدرجة الأولى مزامنة الصوت مع الصورة. ينجز الممثل ما يتراوح بين 15 و25 مشهداً في الساعة الواحدة وتبعاً لطول وقصر المشاهد وطبيعة المسلسل. ويتراوح أجره عن المشهد الواحد بين مئتي وثلاثمئة ليرة سورية، وكما في التمثيل فإن للممثلين العاملين في الدبلجة طبقاتهم وتصنيفاتهم أيضاً، وبينهم نجومٌ وممثلون مساعدون وكومبارس. ومنهم من تفرَّغ بشكل كامل للدبلجة، إما لأنّه اعتزل التمثيل لسبب ما ـ الممثلة روعة السعدي مثلاً ـ أو لأنَّه لا يجد موطئ قدمٍ له في الدراما السورية. ومنهم من استمرَّ في المكانين (مكسيم خليل مثلاً). كما أنَّ بعضهم استمدّ شهرةً من العمل في الدبلجة، رغم مشاركته في عدد كبير من المسلسلات السورية، ومن هؤلاء الممثل شادي مقرش الذي استمدّ شهرته من تأدية صوت مراد علمدار والذي قال عن تلك التجربة: «لا أنكر على الإطلاق أنه ساهم بتداول اسمي كثيراً، لكنّه لم يقدم لي شيئاً جديداً على المستوى الفني أو المادي، كما أنني لم أحظ بامتيازات أكثر من المعتاد».


المرحلة النهائيّة

بعد تسجيل الأصوات يدخل العمل المدبلجُ مرحلة العمليات الفنية (مكساج، مونتاج..) حيث تُعزلُ أصواتُ ممثلي النسخة الأم، ويتم تركيب أصوات ممثلي النسخة العربية ودمجها مع المؤثرات الصّوتية بنسبٍ تريح السامع ولا تطغى على بعضها. يقوم بهذه المهمة مهندس الصوت، وبإدارة المشرف الذي يقوم بوظيفةٍ مشابهةٍ لتلك التي يقوم بها المخرجُ الإذاعي. يتراوح الراتب الشهري لمهندس الصوت بين ثلاثين وأربعين ألف ليرة سورية، ويزيدُ راتب المشرف بحوالي عشرة آلاف ليرة سورية، ويخضع ذلك لجملة معايير منها الخبرة والشهرة، والشركة المتعاقدة. في معظم الأحيان لا يرتبط العاملون في مضمار الدبلجة بعقودٍ مع الشركات ويعتمد الأمر على «الثقة المتبادلة وحسن النوايا»، وهذا يعني بطبيعة الحال عدم تسديد معظم الشركات أي ضرائب أو رسوم.


قبل وبعد الأزمة

قبل الأزمة السورية كان عدد شركات الدبلجة في تزايدٍ مستمر، ومن أشهر الشركات العاملة في هذا القطاع، شركة «سامة»، «تنوير»، «فردوس»، «آي بي سي». لكنَّ الحال تبدَّل مع المستجدات، وخصوصاً في الأشهر الأخيرة، فتوقفت بعض الشركات عن العمل، فيما استمر البعض الآخر، وخصوصاً الشركات الكبيرة منها، والمرتبطة بعقود طويلة الأمد مع عدد من الفضائيات. وافتتحت بعض هذه الشركات استوديوهاتٍ في دول ٍ مجاورة، فعلى سبيل المثال انخفض عدد الأعمال التي تنفذها شركة «سامة» في استوديوهاتها في دمشق، وبدأت تنفيذ بعض الأعمال في لبنان.