2013/05/29

بين فانتازي يشوهها واجتماعي يجيد تصديرها الهوية السورية ودور الدراما التلفزيونية في تشكيلها
بين فانتازي يشوهها واجتماعي يجيد تصديرها الهوية السورية ودور الدراما التلفزيونية في تشكيلها

علاء الدين العالم – تشرين


تمكنت الدراما التلفزيونية السورية من أن تأخذ لها حيزاً بين الفنون السورية التي تساهم في بناء الهوية السورية في المقام الأول، وتصديرها للعالم العربي والغربي في المقام الثاني،

فكانت من خلال أعمالها المتنوعة «اجتماعي، تاريخي، فانتازي....الخ» الممتدة على فترة زمنية لا تقل عن أربعة عقود، قد ساهمت كغيرها من الفنون في تشكيل هذه الهوية، وتوضيح ملامحها، كذلك كانت وبشكل رئيس لاعباً رئيساً في تصدير الهوية السورية للخارج على شكل أعمال تلفزيونية تتناول التاريخ السوري كمادة درامية، أو أعمال تحاكي الواقع وتنطلق منه على حد سواء، لكن السؤال الدائم الذي تصدى لهذا النوع من الفنون البصرية، هو: هل تمكنت الدراما التلفزيونية السورية عبر جوقة أعمالها، خلال ما يزيد على أربعة عقود، من تصدير صورة الهوية السورية بالشكل الصحيح الذي يعكس عراقة هذه الهوية وأصالتها؟ وهل استطاعت درامانا لعب دور ايجابي بنّاء في رسم صورة الهوية السورية؟ أم كانت عائقاً يساعد في تشويه هذه الهوية بقصد أو بغير قصد؟ للإجابة عن هذه التساؤلات المنطقية سنبحث في نوعين من الدراما التلفزيونية السورية، الأول هو ما يسمى «دراما البيئة الشامية» والثاني هو «النوع الاجتماعي» الذي طرح نفسه كعمل يحاكي الواقع السوري وينطلق منه.

دراما البيئة الشامية.....الدراما حينما تشوه الهوية

لو حاولنا تحديد نقطة انطلاق لما يسمى بدراما البيئة الشامية، لوجدنا أن مسلسل «أيام شامية» لبسام الملا في أوائل التسعينيات كان نقطة البداية لهذا النوع من أعمال الدراما التلفزيونية، هذا في حال اعتبرنا أن أعمال «صح النوم.. وحمام الهنا.. مقالب غوار، حارة القصر..» وغيرها من الأعمال التي جعلت من مدينة دمشق حاضناً مكانياً للمفترض الحكائي الذي تطرحه، هي أعمال لا تندرج تحت مسمى «دراما البيئة الشامية» لعدة أسباب أهمها: عدم تناول هذه الأعمال للفترة العثمانية والفرنسية فيما بعد، وابتعادها عن الفانتازيا التاريخية التي نلمسها في أعمال البيئة الشامية اليوم، منذ «أيام شامية» إلى اليوم، صدرت عدة أعمال اندرجت تحت هذا النوع من الدراما، كان أهمها سلسلة «باب الحارة» ذات الأجزاء الخمسة، وفي الإجابة عن دور هذا النوع من الدراما التلفزيونية في تشكيل الهوية السورية وتصديرها، نجد أن دراما البيئة الشامية على ما هي عليه اليوم لم تشوه تاريخ دمشق كونه مكوّناً أساسياً يساهم في تركيب الهوية السورية وحسب، بل قامت بدور سلبي في تصدير الجزء الدمشقي من هويتنا السورية، فابتعاد هذه الأعمال عن تصوير تاريخ دمشق الحقيقي، وتشويه المجتمع الدمشقي يجعله مجتمعاً متعصباً متخلفاً تسوقه غريزة القطيع، وتغييب دور المرأة الدمشقية في تلك الحقبة المهمة من تاريخ سورية، وقوقعتها بقوقعة البيت الدمشقي المغلق، وتهميش دور العلم، والعمل على تظهير جرعات زائدة مزيفة من القبضنة الفارغة.. هذه الأمور السلبية وغيرها ساهمت في جعل دور «دراما البيئة الشامية» في بناء الهوية السورية وتصديرها إلى العالم العربي دوراً سلبياً، مع الالتفات إلى القوة التسويقية التي رافقت هذه الأعمال ما أدى إلى انتشارها على مستوى الوطن العربي، وهذا ما عمّق المسؤولية تجاه صناع هذه الأعمال في تصديرهم لأعمال لا تعبر عن هويتنا الثقافية وحسب، بل تشوهها، ناهيك بتدمير هذه الأعمال للصورة الثورية لثوار دمشق في وجه الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي، والتي ارتسمت عبر أجيال عدة في ذهن الإنسان العربي، فعلى خلاف الواقع، لم يعد يعلم من يشاهد هذه الأعمال الدور التنويري الثوري لرجالات دمشق في وجه الاحتلال العثماني قبيل النهضة العربية، كما تم في هذه الأعمال التعتيم على الحياة السياسية النشطة في سورية زمن الانتداب الفرنسي، على حساب إبراز حلقات القبضة الشامية بشكل مبتذل، بذلك لعبت أعمال ما يسمى «بدراما البيئة الشامية» دوراً هداماً ومشوهاً في بناء الهوية السورية، وفشلت في تصدير صورة حقيقية للهوية السورية بشكل عام والمركب الدمشقي بشكل خاص، صورة  تعكس عراقة هويتنا وتبرز عناصرها الأصيلة. مع العلم بأن هناك أعمالاً خرجت من هذا المسار وعادت إلى المسار المستقيم في تصوير دمشق، ومنها مسلسل  «طالع الفضة» لـ سيف الدين سبيعي على سبيل المثال، لكنها لا تزال عاجزة عن محو الصورة المشوهة للهوية السورية التي كرستها العشرات من أعمال دراما البيئة الشامية في ذهن المشاهد السوري والعربي على حد سواء.

الدراما الاجتماعية.......المساهمة الفعالة في بناء الهوية

على عكس ما فعلت «دراما البيئة الشامية»، فقد استطاعت الدراما الاجتماعية عن طريق أعمال عديدة وعبر ثلاثة عقود من تأدية الدور البناء للدراما التلفزيونية في رسم الهوية السورية وتصديرها، مركزة بذلك على الواقع السوري ومكوناته ومشكلاته والعلاقات الاجتماعية التي تحكم الأنساق المجتمعية في داخله، كذلك صورت الطبقات الاقتصادية في المجتمع السوري، مظهرة بذلك الغنى الاجتماعي والتنوع الذي يتميز به المجتمع السوري، فانطلاقا من أعمال «كالخشخاش، وهجرة القلوب إلى القلوب» التي صورت واقع الريف السوري ومعاناته ومكوناته، والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تربط ريف سورية بمدنها، مرورا بمسلسلات من نوع «الفصول الأربعة» لحاتم علي، الذي ظهر فيه مجتمع المدينة السوري وحال الطبقة الوسطى وطريقة عيشها والعلاقات الإنسانية في هذه الطبقة وارتباطها مع غيرها من الطبقات والشرائح، وانتهاء بأعمال اجتماعية كانت فخر الدراما التلفزيونية السورية، ومثالها مسلسل «الانتظار» لحسن سامي يوسف ونجيب نصير وإخراج الليث حجو، والتي قاربت فيه الدراما الاجتماعية واقع الطبقات الفقيرة المهمشة التي تقطن العشوائيات، مظهرة بذلك القوانين المجتمعية التي تحكم حياة هذه الطبقة، والمعاناة اليومية لأفراد هذه الطبقة، برصد يومي لحياة مجموعة أفراد تنتمي إلى هذه الشريحة الفقيرة، ناهيك بالأعمال الاجتماعية التي اتجهت نحو شريحة الشباب ومثالها «وشاء الهوى، سوق الورق، تخت شرقي....»، هذه الأعمال التي انطلقت من واقع الشباب السوري في المجتمع مصورة حال هذه المرحلة العمرية في سورية ومحاكية للواقع المعيشي للشباب على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم المناطقية، وعارضة للصعوبات التي تواجه الشباب أثناء اصطدامه بالواقع العملي.. من خلال هذه الأعمال وغيرها ساهمت الدراما الاجتماعية في تشكيل الهوية السورية من خلال ثلة من المسلسلات التي عكست غنى المجتمع السوري على امتداد مدنه وأريافه، كما نجحت في تصدير صورة صادقة وحقيقية عن المجتمع السوري يظهر من خلالها غنى المجتمع السوري وأصالته، وقدرة الإنسان السوري على إقامة جسور من التواصل مع الآخر الذي ينتمي إلى طبقات ومعتقدات أخرى.

إن تجاهل القائمين على صناعة أعمال دراما البيئة الشامية عن للدور الرئيس للدراما التلفزيونية في رسم الهوية السورية وتصديرها إلى الآخر أديا إلى ظهور أعمال لا تنتمي إلى تاريخ دمشق إلا من الناحية المكانية، كذلك فإن وعي بعض صناع الدراما الاجتماعية للدور الريادي للدراما التلفزيونية في تشكيل هويتنا السورية أدى إلى صدور أعمال ساهمت بشكل بناء في تصدير صورة حقيقية عن هويتنا السورية، ولذلك تقع على عاتق صناع الدراما التلفزيونية بكل أنواعها مسؤولية تصدير هذه الهوية على نحو صادق وحقيقي يعكس غنى هذه الهوية وتنوعها.