2012/07/04

المشاهد يبحث عنها أينما يذهب الشاشات العربية قلب الأحداث
المشاهد يبحث عنها أينما يذهب الشاشات العربية قلب الأحداث

تحقيق: مصطفى عبدالرحيم – دار الخليج

يقضي المشاهد العربي مع تعدد القضايا والأحداث حالياً ساعات طويلة من يومه، متنقلاً بين القنوات المختلفة، محاولاً

التعرف إلى كل جديد يحدث من حوله، خشية ألا يفوته خبر أو تعليق أو تحليل أو حتى صورة لموقع الحدث . وبمجرد أن

يدخل أحدنا منزله، يفتح التلفاز ليتعرف إلى ما حدث خلال فترة تغيبه . متناسياً شعروره بالجوع أو حتى حاجته للراحة.

وهناك من تراه يدور برأسه في المحال والمطاعم باحثاً عن شاشة، يتعرف من خلالها إلى مستجدات الأحداث . ترى

عم يبحث المواطن العربي في تلك الشاشات؟ هل يبحث عن ذاته؟ أم يطمئن على نفسه ومستقبل أبنائه؟ وأين

هي قنوات الترفيه والتسلية التي غرقنا فيها لسنوات مضت؟ هل أصاب المشاهد العربي ما يحدث في الشارع؟

أسئلة نحاول الإجابة عنها في هذا التحقيق

يتابع فراس مسماري، طالب ليبي في السنة الثالثة بكلية الطب جامعة عجمان، الأحداث في ليبيا عن طريق قنوات “الجزيرة”، و”العربية”، و”bbc”، إضافة إلى الفيديوهات المرفوعة من قبل الليبيين على موقع “you tube”،

للتعرف على ما يجري في بلده لحظة بلحظة، عبر ما توفر له من وسائل عدة . أولاها شاشة التلفاز التي تلتف حولها العائلة طوال اليوم .

وعن قنوات الترفيه وموقعها من اهتماماته في تلك الأيام، يقول: أعتقد أن الظروف الراهنة جعلت المشاهد العربي لا

يفكر في مشاهدة الأفلام، أو سماع الأغاني . وجعلت من السخيف أن يتابع الإنسان مباراة لكرة القدم، تاركاً دماء الأبرياء تسيل على الأرض، باحثاً عن التسلية، لا سيما إذا كان الشأن يهم كل مواطن عربي

أما أحمد هاني طالب بكلية الهندسة، فيرى أن الأحداث الأخيرة أثبتت أنه لا مجال لإخفاء الحقيقة، مهما كانت درجة

أهميتها ومكانها البعيد، في ظل كثرة السبل المناسبة لنقلها، فإذا لم يكن التلفاز، فهناك الإنترنت، وإن لم تكن كاميرا

التصوير والمصور المتخصص، فهناك كاميرات الهاتف النقال، والمصور الهاوي . وإن منع مراسلو القنوات الفضائية، فكل

من يشارك في الحدث مراسل . ويضيف هاني ان الأحداث الأخيرة في المنطقة صدقها الناس لأنها كانت من أشخاص

عاديين تحولوا مراسلين من قبل الحدث، وهو ما أضفى عليها المصداقية، بعيداً عن الرسائل المنمقة للمراسلين المتخصصين .

“الحدث فرض نفسه”، بهذه الكلمات بدأ محمود الورواري، مقدم أخبار بقناة “العربية”، في تعليقه على المتابعة

المحمومة للأحداث من قبل المشاهد العربي، الذي شعر بالأمل بعد أن اختطفته لعشر سنوات قنوات السخف والفيديو كليب .

ويضيف الورواري أن المشاهد العربي حرره الأمل والألم: الأمل في غد أفضل له ولأبنائه، والألم الذي اعتصر قلبه لما يجري في أجزاء من العالم العربي .

ويشير إلى أن بين المشاهدين من يسهر أمام الشاشة، ولا يذهب إلى عمله ليتابع الحدث لحظة بلحظة، ويبقي

عينه مفتوحة حتى لا يفوته صورة أو خبر، لافتاً إلى أن التغطية المستمرة للأحداث من قبل القنوات الإخبارية لحظة

بلحظة، ربطت الناس بالحدث . وأصبحوا مطلعين على تطوراته كأنهم في الميدان . ساعدهم في ذلك الفترات

المفتوحة المخصصة لمتابعة الأحداث عبر شبكة المراسلين، والكاميرات التي اعتبرها المشاهد بمثابة عينه في قلب الحدث .

وعن مهنية بعض القنوات الإخبارية وإعلامييها يقول: أسقطت الأحداث التي مرت بها المنطقة مؤخراً الكثير من الأقنعة،

سواء لقنوات أو لشخصيات إعلامية، فمن بين القنوات ما خرج لتصفية حسابات مع شخصيات ورموز، وراحت بعض

الشخصيات والقوي تصفي حساباتها وتتشفى في أوطان، وهو ما تمكن المشاهد العربي، الذي أصبح يتمتع قدر كبير الذكاء، من كشفه .

وبينما خرجت قنوات تتشفى وتقلب الناس، خرجت أخرى تحاول أن تقف على مسافة واحدة بين كل الأطراف .

ويقول أيمن إبراهيم، مقدم أخبار في تلفزيون “دبي”، إن جزءاً من التغير الحاصل في المنطقة أصاب الإعلام العربي، وأسهم إلى حد كبير في إحداث تغير تنويري لدى المشاهد العربي، حيث أصبح أكثر تفهماً واستيعاباً لما يدور حوله

وأشار إلى أن الأحداث السريعة المتواترة وغير المتوقعة في المنطقة، شكلت مادة مهمة للقنوات المختلفة، حيث خصصت الكثير منها مساحات كبيرة على مدار الساعة لتغطية الأحداث .

ويشير إبراهيم إلى أن سبب عزوف الناس عما يسمى بقنوات الترفيه التي غيبت عقولهم لسنوات، هو أهمية الحدث

أو الخبر في حد ذاته، الذي طغت نجوميته على نجوم السينما والكرة ومقدمي البرامج . ويقول: الكثير من الناس لم

يكن يتوقع ولا يحلم بنصف ماحدث في المنطقة، وهو ما جعلهم يلتفون حول الشاشات في نهم شديد، محاولين

متابعة الحدث السريع لحظة بلحظة . وساعدهم في ذلك التغطية المتصلة والخاصة من قبل معظم القنوات، التي استثمرت الأحداث لربط المشاهد بها أكبر فترة ممكنة .

ومن الأمور المهمة التي أفرزتها الأحداث الأخيرة في المنطقة، حسب أيمن إبراهيم، هو غربلة المشاهد للوجوه التي

كان يراها على الشاشة، فالكثير من الوجوه العامة والإعلامية والفنية، تكشفت أمام المشاهد وأصبح من السهل عليه تصنيفها، وتحديد توجهاتها، وهي أشياء مفيدة أسهمت إلى حد بعيد في رسم المشهد الإعلامي العربي من جديد .

لوجين عمران، مقدمة برامج في قناة “mbc”، ترى أن السبب وراء التفاف الناس حول الشاشات، هو التحول التاريخي

الذي حدث ويحدث في أجزاء من المنطقة . والذي ستسجله كتب التاريخ للأجيال القادمة، وتعيشه أجيال تعاصر تلك المواقف للمرة الأولى . ومن الطبيعي أن تصاب بنوع من الدهشة الملفوفة بالخوف على المستقبل الذي أصبح ضبابياً

وعن عزوف الناس عن القنوات الترفيهية تقول: لم يعد هناك مجال للترفيه وأجزاء من العالم العربي غير مستقرة، وهو

ما يعني أن المشاهد في بيته غير مستقر، ومزاجه غير جاهز لتلقي الترفيه . ويعيش ما يمكن تسميتها بفترة من

اختلال التوازن، وعدم الاستقرار . ما يجعله أقرب لمتابعة الأحداث على كافة الصعد، لأنه جزء من المنظومة والخريطة، ومن باب أولى أن يخاف على مصالحه ومستقبل أبنائه .

وتضيف عمران: هناك قنوات تتناول الأحداث من وجهة نظر واحدة، لخدمة أجندة خاصة بها . وتسعى إلى توسيع الهوة

بين الشعوب، واللعب بعقول الناس عبر إخفاء أجزاء من الحقيقة . لكن هذا سرعان ما يتكشف بضغطة واحد من

المشاهد على جهاز التحكم ليتحول إلى قناة أخرى، تعرض الحقيقة، لتكتمل عنده الصورة ويكمل الجزء الخفي من المعلومة .

ومن الوسائل التي تراها مهمة في الأحداث الأخيرة، هي الإنترنت التي لم تقل أهميتها في الفترة الأخيرة عن أهمية

التلفاز كوسيلة مهمة للحصول على المعلومة، بل فاقته في بعض الأحيان . لأن من بين القنوات ما منع مراسلوها وكاميراتها من تغطية الأحداث، بينما لم تمنع الناس من التصوير وبالهواتف النقالة، ورفع ما يصورونه على الإنترنت .

وترى شيخة الحوسني، معدة برامج في قناة “نور دبي”، أن لتغطية القنوات الإخبارية المتخصصة للأحداث الأخيرة

عامل مهم في التفاف الناس حولها، حيث أفردت الكثير منها ساعات طويلة، امتدت لأيام . ولم تعد تقتصر على المذيع

الذي يلقي الخبر من على كرسيه، بل كان للصورة وقع خاص في التغطية الخبرية . وهو ما صب في النهاية في

مصلحة المشاهد، الذي أصبح يشارك الموجودين في موقع الأحداث، ما يجري بالصوت والصورة والانفعال . منتظراً الخطوة القادمة .

وتشير الحوسني إلى أن تقدم عالم الاتصالات والإنترنت جعل الخبر والمعلومة يصلان إلى يد الجميع، لحظة بلحظة . متخطين حدود الرقابة والمنع والتعتيم .

وعن توجهات القنوات في نقل الأحداث تضيف: لاشك في أن لكل محطة صبغتها وأجندتها الخاصة التي تعمل على

تحقيقها، وترسم خطها وتوجهها السياسي، لكن بالمقابل لم يعد المتلقي في عالمنا العربي ينساق وراء تلك

الأجندات، لأنه ببساطة لديه عدد كبير من القنوات في فضاء مفتوح، يمكنه بكبسة زر أن يتحرى الحقيقة من أي مكان في العالم .

وتؤكد د . عزة عبدالعظيم، أستاذة الإذاعة والتلفزيون بجامعة الإمارات، أن متابعة الناس للأحداث الجارية عبر الفضائيات

المختلفة، وعزوفهم عن البرامج الترفيهية من الأمور الطبيعية، لأن المشاهد العربي حالياً يمر بما يسمى بمرحلة التعرض الانتقائي، الذي يحاكي ميوله واتجاهاته ورغباته .

وتقول: من غير المعقول ولا المنطقي أن يمر العالم العربي بمرحلة فارقة في تاريخه، ويجلس المشاهد ليتابع القنوات

التي تبث التفاهات . لكن ما حدث في المنطقة من أحداث فاق التوقعات، وجذب المشاهد البسيط حتى أصبح ينتظر ما يستجد من أحداث، ويتلهف للجديد لحظة بلحظة .

وعن التغطية الحية للأحداث التي انتهجتها بعض القنوات تضيف: التغطية الحية للأحداث من الأمور المهمة التي

اعتمدت عليها بعض القنوات في الفترة الأخيرة، لكسب أعداد كبيرة من الناس . لا سيما بعد الأحداث المهمة التي

مرت بها المنطقة في الفترة الأخيرة، فعن طريق المتابعة الحية للحدث تمكن المشاهد العربي من رؤية الخبر وتفاصيله، بعد أن كان يستمع إليه من المذيع .

وتشير عبدالعظيم إلى أن أهمية الحدث، تعطي المجال للقنوات الإخبارية لتخصيص مساحات كبيرة، تربط المشاهد حول شاشاتها قبل الخبر وفي أثنائه وبعده .

ويقول د . نصير بو علي، أستاذ الاتصال الجماهيري في جامعة الشارقة، إن التصاق الناس بمتابعة الأحداث عبر شاشات، يعود إلى بحث المشاهد العربي عن ذاته ومصالحه وحقوقه ومستقبله، مفضلاً القنوات التي تناقش همومه، لاسيما تلك التي تضعه في وسط الحدث .

ويضيف: يمر الإعلام العربي حالياً بمرحلة مهمة في تاريخه، حيث تحرر من قنوات “العري كليب” والقنوات التي تفرغه

من قيمه ومضمونه العربي الأصيل، وانتقل إلى ما يسمى بمرحلة التحكم والثبات والاستقرار، والتي فيها يختار

المشاهد بمحض إرادته وحريته، ما يتابع من مواد تهمه وتناقش همومه ومتطلبات حياته اليومية . وهو ما أدى إلى

سقوط الكثير من القنوات الفارغة المضمون، وعزوف الناس عنها لمصلحة القنوات التي تضعه فى موقع الحدث من ناحية، والتي تناقش قضاياه من ناحية أخرى .

وعن سر انجذاب الناس للشاشات لا سيما التي تنقل الحدث فور وقوعه يقول: الأحداث الجارية لها مفعول السحر

على الناس، خاصة ما يمر به عالمنا العربي هذه الأيام من تغيرات غير متوقعة، وصعبة التصديق . وهو ما يجعل

المشاهد العربي ملتصقاً بالشاشات أينما وجد، سواء في البيت أو المطاعم . بعدما كان آخر اهتماماته متابعة المباريات والأفلام أو الكليبات الجديدة .

تغير المزاج العربي

يوضح د . محمد موسى بن هويدن أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، أنه على الرغم من وجود فئات متابعة

للأحداث السياسية، وأخرى في المقابل أقصى اهتمامها متابعة الأفلام، والمسلسلات، ومتابعة مباريات كرة القدم، إلا

أن الأحداث الأخيرة التي عصفت بالمنطقة، غيرت المزاج العربي، وجعلت من الترفيه عنصراً غير مرغوب فيه حالياً، لتحل محله جدية يفرضها الواقع الجديد الذي يصاغ في المنطقة .

ويقول: الكثير من الناس يستيقط من نومه على أخبار جديدة، وينام وقد تغيرت تلك الأخبار عدة مرات، وهو ما جعل

المواطن العربي يدرك أهمية المرحلة وما يعاصره من أحداث، تؤثر بالدرجة الأولى فيه وفي مستقبله، فتراه طيلة يومه أمام التلفاز متنقلاً بين القنوات ليقف على كل جديد .

وعن أهمية التغطية الإعلامية المباشرة والحية للأحداث، يؤكد أن الكاميرا لها تأثير كبير في نقل الحدث من موقعه الحقيقي، وهو ما كان له دور كبير في الأحداث الأخيرة التي وقعت في بعض الدول العربية مؤخراً، مشدداً على أهمية الدور الإعلامي في كشف الحدث، الذي مهما كان كبيراً لكنه من دون تغطية لا يصل للناس بالشكل المطلوب أو الحقيقي.