2013/05/29

الموسيقى في الدراما السوريّة: الصوت شريكاً في الأداء
الموسيقى في الدراما السوريّة: الصوت شريكاً في الأداء


صهيب عنجريني – السفير


لم يستطع أحدٌ الجزمَ بأسبقية التأليف الموسيقي على الدراما في التاريخ البشري. يقول البعض ان «حرائق نينوى» معزوفةٌ آشورية تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، وبذلك تكون أقدم تنويط موسيقي معروف، وتسبق ولادات الدراما في المسرح الإغريقي بقرنين، بينما تقول آراء أخرى إنّها تأليف حديث للإيراني حسين علي زادة.

الثابت أنّ وجودَ الصوت الموسيقي في الطبيعة أقدم من فكرة الدراما، والتأليف الموسيقي أسبقُ من اختراع التلفزيون... رغم ذلك أفلحت الدراما التلفزيونية في تحويل الموسيقى إلى واحدة من أدواتها. يوافق المؤلف الموسيقي السوري طاهر مامللي على أنَّ الدراما ظلمت كلّ الموسيقيين، ويستطرد: «لكنها النافذة شبه الوحيدة التي قدّمت الكثير من المؤلفين الموسيقيين إلى الجمهور». يُشخِّص مامللي في حديث لـ «السفير» الحالة مستعرضاً التجربة السورية: «في سوريا لا توجد شركات إنتاج موسيقي تخصصية، عكس الدراما. دوران عجلة الإنتاج الدرامي بهذه الصورة أدى إلى استقطاب كل العناصر الفنية وتجييرها لخدمة الفن الدرامي».

يؤكّدُ الموسيقيّ الذي بدأ رحلته مع الموسيقى التصويرية عبر مسلسل «الثريا» لهيثم حقي (1995) أنَّ الموسيقى في الدراما جندي مجهول، وأنّها لم تنل بعد مكانتها التي تستحقها، لكنّه يرى أنّها أخذت حقها بوصفها اختصاصاً فنياً له مكانته عند المشتغلين في الدراما. ويضيف: «استطاعت الموسيقى التصويرية السورية أن تترك أثراً حقيقياً لدى المتلقي، ومن تجليات ذلك أن الكثير من الأعمال الموسيقية التي أُلِّفت أساساً لمسلسلات درامية استطاعت أن تحتفظ لنفسها بمكانة خاصة بوصفها ملفاً موسيقياً مستقلاً، وبقيت في ذاكرة الناس أحياناً أكثر من العمل الدرامي نفسه، ولكن طبعاً كانت النافذة الدراميّة صاحبة فضل في هذا الانتشار».

لا يبدي مامللي حماسة للقول إنّ الموسيقى في الدراما السورية تفوقت على نظيرتها المصرية. يقول: «لا نستطيع أن نتناول الأمور من هذه الزاوية، ففي مصر، كما في سوريا، هناك موسيقيون مبدعون تركوا بصماتهم في هذا المجال؟ وما وصلت إليه الموسيقى التصويرية في الدراما العربية هو نتاج تراكميّ لعمل الكثير من المبدعين والمجتهدين». يردّ بتواضعه المعتاد عن سبب تميزه في هذا المجال: «إذا افترضنا أنني استطعتُ التميّز فعلاً، فذلك ناتج من الجهد والإيمان بالعمل الجماعي. أتعاون مع فريق عملٍ مبدع أثبت وجوده ليس عربياً فحسب، بل عالمياً، وعندما يؤمن فريق العمل بما يقوم به يفتح عبر البحث والتجريب مسارات جديدة وخلّاقة». يشرح قليلاً أبجدية الموسيقى التصويرية: «الموسيقى في الدراما أمام خيارين، إما أن تكون مجرد مرافقة للمشاهد، أو أن تفلح في خلق أبعاد دراميّة إضافيّة. أحياناً يكون المطلوب من الموسيقى فعلياً أن تكتفي بالمرافقة، وتذوب في النسيج العام. والمؤلف المبدع يعرف كيف يحوّل موسيقاه الى جزء من الصيغة الجمالية الكلية. في أحيان أخرى قد يكون مطلوباً من الموسيقى أن تقوم بوظيفة دلالية غير متطابقة مع الصورة، بل متنافرة معها بشكل متعمّد، وكلما زاد التناغم بين المؤلف الموسيقي وبين مخرج العمل وكانت الرؤيا المشتركة حاضرة بشكل واضح، كلّما كان دور الموسيقى في البنية الدرامية العامة فاعلاً أكثر».

القفزة الموسيقية التي تحققت في الدراما السورية لم تقتصر على الموسيقى التصويرية فقط. ففي السنوات الأخيرة فرضت الشارات الغنائية حضورها على المشهد الدرامي، وصار لها ميدانها التنافسيُّ الخاص. تقولُ المغنية ليندا بيطار: «أعملُ في هذا المضمار منذ عشر سنوات مع عدد من المؤلفين المبدعين: طاهر مامللي، سمير كويفاتي، رعد خلف، رضوان نصري. وقد باتت الشارات الغنائية في كل موسم درامي حالةً مرتقبة». المغنية التي شاركت في العديد من حفلات زياد الرحباني، ومارسيل خليفة، تؤكّد وجود «مشكلة إنتاجية». برأيها فإنّ «معظم الشركات غاياتها ربحية، وهذه الغاية مضمونة أكثر مع إنتاج الأنماط السطحية السائدة، لهذا نجد صعوبة في إيجاد تمويل لمشروع غنائي ملتزم». استطاعت أغاني شارات المسلسلات أن تصلح جزءاً من ذلك الخلل، تقول بيطار، «فالمشاهدة الدرامية أصبحت حالة عامة بامتياز، وباتت الدراما نافذة لنا».

تعمل ليندا بيطار للموسم الرمضاني المقبل، على إنجاز شارة المسلسل السوري «ياسمين عتيق» للمخرج المثنى صبح. كلمات الشارة مأخوذة من قصيدة «طوق الحمامة الدمشقي» للشاعر محمود درويش، ومن ألحان طاهر مامللي، ويتشارك في غنائها عاصم سكَّر، وليندا بيطار. ترى خريجة المعهد العالي للموسيقى في سوريا (2007) أنَّ «المسلسل هو الذي يضيف للشارة وليس العكس، فحين لا يحظى المسلسل بالرواج المطلوب لا تحقّق أغنيته رواجاً خاصاً بها، حتى وإن كانت على سويّة فنيّة عالية». توضحُ أن مشاركة المغني في الدراما لا تقتصر على أداء الشارة: «أحيانا يتم توظيف الصوت بوصفه عنصراً موسيقياً داخل العمل الدرامي، وهنا ينبغي على المؤدي أن يكون قادراً على إبداع صوت فاعل درامياً، والأمر يختلف عن الغناء اختلافاً كبيراً».