2012/07/04

(باب الحارة) والناس. حب مع سبق الإصرار
(باب الحارة) والناس. حب مع سبق الإصرار

  ماهر منصور- البيان تستمر دراما البيئة الشامية في رمضان هذا العام بالاستحواذ على اهتمام المنتجين السوريين والعرب على حد سواء، لتقدم بالنتيجة المزيد من أعمال البيئة الشامية وتساهم في ولادة أجزاء جديدة لأعمال عرفها الجمهور العربي وتابعها في السنوات السابقة. وليس غريبا أن يكون مسلسل (باب الحارة) واحدا من الأعمال الأكثر شهرة بين المسلسلات الشامية والأقرب إلى أذهان الكبار والصغار فمنذ عرض الجزء الأول منه عام 6002 حظي بإعجاب كبير حتى إن موجة النقد التي طالت العمل في كثير من مفاصله لم تثن الجمهور عن متابعته في أجزائه اللاحقة. ومع ما يراه كثيرون من تراجع في المتابعة رافق العمل في سنواته الأخيرة إلا أن جماهيرية المسلسل مستمرة على أرض الواقع، ويستطيع أي متتبع منصف أن يلمسها بوضوح. فلماذا أحدث باب الحارة هذه الأصداء، وكيف تمكن من جذب مختلف الأعمار والشرائح؟ ®. تساؤلات رافقت العمل عبر أجزائه، ونحن هنا لا نعيد طرحها بقدر ما نحاول أن نرصد جزءاً من جماهيرية العمل لعل ذلك يساهم في الإجابة عن تلك التساؤلات لتكتمل الصورة. ظلال المحبة والبداية مع جمهور العمل من الأطفال. فعلى خشبة مسرح مدرسي صغير قدمت مجموعة من الأطفال مشاهد أسماها أحدهم (باب الحارة للصغار). وفيها انقسم المشاركون إلى فريقين (حارة الضبع، وحارة أبو النار). ولم ينحصر باب الحارة هذه المرة على خشبة المسرح إذ سرعان ما حمله الصغار إلى بيوتهم وشوارعهم التي كثيرا ما كانت ساحة اشتبك فيها مشجعو معتز وأنصار أبو شهاب. وتقول إحدى الأمهات (منذ انتشرت عدوى باب الحارة بين الصغار ، حظي أحد أولادي بلقب الزعيم في حين عانى الآخر من لقب أبو بدر وما بين هذا وذاك نعيش باب الحارة الخاص بنا يوميا). أحد الأطفال وعمره 8 سنوات معجب جدا بشخصيتي أبو عصام وأبو غالب وهو لا يمل من ملاحقة العمل على الفضائيات. أما عصا معتز فهي الأكثر طلباً من قبل الأطفال والشباب الذين يتباهون بتقليده. ويرجع الجميع إقبالهم على تلك العصا إلى إعجابهم بشخصية معتز وتأثرهم بشهامته وتفانيه ، حتى أن بعضهم اعتبره الشخصية الأجمل والأكثر جاذبية في العمل. في حين وجد البعض في شخصية النمس لمسة فنية جميلة أعادت للعمل ألقه وتميزه، وصدارته الفنية. ويتفنن هؤلاء بتقليد شخصية النمس وحفظ ما يردده من أغان وكلمات. عنوان العمل كان له نصيب أيضا ، حيث انتشرت مقاهٍ ومطاعم ومحال تحمل جميعها اسم العمل، ولا يرى أصحابها مشكلة في تكرار الاسم طالما أنه بات معروفا بل ويفوق كبرى الماركات. ويؤكد أحدهم أن محبة الناس لباب الحارة وتعلقهم به دفعه لاتخاذه اسماً لمحله عل ذلك يساهم في تنشيط حركة البيع. مسلسل .إحياء القيم كثيرون ممن تابعوا العمل رأوا فيه إحياءً للكثير من القيم العربية الأصيلة التي ضاعت اليوم في ظل المفاهيم والأفكار المستوردة بدءاً بالتكافل الاجتماعي الذي برع العمل في تجسيده مروراً بمنظومة من الأخلاق والقيم كاحترام الكبير ومساعدة الجار وانتهاء بالمقاومة ورفض الحصار. وهؤلاء يرون في هذه القيم رسالة وصلت بنجاح. وعن ذلك أوضحت طالبة جامعية (لم أتابع يوما مسلسلاً كما تابعت باب الحارة، وقد أعجب أسرتي كثيرا، لأنه يحكي عن زمن نتمنى عودته، زمن كانت الحمية والنخوة والشجاعة سائدة فيه، كانت الناس تحب بعضها وتخاف على بعضها). وأكدت أخرى (على الرغم من كثرة المسلسلات إلا أن باب الحارة الأكثر شعبية وقد ذكرنا بالكثير من التقاليد الجميلة التي تلاشت عبر السنين وهي دعامة لبناء مجتمع ناجح وسعيد يسود فيه الاحترام والحب). وهناك من يرى أن العمل وإن قدم الحارة الشامية في ثلاثينات القرن الماضي وطرح مشكلاتها ومشكلات محيطها إلا أنه قدم الأسرة وطرح همومها كما تتجلى اليوم فقضايا الطلاق والزواج, مشاكل الشباب من بطالة وفقر, التعاون والتسامح, الرشوة والحقد كلها نتف من واقعنا وإن تغيرت مظاهرها. تؤيد مجموعة من الأصدقاء هذه الفكرة وتؤكد أن أماكن تجمع الشباب شهدت نقاشات حول القضايا والإشكالات التي طرحها العمل لا سيما في جزأيه الثاني والثالث أكثر من أي موضوع آخر. ويضحك أحدهم مؤكدا أن الكلام والضحك كانا ممنوعين أثناء مشاهدة حلقات المسلسل.   الضخ الإعلامي رفع وتيرة المحبة يعتقد البعض أن الضخ الإعلامي الكبير المؤيد والمعارض للعمل ساهم في تكثيف حجم المتابعة والاهتمام. وهو أمر يمكن ملاحظته عبر عشرات المواقع الالكترونية التي نشرت ولا تزال الكثير من تصريحات ولقاءات وغيرها مما يتعلق بالعمل. ويشير أحد المتابعين إلى أن المسلسل شكل محورا التقت حوله مختلف شرائح المجتمع حتى إن الجمهور كان متلهفا لمعرفة المزيد عن خفايا العمل قبل عرضه. وإقصاء النجوم أيضاً إقصاء بعض نجوم العمل، واعتذار آخرين عن أدوارهم أمر شغل الجمهور وأثاره أحيانا. وعن ذلك تقول إحدى السيدات ( كنت أتمنى لو أن أبو شهاب وأبو عصام يعودان للعمل فهما من أجمل الشخصيات فيه). حقق باب الحارة في حقيقة الأمر نجاحا غريبا، وما نفوذه إلى قلوب الناس وعقولهم إلا دليل على ذلك. ولكل وجهة نظره التي تلتقي في النهاية لتقول إن الحكاية التي قدمها العمل إضافة إلى خبرة المخرج بسام الملا في أعمال البيئة الشامية. والرصيد الغني من النجوم السوريين عوامل انصهرت في بوتقة واحدة لترسم ظاهرة اسمها باب الحارة. نجوم العمل : المحبة نعمة نجوم العمل أكدوا عبر تصريحات صحافية عديدة أن جماهيرية العمل محليا وعربيا لم تأت من فراغ ومن تلك التصريحات ما قاله مخرج العمل بسام الملا: (لا تظن انك تعرف الجمهور فأنت لا تعرفه. الجمهور هو من يحدد الأعمال التي لها مكانة وأي الأعمال التي تمر مرور الكرام). وأضاف : نحن في العمل متكئون على العادات والتقاليد والقيم والفن ولا استطيع تفسير نجاح مسلسل باب الحارة لكن جزءاً من النجاح يعود للقيم التي اتكئ عليها والتوفيق من الله، والممثلين الذين شاركوا معي في العمل واستطاعوا إيصال الشخصيات إلى الناس. ويشير الكاتب كمال مرة في تصريح صحافي ثان إلى أن افتراضية الحارة والحكاية التي قدمتها لا تعني عدم الواقعية والمصداقية في الطرح. وهم في باب الحارة يسعون إلى رسم حكاية شعبية درامية على خلفية توثيقية اجتماعية سياسية شفافة.   أما الفنانة وفاء موصلّي فتؤكد أن باب الحارة رغم بساطة الحدوتة كانت المصداقية والعفوية هي السائدة. ويرى الفنان زهير رمضان في حوار صحافي معه أن العمل هو رسالة إلى الآخر فبعد أن كان مشروع بسام الملا صار مشروع العاملين فيه ثم تحول إلى مشروع دمشق ثم إلى مشروع سورية ومنها إلى مشروع وطني عربي كبير ليصبح خطابا ثقافيا وإنسانيا للآخر. فالأخلاقيات التي ينادي بها باب الحارة هي القيم والمثل التي اجتمعت عليها العرب في مواجهة خصومها، وهذا ما يفسر نجاح العمل محليا وعربيا. مبدئياً.لا يمكن الحكم على العمل في جزئه الخامس الذي يعرض الآن إلا من خلال المزيد من التطورات التي تكشف أسرار باب الحارة، وهي حتى الآن تبشر بالكثير الذي يُنتظر أن يساهم في ازدياد جماهيريته.دون أن يعني ذلك أن حالة عدم رضى نقدية ستؤثر في تلك الجماهيرية®.فلمحبة الجمهور أحكامها التي لا يدركها النقاد.