2012/07/04

الناقد المسرحي: نديم معلا يطل على مسارح العالم بـ «وجوه واتجاهات»
الناقد المسرحي: نديم معلا يطل على مسارح العالم بـ «وجوه واتجاهات»


تشرين – ثقافة وفنون


بين العالم الروحي المجرد والآخر المادي المحسوس مفارقة ينطوي عليها المسرح لتجعله فن المفارقة بامتياز، ذلك ما يؤكده الدكتور نديم معلا في كتابه «وجوه واتجاهات في المسرح» الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق وبرأيه لا يمكن قراءة نص مسرحي على الورق بما تحمله تلك القراءة لقارئ متابع من تخيلات للمكان والحركات وتصورات لمفردات العمل المسرحي بشكل عام لا يمكن أن تعوّض عن حضور العمل المسرحي كاملاً على الخشبة لأن النص المكتوب تزول قداسته على رأي «فيسفولد ميرخولد».

حيث يمكن إعادة هيكلة النص وهذا ما يسود في المسرح الحديث حيث يغدو النص المكتوب مجرد عنصر من عناصر العمل المسرحي الأخرى كالإضاءة والديكور والملابس ويأتي دور المخرج لإبراز الجوانب التي يراها مهمة وتستحق الإبراز والتصدير، والحقيقة تكمن في قيمة النص المكتوب الذي يسبق العرض ثم يصحبه فيما بعد مؤكداً وجوده المزدوج ولا يمكن الإحاطة بهذه العملية إلا لمخرج متمكن وإلا فقد العمل بمجمله أية قيمة حقيقية.

ولا شك أن العرض يكمل فجوات النص من حيث مواصفات الشخصية أو تفاصيل المكان وهنا يأتي دور الممثل فحركاته وملامحه تمثل بديلاً هاماً للإيحاءات التي لا يمكن شرحها كاملة في النص، فالنص المسرحي مشروع غير مكتمل ولا يمكن أن يكتمل إلا بالعرض على خشبة المسرح، العرض الذي يمنح النص هذا الاكتمال مما يعني أن هناك ميلاً جارفاً إلى الفعل العملي التطبيقي الذي يتجلى في مشاهدة النص عبر عرضه على الخشبة لأن صوت العرض يظل هو الأقوى علماً أن بعض كتاب المسرح يرون أن الخيال قادر على تشكيل النص ومنحه حياة كاملة وقد ينطوي هذا الزعم على خوف مضمر من التجسيد الذي يكشف سوءات النص إذ يضعه على المحك بعد قراءة جماعية للنص لا يمكن توفرها إلا من خلال العرض. ‏

وإذا كان المسرح قد تراجع أمام بقية الفنون الأخرى فالسبب لا يعود إلى سطوة الصورة فقط بل هناك تراجع كوني مفاجئ في المجالات الحية للحياة بالإضافة إلى استهلاك المواضيع التي اشتغل عليها المسرح وخاصة المسرح العربي هذا الاستهلاك الذي شكل معوقاً هاماً من معوقات المسرح كالمواضيع السياسية والهموم الاجتماعية.

وإذا كان تأثير البريختية يظهر بجلاء على المسرح العربي بسبب مواجهتها لواقع فاسد وغير عصي على التغيير حيث تحولت السياسة إلى نشيد جماعي يردده المسرحيون العرب من المحيط إلى الخليج طاغياً على النسيج الفني للمسرح ليخل بتوازنه من خلال تمسكه بخطابه الإنشائي. ‏

وتمثل ظاهرة تخييل الواقع واختلاط المسرحي بالواقعي والواقعي بالمسرحي ميزة للمسرحيين العرب ساهمت أيضاً في انحسار وانكفاء المسرح حتى الدعوة إلى تأصيل المسرح في سبعينيات القرن الماضي عبر التنقيب عن الظواهر المسرحية العربية إلا أن الداعين إلى ذلك لم يغادروا الشكل الأرسطوطاليسي في ممارستهم الكتابية تلك وهنا يبرز تساؤل هام: هل تتحول المؤسسات المسرحية إلى مشاجب تعلق عليها الخيبات والإحباطات متجاهلين أسباباً أخرى شديدة الأهمية كظاهرة الغموض في المسرح غموض في الإشارات والإيماءات الجسدية التي تشكل معطى ثقافياً تاريخياً اجتماعياً وعدم تضافر الجهود الفردية والجماعية لخلق خطاب مسرحي منفتح ومحافظ في الوقت ذاته على هويته الخاصة وإذا كانت التجريبية تأتي في سياقها الثقافي من الهواجس بعد تعريتها من الكبت والقمع والرقابة والمصادرة فإنها قاربت المتخيل الذي يصل حد التجريد فهل هي تبعية للآخر وتخلص من الخصوصية الثقافية وانقياد وراء النموذج الأجنبي الداهش، أم هي انفتاح على الآخر.. استفادة وإفادة أخذ وعطاء مع مراعاة الهوية الثقافية لكلا الطرفين؟ ‏

ينظر المسرحي الإيطالي «داريو فو» إلى المسرح على أنه منتج للمتعة التي هي فخ ينصب للمتلقي ويمر التأثير المرغوب من خلاله ولا شك أن السخرية تتيح للفنان إمكانية تجاوز الواقع أو إضافة لمسات فانتازية إليه لإدخاله دائرة الفن مما يتيح للمسرحي الاشتغال على تعدد الدلالات وهذا ما نراه عند «بريشت» ورفيقته «هيلينا فايغل» وقد شكلا إحدى العلامات الهامة في مسرح القرن العشرين بالإضافة إلى كتاب مسرح العبث الذين أجهزوا على التقاليد الدرامية وضربوا عرض الحائط بالبناء الدرامي المتعارف عليه من أمثال «صموئيل بيكيت» و«جان جينيه». ‏

«وجوه واتجاهات في المسرح» للدكتور نديم معلا يشكل إضافة هامة للبحث في المسرح العربي والعالمي من خلال دراسته النظرية للمسرح ممتدة على ثقافات العالم وتجاربه كافة بما في ذلك المسرح الياباني الذي هبت عليه رياح الغرب فأثرت وتأثرت بعملية مثاقفة لا غنى للمسرح عنها بالإضافة إلى دراسته التطبيقية لعدة نماذج من المسرح المحلي والعربي والعالمي. ‏