2012/07/04

بسام كوسا: لا أحب التغني بالماضي وأمجاده
بسام كوسا: لا أحب التغني بالماضي وأمجاده

محمد هجرس - دار الخليج

يعد بسام كوسا علامة الجودة في الدراما العربية، ولعل دور “بدر” الذي أداه في مسلسل “وراء الشمس” وتابعناه على الشاشات في رمضان الماضي، من الأدوار التي يصعب أن يؤديها ممثل سواه، ووصل إتقانه له إلى حد أن مَنْ لا يعرف أن بسام كوسا ممثل لتخيله معاقاً حقيقياً .

بسام كوسا فنان مثقف، يحرص على أن يقول كلمة هادفة في كل عمل يقدمه، ولا يقبل أن يكرر نفسه، وخلال وجوده في دبي للمشاركة في منتدى راشد الأول للعلوم الإنسانية كان معه هذا اللقاء، الذي أكد خلاله أن مسلسل “وراء الشمس” مملوء بالعيوب الفنية بسبب مجاملة صنّاعه لإحدى الشخصيات .

كيف أديت شخصية “بدر” في مسلسل “وراء الشمس”؟

حالة “بدر” لها علاقة بالعبقرية، فهو يفكك أي ساعة ويعيد تركيبها بعد إصلاح العطل فيها . والمصاب بالتوحد، علمياً يبرمج نفسه في اتجاه واحد . ما يعني بالنسبة لي أن المشكلة ليست في الدور، إنما في الشخص الذي يقوم بأداء الدور، وخلال أدائي هذه الشخصية لم أركن لموهبتي الفنية إنما ارتكزت على العلم من خلال لقاءات متعددة مع متخصصين في مجال التوحد، وقضاء أوقات طويلة مع المتوحدين .

هل تلك الشخصية تركت فيك تأثيراً نفسياً بعد انتهاء تصوير المسلسل أم لا؟

هذا كلام فاضٍ، ولا معنى له، وكلما خرج ممثل وردد في التلفزيون أو الصحافة عدم قدرته على الخروج من الشخصية التي أداها في عمل فني، أضحك كثيراً، لدرجة تدفعني للاتصال به لأسخر منه لترديده هذا الكلام الذي لا معنى له بالأساس، لأن عليه أن يبحث عن عمل آخر يضيف إليه، وأن يقرأ ويثقّف نفسه .

وأضاف: فور الانتهاء من العمل أنساه، وأمارس حياتي بطريقة عادية جداً، ربما لأنني منسجم مع أسرتي التي أجعلها كل همي، وربما لاهتمامي بالقراءة المتنوعة، أقرأ في الفن والتاريخ والفلسفة والسياسة . وأؤكد أن تأثير القراءة كبير، خاصة في المجال المعرفي فقط، إضافة إلى همومي الفكرية، واستغراقي في الكثير من هموم الشعب العربي الذي يبحث عن وجوده سواء داخل بيته أو خارجه .

كيف كان التواصل مع علاء الزيبق الشاب المعاق؟

علاء من أذكى الشباب بصفة عامة، ويحتاج لمَنْ يتعامل معه أن يؤمن بذكائه، ومن هذا المنطلق بدأت أقترب منه، وجعلته يحبني، ويرتبط بي، لذلك كانت بيني وبينه حالة من الانسجام الذي لا حدود له، لدرجة أن مَنْ كانوا معنا اعتقدوا أنني من فئة المتوحدين، وهو أمر أسعدني جداً . وكان كل همي تأكيد أن تلك الفئة ذكية وتستطيع ممارسة ما نمارسه وفعل ما نفعله .

وهل رجعت لخبراء في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة، وعايشت حالات من تلك الفئة قبل التصوير؟

شخصية “بدر” لا يمكن لأي فنان أن يبدع فيها إلا بعد الاتكاء على المعلومات العلمية، وعلى الأطباء والحالات التي يراها ويرصدها، ومشاهدة الأفلام الوثائقية، والاطلاع على الدراسات العلمية الدقيقة والصحيحة، دون الإخلال بأي جانب .

“وراء الشمس” مسلسل مملوء بالعيوب الفنية، خاصة المط والتطويل، لكن المشاهد اندفع إلى المشاهدة من أجل شخصية “بدر”، ما قولك؟

هذا الكلام صحيح مئة في المئة، وقد عبّرت عنه أثناء التصوير واعترضت عليه بعد مرحلة المونتاج . وما زلت معترضاً على بعض الخطوط فيه، وعلى التطويل، وأيضاً على المستوى الفكري والإنساني، لأن صنّاع العمل كان همهم الانتهاء من العمل لعرضه في رمضان، ومجاملة إحدى الشخصيات داخل العمل، وسأبقى أردد أن العمل لم يكن على المستوى الفني الذي يرضيني، وأن الناس اندفعوا للمشاهدة من أجل شخصية “بدر” .

ما الشخصية التي تتمنى أن تجسدها؟

لا توجد شخصية بعينها حتى ولو كانت تاريخية، وقراري أتخذه بعد قراءة ما يعرض عليّ، فأنا لم أحلم من قبل بأداء شخصية “بدر” في “وراء الشمس” وفوجئت به، ما دفعني إلى تقديمه بصورة مختلفة عن ذي قبل، عن طريق الاقتراب من القصور الذهني للمصاب بالتوحد، وأسلوب تفكيره وإمكانية إبداعه في مجالات غير ظاهرة، مثل طريقة قيامه بفك الساعة وتركيبها . ولكن الحلم الذي يراودني هو القيام بعمل يلامس هموم وآلام وحياة الناس .

ما الشخصية التي تعتز بأدائها؟

لا أعتز بأداء شخصية محددة، إنما كل الأدوار التي قمت بها سواء في الدراما أو السينما، وفي المسرح أيضاً، فأنا على المستوى الشخصي نتاج لهذه الأدوار كلها، ولذلك مدين لها، ولكل صنّاعها، لأنها قدمت لي خدمات جليلة على المستوى الإنساني، فهي التي جعلت الناس تحبني وتحترمني، وتقدرني وتقابلني بالأحضان في أي مكان أذهب إليه .

وهل تعتقد أن ذوي الاحتياجات أخذوا حقهم في الدراما؟

ليس مهماً أن يأخذوا حقهم في الأعمال الدرامية، والأهم أن يأخذوا حقهم في المجتمع، لأن الدراما تلقي الضوء فقط، ويجب أن تكون انعكاسات الدراما إيجابية، لأن ذوي الاحتياجات مازالوا للأسف الشديد يشكلون - من وجهة نظر أسرهم - عبئاً على الأهل، ويعتبرون شيئاً نادراً وسط الناس الذين يسخرون ويتندرون منهم، وإن كنت أعتقد أن الدراما حتى الآن لم تقترب بصورة واقعية من أحلام وهموم تلك الفئة، ما يدفعني لطرح سؤال: كيف ندمجهم في المجتمع ونحن لم نقدم لهم أي شيء، هل يكون الدمج بالندوات والمؤتمرات والظهور في البرامج والجرائد والمجلات؟

قلت لي قبل أن نبدأ الحوار إنك لا تحب الأعمال التاريخية . ما السبب؟

لأنني لا أحب التغني بالماضي وأمجاده، وتضييع العمر في الأوهام، وأفضّل إعطاء الأولوية لحاضري ومستقبلي، فكفانا فخر بماضينا وبتاريخنا، لأننا ضعنا، فكيف يكون عالمي العربي مملوءاً بالمشكلات وأعود إلى الماضي، أليس هذا هروباً من الواقع ومن حكامنا؟

منذ فترة صرحت بأن الدراما السورية مبنية على المصادفة، وقد تنهار في أي لحظة، فهل مازلت مصرّاً على قولك؟

لم أقل شيئاً وتراجعت عنه في حياتي، لأنني رجل مواقف ولا أقول شيئاً إلا بعد يقين، فأنا أعبّر عن وجهة نظري التي قد يراها البعض صحيحة، والبعض الآخر قد يراها خاطئة، من منطلق إيماني بعدم وجود أحكام حاسمة في الفنون .

وما تقييمك للدراما العربية؟

الدراما العربية تدور للأسف الشديد في دائرة محدودة ولا تخرج منها، وتستخدم أدوات التعبير وآلية التفكير القديمة، ما يؤكد أننا بحاجة إلى اختراقات في آلية وطريقة العمل سواء في النص أو الإخراج، أو في الأداء التمثيلي، حتى نخرج من السبات الفني .

ولكن التغييرات التي تحدث في العالم العربي قد يكون لها انعكاس على الفن؟

ما في شك في ذلك، لكن لا يمكن استقراء الواقع والمتغير بشكل علمي صحيح، فنحن لم نرَ حتى الآن أغنية من الأغاني التي خرجت بعد الثورة المصرية تعبّر بشكل حقيقي عن الثوار الذين لا مثيل لهم في تاريخ العالم، رغم أن ثورة يوليو عبّرت عنها الأغاني والأفلام بشكل فني هائل، ومازلنا حتى اللحظة نردد الأغاني ونستمتع بمشاهدة الأفلام .

ما جديدك في الدراما؟

آخر شيء انتهيت منه هو مسلسل “السراب”، وحالياً أقرأ نصاً جديداً لم أوافق عليه حتى الآن .

وما حكاية رفضك لأعمال مصرية؟

هذا صحيح، لكن لم يحن الوقت بعد، لأن الظرف غير مناسب، وقبل أن أجيء إلى الإمارات عُرض عليّ عملان مصريان، ولم أعطِ فيهما أي موافقة، ولا تسألني عن السبب .