2013/05/29

«بصمة روح».. برنامج سوري من وثائقيات العالَمْ!
«بصمة روح».. برنامج سوري من وثائقيات العالَمْ!


بديع منير صنيج – تشرين


يحيلنا عنوان برنامج «بصمة روح» الذي تعرضه الفضائية السورية إلى آفاق فكرية وجمالية مميزة، ويزيد من إحساسنا هذا الموسيقا الافتتاحية التي تقترب من شاعرية «شوبان» في تعاطيه مع اللحن، ليأخذنا بعدها الفيديو إلى وجوه صينية باسمة تَشُفُّ عن راحة نفسية عميقة، كل ذلك يجعلنا أمام مُقَدِّمات منطقية لبرنامج يوغا، أو صحة نفسية، أو ما شابه ذلك، ولاسيما أنه طرح «التواصل» عنواناً لحلقته التي عرضت الأربعاء الماضي، لكن المفاجئ في هذا البرنامج الذي أعده وأخرجه «عبد الرحمن الحسو» أنه جاء بمنزلة حلقة بحث تلفزيونية عن موضوع (التواصل الاجتماعي.. فوائده وظائفه ومعوقاته)، وزاد من المفارقة الإصرار على إقحام مواد فيلمية من السينما الأمريكية أو الوثائقيات الصينية والهندية وغيرها... فما معنى أن يعرض «بصمة روح» ابتسامة صبيتين شقراوين تحيطان بشرطي استعداداً لالتقاط صورة معه، أو إقحام مادة فيلمية عن أطفال أجانب يلعبون ببالونات الصابون، أو إدخال فيديو لفتاة وحيدة على كرسي في ريف أوروبي، أو امرأة عجوز تتحدث مع شريف يلبس طاقية الكاوبوي؟.

الأجدى أن يتم الالتزام بصيغة جمالية تركز على علاقة النص الفكري المطروح عبر ضيوف البرنامج بالنص البصري، على ألا يكون ذلك بالاتكاء على السينما الروائية أو الوثائقية الغريبة عن مجتمعنا، أضف إلى ذلك ضرورة تحقيق بصمة خاصة للبرنامج تنطلق من محلية الصورة وقربها من المشاهد السوري بالدرجة الأولى. فماذا يفيد الإصرار على تجاهل ملامحنا الخاصة في فضائيتنا، والتخلي عن خصوصيتنا السورية في الطرح الفكري والبصري لهذا البرنامج؟ بمعنى لِمَ يكون الحديث عن التواصل الاجتماعي بشكل عام؟ ولماذا لا نغوص في تأثير الأديان في العلاقة بين البشر ضمن مجتمعنا المحلي بدل الاكتفاء بالتلميح العام لذاك التأثير وعرض مصلين بوذيين وآخرين هندوس، مع بعض المشاهد لقداس من أوروبا الشرقية، ومصلين في ساحة أحد الجوامع؟ أما كان الأجدر بدل التركيز على التعاريف العامة الاهتمام أكثر بالتفاصيل الخاصة التي تعطي المعنى لتلك البصمة التي يطرحها البرنامج في عنوانه؟

في السياق ذاته، ومادام موضوع الحلقة هو التواصل المتضمن رسالة بين طرفين وأن أهم وظائف ذاك الاتصال كما عبر عنه ضيف الحلقة الدكتور «محمد العبد الله» أستاذ علم اجتماع هي الوظيفة الإعلامية عبر الإشراك بالحدث، فقد كان ينبغي الاهتمام بكيفية تلك المشاركة وطريقة معالجة الموضوع ليثير اهتمام المُشاهد، ويحرّك حفيظته تجاه ما يشاهده حيث يشعر أنه هو المعنيّ من خلال ما يُطرح، وهذا تماماً على عكس ما حصل في الحلقة التي شعرنا معها أننا أمام درس في الفلسفة ممزوجة مع قليل من علم الاجتماع، وبعض التعاليم الدينية، مع فواصل نظرية إضافية بصوت المعلق على خلفية فيلمية مُبطَّأة في أغلب الأحيان، تحس معها بجسامة الأخطاء، وثِقَلِ الابتسامات التي تُوزِّعها شخصيات المواد الفيلمية بالأبيض والأسود.

«بصمة روح» بحاجة إلى إعادة النظر في فحوى الرسالة التي يقدمها وكيفية طرحها، فضلاً عن أهمية إعادة الحميمية مع جمهور الفضائية السورية بدل التغريب الحاصل، لدرجة تظن معها أن هدف حلقة «التواصل» كان كل جمهور الدنيا ما عدا الجمهور السوري، تلك الحميمية التي أكد عليها ضيف الحلقة ساعي البريد «يحيى شريف» والمتوافرة في الرسالة المكتوبة بخط اليد، إذ من الأجدى الاستفادة من كاميرا محمولة تجوب الطرقات لاصطياد صور وشرائط فيلمية عن الموضوع المطروح، أو على أقل تقدير تطويع الوجوه العربية بدل التركيز على تلك الوجوه التي لا تقترب منا، فلا نشعر بأننا أمام «تغريب» ضمن برنامج تطرحه القناة الأجدر بنقل ملامحنا إلى الفضاء.