2012/07/04

«بلا حدود».. فاوست يبيع نفسه لحبة شيطانية
«بلا حدود».. فاوست يبيع نفسه لحبة شيطانية

زياد عبد الله - الإمارات اليوم

ماذا لو تمكنا من استخدام القدرات الكاملة للدماغ؟ ماذا سيحدث؟ ما الذي سنكون عليه ونحن نستطيع تعلم كل شيء، التقاط كل التفاصيل الصغيرة منها أو الكبيرة، مع القدرة على تحقيق كل ما نرغب في تحقيقه؟ لا شيء سيكون مجانياً، كل ما رأيناه حتى على غفلة منا سنتمكن من استخدامه، كأن نستعيد أسطورة الكاراتيه بروسلي وأفلامه التي شاهدناها في الطفولة أو المراهقة لدى مواجهة ما يستدعي القتال، ونمضي في تنفيذ كامل الحركات التي شاهدناها كما لو أننا نسخة طبق الأصل من بروسلي.

الأسئلة تلك، وبروسلي الذي يقفز في الهواء ويردي الأعداء، آتية جميعاً من فيلم Limitless «بلا حدود» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، ولعله متمركز حول الإجابة عن تلك الأسئلة، والأداة في ذلك حبة، مجرد حبة يتناولها إيدي موروا «برادلي كوبر» ليمضي في عالم آخر، مكونه الرئيس هو قدرته على استخدام كامل القدرات الدماغية وبالتالي إنجاز رواية يكون بصدد تأليفها بأربعة أيام فقط، وأن يتمكن من تعلم اللغات بمجرد سماعها تتردد حوله، وإلى غير ذلك مما يمكن وصفه بالسحر دون سحر، بل عبر القدرات الخارقة التي يحتكم إليها الإنسان ودماغه.

غواية

يستوقفني الفيلم عند الغواية التي يمثلها القفز بالإنسان إلى قدراته الخارقة، بل إن الفيلم لا يمتلك إلا هذا الرهان في جعلنا نتابع أحداثه، ومع ذلك المسعى لتقديم السرد من زاوية رؤية إيدي مورا الذي سنعيش ما يعيشه من مكتسبات تسببها تلك الحبة التي يحصل عليها من زوج أخته السابق بعد أن يكون محاصراً بعدد من الخيبات، ففي رأسه رواية لكنه لا يستطيع كتابة حرف واحد منها، كما أن حبيبته سرعان ما تهجره، وحين يتناول تلك الحبة فإن كل شيء يمضي على مسار متسارع وناجح، ينجز الرواية بلمح البصر، ويمسي عبداً لتلك الحبة وهمه الأوحد هو الحصول عليها بشكل مستمر، وعند عودته إلى زوج أخته السابق فإن هذا الأخير سيقتل، لكنه أيضاً سيتمكن من الحصول على كل ما لديه من حبوب تكفيه إلى حين، وهنا سينتقل إلى مستوى آخر يتمثل بهجران الكتابة والإبداع، والمضي خلف المال من خلال استثمار القدرات الخارقة التي تمنحها الحبة، وذلك عبر خوضه غمار الاستثمار الناجح والمتأتي من قدراته الكاملة القادرة على ذلك، ولينتقل هنا إلى العمل مع كارل فان لون (روبرت دي نيرو) أغنى رجل في أميركا، بحيث يشكل إيدي رهانه في كسب المزيد وشراء الشركات.

سرد متناوب

الفيلم عن إيدي أولاً وأخيراً، والسرد سيكون متناوباً لديه بين أن يكون الراوي الذي يصف مشاعره وأحاسيسه وما يراه وهو تحت تأثير الحبة، وفي مستوى آخر سنقع عليه برفقة الأحداث المتسارعة والمتصاعدة في حياته، وإلى جانب ذلك تمضي مجموعة من الأحداث المتمثلة بجرائم قتل يكون متورطاً بها، لكن دون أن يوليها الفيلم أي اهتمام، أي أن الفيلم ينتهي ولا نعرف كيف قام إيدي بذلك، كما لن نعرف تماماً إن كان قام بها حقاً أم لا. متابعتي الفيلم كانت متأتية أولاً من جمالية ما يستدعيه أكثر مما جاء عليه الفيلم نفسه الذي عانى هنّات هنا وهناك، كأن يستدعي فاوست مثلاً الذي يبيع نفسه للشيطان بينما الأخير يحقق له كل ما يرغب فيه، ولنكون في فيلم «بلا حدود» في سياق ما له أن يكون بيع إيدي نفسه لحبة دواء، لها في النهاية أن تكون أداته في تحقيق كل ما يصبو إليه.

ستكون تلك الحبة معادلاً لميستوفيليس، فإيدي سيحقق الشهرة والمال، وسينجو من كل ما يحاك له، وسيتخطى كل المخاطر، وسيقتل كل من يتربص به، لكن بمعنى معكوس هنا إن كنا نقارنه بالدكتور فاوست، فهذا الأخير رجل علم وثقافة يقع تحت غواية السلطة، بينما إيدي يحقق ذلك من خلال استسلامه لغواية الحبة المعادلة لغواية الشيطان. فاوست يوقع على ميثاق مع الشيطان لمدة محددة تصل إلى 20 سنة ربما، بينما يكون إيدي عبداً للحبوب وله أن يكمل إلى النهاية كما سنراه وهو يترشح لأن يكون سيناتور في نيويورك، وصولاً إلى النهاية المفاجئة التي تتأخر كثيراً في الفيلم.

اقتباس

يستحضر الفيلم الذي أخرجه نيل برغر، وكتبته ليسلي ديكسون في اقتباس لرواية آلان غلاين، شيئاً من الدكتور جيكل ومستر هايد، وذلك من خلال الأفعال التي يرتكبها إيدي دون وعي، كأن يرمي بفتاة من غرفة فندق، وغيرها من أفعال شريرة يقوم بها دون أن يعرف، هو «المسرنم» إن صح الوصف بما يتعلق بالأفعال الخارجة عن إرادته، كما يقول لنا الفيلم إن دماغنا يحمل كل شيء، دماغ محتشد بالأفعال الخيرة والشريرة، وله من الطاقات ما يجعله منفتحاً على شتى أنواع الأفعال، ولا نعرف إلى أين تصل بنا.

بالعودة إلى توصيف «المسرنم»، فإن الفيلم يعود بنا أيضاً إلى عام 1920 وفيلم روبرت فاين «مقصورة الدكتور كاليغاري»، إذ يمكننا أيضاً أن نجعل من إيدي شخصية سيزار التي تنفذ كل رغبات الدكتور كاليغاري، دون أن يعي سيزار شيئاً، ولنكون في فيلم «بلا حدود» أمام انعدام الحدود في ما يقوم به إيدي تحت تأثير الحبة بوعي ومن دون وعي، بقدرات دماغية خارقة وأخرى معطلة، ليبقى الفيلم معادلاً لحلم الإنسان الأزلي بأن يكون «سوبر مان»، متفوقاً وقادراً على تحقيق كل ما يصبو إليه بما في ذلك تدمير ذاته أيضاً